الجدل المبكر مهد للانتشار.. وغضب الإخوان دليل تأثير
الحشاشين..«درة» مسلسلات رمضان 2024
محمد عبدالرحمن
أصبحت ظاهرة لا يمكن وصفها بالعفوية، أن تتزامن مع انطلاق سباق رمضان الدرامى إثارة كبيرة للجدل حول أحد المسلسلات وربما أكثر من مسلسل حتى قبل أن ينهى الجمهور أولى وجبات الإفطار، يبدأ الناس يسمعون ويقرأون عن المسلسل وانتقاداته حتى قبل مشاهدة التترات، جدل مبكر يساعد على انتشار العمل رغم وقوف البعض فى الجهة المقابلة بهدف صرف انتباه المشاهدين؛ لكن العكس هو ما يحدث، فكلما زاد صوت الجدل ارتفع منسوب الاهتمام، خصوصًا عندما يوازيه غضب المحسوبين على جماعة الإخوان الإرهابية الذين تصدوا بكل قواهم للمسلسل الأكثر جدلية فى سباق رمضان 2024، جديد المؤلف عبدالرحيم كمال والمخرج بيتر ميمى، والنجم كريم عبدالعزيز، مسلسل الحشاشين.
أسبوع واحد مر من شهر رمضان المبارك، لكنه كافٍ لنصف مسلسل «الحشاشين» بأنه درة السباق الحالى، أو بمعنى أدق المسلسل الذى يميز الماراثون الدرامى والذى سيعرف به لاحقًا، الكل كان فى حالة انتظار وترقب للعمل الذى بدأ تصويره قبل نحو عام ونصف العام حتى إنه فى البداية كان مرشحًا لدخول سباق رمضان 2023، لكن صنَّاع المسلسل الذى يعد الأبرز والأكبر ميزانية بين إنتاجات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية فى المرحلة الحالية قرروا أن يعطوا كل تفصيلة وقتها وتم الإعلان عن تأجيل العرض لعام كامل كان كفيلاً بتفسير المستوى المبهر فيما يتعلق بالتقنيات الفنية من ملابس وديكورات ومواقع تصوير وتصميم معارك بجانب شريط الصوت والمؤثرات البصرية، المسلسل من الناحية التقنية يمثل نقلة أو لنقل قفزة غير مسبوقة فى مستوى الإنتاج الدرامى المصرى الذى عانى طويلاً من ثغرات فيما يتعلق بالمحتوى التاريخى قبل تحسن مطرد فى المواسم الأخيرة وصولًا للمستوى الرفيع الذى ظهرت به حلقات «الحشاشين».
ما سبق يمهد للدخول فى الملف الشائك، حيث هذه المرة الأخطاء الفنية غير موجودة، لا أحد يبحث عن «ساعة فى يد جندى عاش منذ قرون مضت» ولا أخطاء فى «لاكورات المشاهد» ولا حذاء رياضيًا فى قدمى «كومبارس صامت»، الكل اتجه نحو المضمون واللغة التى يتكلم بها الممثلون.
• من وحى التاريخ
كعادة كل ملف جدلى يحدث الانقسام، لكن الكثير من المشاهدين حسنى النية لا يرون الدوافع الخفية وراء تلك الانقسامات، الكل يعرف أن الدراما التاريخية لا تنقل التاريخ كما هو لسبب بسيط أنه لا توجد رواية تاريخية واحدة ثابتة لا جدال عليها، التاريخ تكتبه كل الأطراف وصاحب الرواية الأكثر انتشارًا هو الأقوى الذى ينجح فى فرضها لخدمة مصالحه، لكن كثيرين لم ينتبهوا للجملة التأسيسية الموجودة على تتر المسلسل «أبطال وأباطيل من وحى التاريخ»، أى أن المؤلف عبدالرحيم كمال يقول بداية أنه لا يكتب التاريخ وإنما يستوحى من أحداثه ما يصيغ به عملاً دراميًا صالحًا للعرض على الجمهور متعدد الثقافات والخلفيات، وإلا لو التزم بالوقائع التاريخية كما وردت فى الكتب والمراجع سيحوله إذن إلى عمل وثائقى يرشد المتفرج لكل مصدر استعان به، بالتالى هناك فرق كبير بين «من وحى التاريخ» وبين «معتمدة على وقائع حقيقية أو حدثت بالفعل» التى نراها على الكثير من أعمال السير الذاتية أو حوادث بعينها وقعت فى ظروف ما ولا يحيط بها جدل كبير.
الغاضبون من المسلسل، الذين شاهدوا حلقة واحدة أو اثنتين على أقصى تقدير، لم يضعوا كل ذلك فى الاعتبار، بل فعلوا كمن يصحح ورقة امتحان فى التاريخ ويراجعون جملة جملة وراء المؤلف ويعطون للعمل ككل درجات وكأنهم وحدهم المسئولون عن حماية التاريخ الذى يعترفون به هم دون أدنى اعتبار لحرية الآخرين فى تأويله وتقديمه بطريقتهم.
اللافت أنهم يختلفون حول تفاصيل يمكن فعلاً التوقف عنها وسؤال المؤلف والمخرج عن سبب التغيير فى بعض الأمور التى وقعت بالفعل، لكن الكل يصرف النظر عن التيمة الرئيسية للمسلسل وهى أنه كانت هناك جماعة بالفعل اسمها «الحشاشين» تعد حسب معظم المراجع التاريخية أول جماعة إرهابية فى تاريخ العالم الإسلامى، جماعة تكونت من أجل فرض آرائها وأفكارها على الدولة الإسلامية القائمة فى ذلك الحين.
• جذور الإرهاب
نحن باختصار أمام مسلسل يبحث فى جذور جماعات العنف السياسى ويحاول الإجابة عن سؤال أساسى: «متى بدأت المأساة»؟ مأساة تكون جماعات ولاء أعضائها للشخص وليس للفكرة، للهدف البعيد الذى هو الجنة كما يتوهمون وليس لصالح المجتمع؛ لكن لأن هناك من يدركون أن الجمهور قد يربط بين القديم والمعاصر، بدأت الحملة مبكرًا وكان دخول الأصوات الإخوانية على الخط دليلاً على قلقهم من التأثير المحتمل للمسلسل، نحن هنا لسنا أمام سلسلة «الاختيار» التى فضحت ما فعلته الجماعة منذ 2011؛ بل نحن أمام أحداث وقعت قبل نحو ألف عام ومعظمها فى وسط آسيا، وتحديدًا إيران والعديد من العواصم العربية حتى إن ظهور القاهرة فى الصورة لم يستغرق إلا حلقتين تقريبًا، ومع ذلك تم التعامل بعنف مع المسلسل الذى قدمت الدراما السورية منه نسخة سابقة ووقتها لم يخرج أحد ويربط بينه وبين أى حدث معاصر، تاركين للجمهور تأويل الشخصيات والمواقف كيفما يرون.
باختصار تعرض مسلسل «الحشاشين» لحملة مصادرة مبكرة، تحاول «تنفير» الناس من المشاهدة وهو الأمر الذى أتى حتى الآن بنتيجة عكسية، بل زاد الإقبال على العمل وكثيرون يريدون معرفة السبب الحقيقى وراء الجدال وهو دليل نجاح وانتشار بالرغم من الأصوات التى سعت للتشويش على واحد من أهم الإنتاجات المصرية فى الفترة الأخيرة.
• العامية تنتصر
الجدل حول المضمون بهدف إبعاد الجمهور تزامن مع جدل آخر حول اللهجة المصرية التى يتكلم بها الأبطال، واللافت أن بعض استطلاعات الرأى على منصات التواصل الاجتماعى أكدت أن النسبة الأكبر من المشاهدين لا يوجد لديهم أى غضاضة فى مشاهدة عمل تاريخى باللهجة المصرية، وهنا علينا أن نفرق بين انحياز المثقفين والمتابعين للدراما التاريخية منذ سنوات للغة العربية الفصحى باعتبارها الأكثر استخدامًا فى تلك الأعمال، وبين الخيار الفنى لفريق العمل والذى يتحملون مسئوليته بالكامل وهو أن يكون الحوار باللهجة المصرية أو البيضاء أى التى لا تتضمن مفردات مصرية خالصة لا يفهمها إلا أهل المحروسة، بل تجعل المسلسل مفهومًا فى كل أنحاء الوطن العربى حيث الجمهور المستهدف بأكمله.
صحيح أن بعض التعبيرات جاءت وكأنها خارجة عن السياق، وفى مشاهد أخرى تحدث بعض الممثلين بالفصحى، لكن كل ذلك لا يصادر على حق فريق العمل فى اختيار اللهجة المناسبة من وجهة نظرهم والحكم فى النهاية للمتفرج، والدليل أن الدراما الإيرانية قدمت قصة سيدنا يوسف من قبل باللغة الفارسية ولم يخرج أحد يقول أنه يجب إقرار الفصحى لهذا المسلسل، وهو ما ينطبق على الدراما التاريخية التركية التى يتم ترجمتها ودبلجتها للعربية فلماذا يحق للصانع الأصلى الاحتفاظ بلغته ويحرم الصانع المصرى من الأمر ما دام استخدام اللهجة المصرية لم يؤثر على السرد الدرامى؛ بل ساهم فى الوصول بالمسلسل إلى فئات أوسع من الجمهور من بينها من كان يخاصم المسلسلات التاريخية بسبب صعوبة وقع الفصحى على أذنيه.
• كريم على القمة
التشويش على القضية الرئيسية لمسلسل «الحشاشين» وهى الكشف عن جذور الجماعات المتشددة، طال أيضًا نجومية بطل المسلسل كريم عبدالعزيز، الذى يتمتع بجماهيرية كبيرة ليس فى مصر فقط، ولكن فى الوطن العربى برمته، كاريزما «حسن الصباح» على الشاشة الرمضانية جعلت البعض يقول أن المسلسل قد يأتى بنتيجة عكسية فالجمهور المحب لكريم سيحب الصباح، وهو أمر ربما كان مصدقًا قبل عقود عندما كان وعى الجمهور لا يفصل بين الممثل والدور، الآية تغيرت إلى حد كبير، ولو أن كل ممثل محبوب قدم دورًا شريرًا وأصبح قدوة فالعيب هنا فى المجتمع وليس فى إجادة الممثل للشخصية.
«الحشاشين» مسلسل أكد قدرة كريم عبدالعزيز على تقديم كل الأدوار، وأضاف الكثير للمكانة التى يتمتع بها، لكن فى النهاية مازلنا حتى كتابة هذه السطورلم نصل بعد لمنتصف السباق الرمضانى والحكم النهائى سيكون بعد مشاهدة المسلسل كاملاً، لكن بالتأكيد من المهم الإشادة بالمستوى الفنى والتقنى المميز الذى وصلت له الدراما المصرية هذا الموسم، وأيًا كان الجدل فهو دليل نجاح وانتشار ولو كان «الحشاشين» عملاً عاديًا لمر مرور الكرام.