الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لماذا حوله سيدنا عمر لوقف لدفن المسلمين وما هى قصص مقابر الأقباط

جبل الأولياء

صورة تاريخية لجبل المقطم ومسجد محمد على يظهر خلالها
صورة تاريخية لجبل المقطم ومسجد محمد على يظهر خلالها

اشتهر جبل المقطم بالقاهرة على مَرّ التاريخ بكونه قبلة للزاهدين، والمُتأمّلين، ومِحرابًا للعابدين، والرهبان، لذا فإن سفحه يحتضن العشرات من المقامات، والأضرحة، والمساجد، والكنائس، ويوارى ترابه أجساد الأولياء، والقديسين، فتحوّل لمزار أمام جموع المريدين، الذين يأتون إليه من كل صوبٍ للتزود بروحانياته، وطلب العون، وغسل الذنوب، والتبرُّك بنفحات العارفين. 



اختلفت الروايات حول تسميته بـ«المقطم»، فقيل إنه سُمّى بذلك بسبب أطرافه المنقطعة، فيما أرجع المقريزى سبب التسمية إلى أن حفيد النبى نوح، وأول من سكن مصر «مصرايم» أراد استخراج الذهب والفيروز منه بطريقة كيميائية فجعل أمرها إلى شخص يُدعى «مقيطام»، وقيل إن «المقطم» مأخوذ من القِطم، ويعنى القطع، كما وصفه «الإدريسى» بأنه «جبل مشرف على القرافة ممتد إلى بلاد الحبشة على شاطئ النيل الشرقى، وعليه مساجد وصوامع، لا نبت فيه ولا ماء». وقُبر بسفح الجبل أجساد بعض صحابة رسول الله، والتابعين لهم، بعد الفتح الإسلامى لمصر على يد عمرو بن العاص فى عهد الخليفة الثانى للمسلمين عُمر بن الخطاب.

ضريح العز بن عبدالسلام
ضريح العز بن عبدالسلام

 

وحوّل عمر بن الخطاب جبل «المقطم» بعد الفتح الإسلامى لمصر، إلى وقف لدفن المسلمين، وخصص جزءًا لمدافن الأقباط.

وتُشير روايات تاريخية إلى أن «المقوقس» طلب من عمرو بن العاص شراء «المقطم» بسبعين ألف دينار، فرفض بيعه، وطلب أن يكون مقبرة لمن مات من المؤمنين، وقيل إن أوّل من قبر فيها رجلٌ يُقال له «عامر».

ضريح العظماء

يضم «المقطم» مقبرتين، إحداهما تُسمى «القرافة الصغرى» وتمتد من شارع صلاح سالم حتى مشارف جامع ابن طولون، والثانية هى «القرافة الكبرى» وتقع فى منطقة الدراسة، وتصل حتى مشارف مدينة نصر شمالًا، وجنوبًا تدخل فيها قلعة الجبل، يجاورها عدد من الأضرحة، ويحتضن المقطم أجساد بعض الصحابة، والتابعين.

ضريح  الإمام الشافعى
ضريح الإمام الشافعى

 

ومن بين الصحابة الذين يشتهر دفنهم فى جبل المقطم عمرو بن العاص، فقيل إنه قُبر بعد وفاته بـ«ضريح العظماء»، ويقع بقرافة سيدى عقبة، فى منطقة وعرة أعلى سفح المقطم.

ويعتبر الصحابى عقبة بن عامر الجهنى أول من دُفن من الصحابة فى مقابر «ضريح العظماء»، وهو أحد خُدّام النبى «محمد»، وكان يأخذ بزمام بغلة النبى يقودها فى الأسفار.

وتدّعى روايات تاريخية أن جزءًا من رُفات الصحابى سارية الجبل نُقل إلى مصر، ودُفن بمقبرة بالمقطم قبل بناء القلعة، ثم شيّد عليه الأمير المرتضى أبو منصور قسطة الأمرى سنة 535 هـ، مسجدًا، وهو أول المساجد التى أنشئت فى مصر على الطراز العثمانى، حيث جدده سليمان باشا الخادم الذى عين واليًا على مصر سنة 932 هـ، ولذلك يدعى مسجد سليمان باشا.

ويقع بالمقطم ضريحٌ آخرُ منسوب للصحابى أبى ذر الغفارى، مُدوّن على واجهته «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. هذا مقام العارف بالله سيدى أبو ذر الغفارى رضى الله عنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وهو مقام بسيط متواضع.

فى رحابه

عاش العديد من التابعين، والفقهاء، حياة روحيّة فى رحاب جبل المقطم، وكما كان مكانًا للاختلاء فى حياتهم، فإنه احتضن أضرحتهم بعد وفاتهم، وأشهر هؤلاء الإمام «الشافعى»، الذى وفد إلى مصر، وعاش فيها حتى وفاته، وبذل كل جهده، ونذر ما تبقى من حياته، فى تعليم الناس فقه الدين، فذاع صيته وانتشر مذهبه بشكل كبير فى ربوع مصر، حتى وافته المنية عام 204هـ، وعمره 54 سنة، فدفن بالقرب من جبل «المقطم». 

ضريح  الليث بن سعد
ضريح الليث بن سعد

 

وذكر «المقريزى» أن الملك الكامل بن العادل بن أيوب شَيّد قبة فوق المقبرة فى 608هـ، بلغت تكلفتها 50 ألف دينار، وطوّرت المقبرة من قِبَلِ السلطان «قايتباى»، ثم السلطان «الغورى»، وكذلك الأمير عبدالرحمن كتخدا، الذى أنشأ سبيلًا على يسار القبة، ومسجدًا وداخل القبة توجد ثلاث مقابر لـ«الشافعى»، ولـ السلطان الكامل، ولوالدة الكامل.

ووجّه الخديو توفيق عام 1891م، 1309هـ، ببناء مسجد الشافعى بالقرب من مدفنه، فأشرف على بنائه على باشا رضا، مدير الأوقاف حينها.

كما يضمّ المقطم ضريح الليث بن سعد، الذى يُعتبر من أشهر فقهاء مصر، وهو أبوالحارث الليث بن سعد بن عبدالرحمن الفهمى، أصفهانى الأصل، مصرى المولد، ولد بقرية قلقشند بمحافظة القليوبية فى شهر شعبان سنة 94 هــ. وقال عنه الإمام «الشافعى» عندما وقف على قبره «لله درك يا إمام لقد جمعت أربع خصال لم يكملهن عالم: العلم، والعمل، والزهد، والكرم».

جامع شاهين الخلوتى
جامع شاهين الخلوتى

 

ويقع الضريح فى شارع الإمام الليث بمصر القديمة، وكان فى أول الأمر على شكل مصطبة مدوّن عليها «الإمام الفقيه الزاهد العالم الليث بن سعد بن عبدالرحمن أبوالحارث المصرى مفتى أهل مصر». وأول من طوّر مدفنه تاجر كبير يُدعى أبوزيد المصرى، فى 940 هــ، وتوالى التجديد على الضريح حتى عصر السلطان الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون، ثم جدد سيف الدين المقدم قبة الضريح عام 780 هـ، حتى أجريت عمارة المسجد فى أيام الناصر فرج بن الظاهر برقوق عام 811 هـ.

وأعيد تجديد الضريح مَرَّة أخرى عام 832 على يد امرأة قدمت من دمشق، فى عهد السلطان المؤيد.

وفى عهد السلطان الملك الأشرف قايتباى أقام الأمير يشبك بن مهدى سنة 884 هـ مئذنة فى الطرف الغربى من جامع الإمام الليث، وأجرى السلطان الغورى عدة تجديدات على المدخل الرئيسى للمسجد، بينما يرجع تاريخ القبة والمقصورة الموجودتين الآن على الضريح إلى العمارة التى قام بها الأمير موسى جوريجى ميرزا مستحفظان.

إمام الأولياء

حبب لأولياء الله، والزاهدين، والعارفين بالله الاختلاء، والانعزال فى جبل المقطم، فكان لهم مِحرابًا للتعبُّد، ومَهربًا من لذات الدنيا، ومتاعها الغرور الزائل.

والشاهد على ذلك أضرحتهم المنتشرة هناك إلى الآن، مثل ضريح القطب الصوفى الشهير ثوبان بن إبراهيم المُلّقب بـ«ذو النون المصرى»، الذى يُصنّف كأول المتصوفين فى مصر، لذا لُقب بـ«أمير الزاهدين».

وفى جبل الأولياء والصالحين نجد ضريح شيخ الإسلام، وقاضى القضاة العز بن عبدالسلام بن أبى القاسم، بالقرب من جبانة التونسى، وضريح الإمام الليث. وعُرف عن العز الورع، والزهد، فوفد إلى مصر، وأقام فيها أكثر من عشرين سنة ناشرًا للعِلم، واختلف المؤرخون حول اتباعه للصوفية من عدمه، ويقال إن له كرامات كثيرة، وتُوفى فى مصر، ودفن بالمقطم.

ويوجد بـ«المقطم» ضريحٌ لإمام الأولياء الشهير ابن حجر العسقلانى، الذى توفى عام 852هـ، وهو شارح البخارى فى كتاب «فتح البارى»، وله المئات من المؤلفات، ويلقب بـ«أمير المؤمنين» فى الحديث، حيث نبغ فى علم الحديث مطالعة وقراءة وتصنيفًا وإفتاء، حتى شهد له بالحفظ والإتقان.

قرافة المماليك
قرافة المماليك

 

وكان إطلاق لقب «الحافظ» عليه محل إجماع بين العلماء، لذا توافد إليه الطلبة من جميع الأقطار فى عصره.

ويحتضن الجبل جسد سلطان العاشقين، الشاعر الصوفى الشهير أبى القاسم عمر بن أبى الحسن، المعروف بـ«ابـن الفارض»، المولود فى 576 هـ، وعاش فى كنــف الدولة الأيوبية، وسلك طريـــق التصوف، فكان فى جميع مراحل حياته زاهدًا متجردًا سائحًا متعبّدًا. 

يـــقول «ابن الفارض» عن نفسه إنه «دخل المدرسـة السيوفية بالقاهرة، فوجـــد شيخًا بقــالا يتوضـأ وضـوءًا غير مرتب، فاعترض عليه بأن هذا الوضوء مناف لقواعد الشـرع، وهــنا نظر الشيخ إلى ابن الفارض وقال له يا عمر أنت ما يفتح عليك فى مصر، وإنما يفتح عليك بالحجاز فى مكة شرفهــا الله، فاقصدها فقد آن لك وقت الفتح».

تعجّب «ابن الفارض» من قول الشيخ، وردّ بأن المسافة إلى مكـــة بعيدة، وأنه لا يجد ركبًا غير فى أشهر الحج.

فقال له الشيخ وهو يشير: «هذه مكة أمامك».

فقال «ابن الفارض» فنظرت معه فرأيت مكة شرفها الله، فرحل لها وظل بها 15 عامًا، قبل عودته إلى القاهرة عام 629 هـ، استجابة لإشارة روحية مـن أستاذه وشـيخه البقّال، الذى ناداه لحضور وفاته، وتشييع جنازته، فأقام فى مصر حتى وفاته فى 632 هــ، وعمره 56 ســنة، ودُفن حسب وصـيته فى اليوم التالى لوفاته بجوار قبر شيخه البقّال بجبل المقطم، وأقيم على قبره ضـريحٌ منذ العـصـر الأيوبى، وشيّد السـلطـان أينال العـلائى للضـريح مسـجدًا، يقع بالقرب من مقام سيدى «شاهين الخلوتى».

القديسين أيضا

أما ضريح القطب الصوفى ابن عطاء السكندرى فهو من أشهر الأضرحة فى «المقطم»، وهو فقيه مالكى، وحامل لواء الطريقة الشاذلية الصوفية، وله العديد من الألقاب منها «قطب العارفين»، و«ترجمان الواصلين»، ووفد أجداده المنسوبون إلى قبيلة جذام، إلى مصر بعد الفتح الإسلامى واستوطنوا الإسكندرية حيث وُلِدَ ابن عطاء الله فى نحو سنة 658 هـ، وأقام فيها حتى وفاته بالمدرسة المنصورية فى القاهرة سنة 709 هـ، ودفن بمقبرة بسفح جبل المقطم، داخل الزاوية نفسها التى كان يتعبد فيها.

ولايزال قبره موجودًا بجبانة سيدى على أبو الوفاء تحت جبل المقطم، من الجهة الشرقية لجبانة الإمام الليث، وأقيم على قبره مسجدٌ فى عام 1973، افتتحه الرئيس الراحل أنور السادات.

وعلى سفح «المقطم» يقع ضريح الشريفة «أم كلثوم»، وكتب على واجهته «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. مقام الطاهرة أم كلثوم بنت الحسين رضى الله عنهما».

وهى أم كلثوم بنت القاسم الطيب، يرجع نسبها إلى الحسين بن على بن أبى طالب، من آل بيت النبوة.

وهى شقيقة فاطمة العيناء، ويُقال إنها تزوّجت بمصر، وأنجبت عددًا من الأولاد لم يذكر عددهم ولا أسماؤهم، وقد انقرضت ذريتها، وقيل إن معها فى قبرها جماعة من أولادها. 

وتوفيت أم كلثوم بعد والدها أبى القاسم الطيب، وضريحه على بُعد أمتار منها، وذلك فى نهاية القرن الثالث الهجرى.

وكان والدها أبوالقاسم الطيب أحفظ الناس لحديث الرسول محمد، وحفظت «أم كلثوم» كل ما كتب عن والدها، وكانت تُحدّث به بعد وفاته، ويقع ضريحها بالقرب من ضريح أخيها يحيى الشبيهى أيضًا، كما أنه لا يبعد كثيرًا عن ضريح أبى منصور الثعالبى.

كما يقع ضريح «آل طباطبا» بشارع عين الصيرة، وهو الأثر الوحيد المتبقى من العصر الأخشيدى، ويُنسب آل طباطبا إلى على بن أبى طالب، ولقبوا بذلك الاسم لأن كبير العائلة إبراهيم الديباج كان ينطق حرف القاف طاء، فلقب بـ«طباطبا»، وذكر «ابن الزيات» فى كتابه «الكواكب السيارة فى ترتيب الزيارة» أن من السادة الأشراف المدفونين بذلك المشهد كل من على بن الحسن بن طباطبا، الذى أسرف فى الزهد حتى فقد ماله.

ولجبل «المقطم» قُدسية خاصة عند أقباط مصر، فيقال إن نبى الله المسيح عيسى، وأمه العذراء مريم، مَرّا عليه فى رحلة العائلة المقدّسة، فباركوه، فضلًا عن انتشار الكنائس، والأديرة، ومقابر القديسين، أبرزها دير «سمعان الخراز» الذى له مع «المقطم» قصة.

وتعدُّ «معجزة نقل المقطم»، التى تختلف الروايات التاريخية حولها، من أبرز القصص القبطية حول الجبل، فيقال إن قديسًا كفيفًا يُدعى «سمعان الخراز» استطاع نقل جبل المقطم إلى مكانه الحالى، فى عصر المعز لدين الله الفاطمى، تحدّيًا لوزيره اليهودى «يعقوب بن كلس».

ويحتضن جبل القديسين 8 كنائس، هى «سمعان الخراز»، «الأنبا شنودة»، «الشهيد مار مينا»، «مريم العذراء»، «الشهيد أبانوب»، «الشهيد يوليوس الأقفهصى»، «الأنبا كاراس السائح»، «الشهيد الأنبا موسى الأسود».