الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
نعمة «الألم» وفوائده!

نعمة «الألم» وفوائده!

الناس كلها تلفظ الألم أو ترفضه، بل تكرهه، ولذا هم يحاولون الهروب منه بشتى الطرق حتى لو كان ذلك من خلال أقراص مسكنة للألم قد تجدى لبعض الوقت، فنحن نعلم تمامًا أن المسكنات كلها مسألة وقتية سرعان ما تزول أو تنتهى ليعود الألم من جديد. وفى الوقت الذى لا ننكر فيه أن الآلام وأوجاعها صارت لها أيضا فوائدها العديدة، فالإنسان الذى يلحق به أى ألم أو وجع يستقبل إنذارا بوجود شىء غير طبيعى أو خلل داخل الجسم ولذلك يكون هنا للألم فوائده التى توقظنا مما نعانى منه من مرض أو آلام قد لا تحتمل والتى لولاها ما سمح الله سبحانه وتعالى بها، وهنا نذكر ما قاله أمير الشعراء «أحمد شوقى» عن الألم الذى يشعر به الإنسان من خلال إحدى قصائده عندما قال «ومتعت بالألم العبقرى وأنفع ما فى الحياة الألم».



وذلك لأن النفس البشرية تكون أكثر شفافية وحساسية فى حالة الألم أكثر منها فى الأمور العادية أو المعتادة. كما أن الألم دليل دامغ على الحياة أو الإحساس بها، وكلنا نعرف أن العضو الميت فى الجسم لا يشعر بالألم وعلى النقيض منه العضو الحى الذى يشعر بأى ألم أو وجع، وبذلك تكون تلك أول فائدة للألم لكونه إنذارا شديد اللهجة بوجود خلل داخل جسم الإنسان وقد تمثل ذلك بالشعور بالألم فهو بمثابة تنبيه وأيضا بيان لموضعه حتى يكون الشخص على بينة على أن هناك شيئا غير معتاد أو غير طبيعى فى جسمه يستوجب علاجه على الفور، لكن أخطر الأمراض هى التى تبدأ دون أى إحساس بالألم لتظل تسرى ثم تتطور دون وجود ألم حتى تصل إلى أعلى درجات الخطورة، وقد يصعب علاجها، مثل أمراض السرطان بأنواعها، التى تتوغل أو تستشرى داخل الجسم فى البداية دون أن نشعر بها تماما لكن مع توالى الوقت يتفاقم ويشعر به الإنسان من خلال الألم الذى ينبهنا إلى وجود مرض، لذلك يجب أن نتفادى تطورات أى مرض أو آثاره المدمرة أو كذلك مرض الطفل الرضيع الذى لا يستطيع أن يعبر عما يشكو منه لكن ألمه يكون هو التعبير الذى يكشف عن موضع الوجع أو الألم به كى نتوقف عنده ونعالجه، فشعور الطفل بالألم وصراخه المستمر الذى لا يتوقف بسببه هو نقطة البداية ليتم إجراء الكشف عليه ومن ثم علاجه. ومن فوائد الألم أيضا أنه صنع نهضة فكرية فى العقل البشرى الذى وقف تجاهه لعدة أمور ولاكتشاف موضع الألم أو مكانه ومن ثم البحث عن أسبابه والعمل على تسكينه أو تهدئته ثم علاجه.

لهذا نؤكد أنه من فوائد الألم أنه كان سببا طبيعيا فى نشأة علم الطب، فلولا الألم والتفكر فى التخلص منه ما كانت هناك حاجة إلى الطب على أنه يتعدد نوعية الألم وظهرت تعددات فى تخصصات الأطباء، فكل ألم ظهر أمامه نوع تخصص طبى كما أن استخدام مادة البنج المخدرة يستعان بها فى إجراء العمليات الجراحية بأنواعها، التى تتطلب ذلك، فلولا الألم ما نشأ علم التخدير بأنواعه ومن فوائد الألم أيضا أنه يكون دافعًا روحيًا يتقرب به المتألم إلى الخالق ملتمسًا الرحمة والشفاء كما أن بعض الوقت من الألم الشديد يكون له تأثير فى المرض لا سيما الأمراض الخطيرة والأوجاع الشديدة حين يكون باب الأمل أو الرجاء مفتوحًا أمام المريض من عند الله وليس سواه.

ومن فوائد الألم أنه قد يكون سببًا فى التعاطف الاجتماعى وإحاطة الشخص المتألم بالمحبين والأصدقاء والأقارب الذين يحيطون به بكل مشاعر المودة يطلبون له الشفاء.. حقًا ما أعمق القلب النبيل الذى يحس ويشعر بآلام غيره ويتأثر بها.

وأخيرًا فإن من فوائد الألم أنه يدفعنا إلى حياة الشكر، فلولاه ما كان الناس يشكرون على نعمة الصحة التى هى تاج على رؤوس الأصحاء.