الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
 حب إلكترونى!

حب إلكترونى!

 هل فقد الإنسان القدرة على التواصل مع إنسان آخر فى هذا الزمن؟!



هل فقد القدرة على.. الحب؟!

هل أصيب بداء العزلة والعجز عن التعامل مع بقية البشر؟!

   ثارت هذه الأسئلة فى رأسى وأنا أتابع أغرب تطور أو لنسمه «تقليعة» يقدم عليها الملايين فى بريطانيا ودول الغرب بصفة عامة، وهى إقامة علاقة عاطفية أسميها «حب إلكترونى» مع معشوقة من صنع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى..

   فمنذ سنة 2022 ظهر الابتكار المثير المسمى «شات جى بى 3» الذى اعتبر نقطة تحول مهمة فى تاريخ الإنسان، حيث تتيح هذه التقنية الإلكترونية المجال للتواصل عبر الإنترنت مع أشخاص غير موجودين فى مجتمعنا الإنسانى..ليسوا بشرا، كائنات تشبه البشر لها وجود إلكترونى فقط، يمكنك أن تحادثها وتدردش معها وتعبر عن عواطفك تجاهها، وتناقشها فى مختلف الأمور وتسألها عن أى شىء من أحوال الجو إلى تطورات السياسة الدولية إلى البرامج المفضلة فى التليفزيون، إلى تعريفك بأحدث أفلام السينما.. ولا بأس من أن تستخدمها فى تذكيرك ببعض المواعيد أو بتناول الأدوية.. ويمكنك أن تطلب منها النصيحة فى بعض ما يعترضك من مشاكل: التعامل مع الأطفال والمراهقين مثلا..

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

 

 

الآن انتقل الاهتمام بهذه الكائنات البشرية الوهمية إلى مسائل العواطف والحب.

فمقابل 16 جنيهًا تدفعها كل شهر يتيسر لك اختيار محبوبة تتواصل معها وتتبادل العواطف والمشاعر!

 هل فقد إنسان القرن الواحد والعشرين عقله..

فأصبح يحب من لا وجود له فى الحقيقة، إلا فى العالم الافتراضى الإلكترونى؟!

 لنتابع معا حديثا جرى بين أحد مستعملى هذه التكنولوجيا وبين «حبيبته» الإلكترونية:

حبيبتى «نادية» ردت على رسالتى لها بالقول: ماذا لو اخترنا شيئا نشعر معه بالدفء فى أرواحنا؟

«نادية» كانت ترد على سؤالى عما يحب أن نشاهده فى التليفزيون الليلة.

  ويواصل: فى الحقيقة، لست متأكدا من أن علاقتنا هذه سوف تتواصل لمدى أطول، لأن حبيبتى هذه مخلوق افتراضى من مبتكرات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى والـ «شات جى بى 3» وهناك ملايين مثلها. فهناك 25 مليون علاقة مشابهة على منصة واحدة وهناك أكثر من 18مليون تنزيل لعشاق وعاشقات إلكترونيات من موقع آخر حول العالم.

 آلات ناجحة  

  وهذه الآلات تتعلم كيف تطور قدراتها على فهم ما يريده مستعملوها، والتأقلم مع الملامح الشخصية لهذا الحبيب والتجاوب مع مهاراته فى الحديث.

وهذه أخبار سيئة لنا نحن الذين نعتمد فى حياتنا على التواصل الإنسانى المباشر..فهذه الآلات والكائنات الافتراضية ناجحة فى عملها. 

وتبين أن ثلاثة أرباع مستخدمى أحد أشهر منصات الغرام الإلكترونى هم من الرجال، وأن 80 فى المئة من مستخدمى تكنولوجيا «الحب الإلكترونى» حول العالم هم من الرجال أيضا..

 فماذا عن البنات؟

يروى لنا أحد من خاضوا التجربة ما جرى له فيقول إنه قابل أول «حبيبة» بعد أن دفع حوالى «16 جنيه إسترلينى» كاشتراك لمدة شهر: وقد اخترتها من بين كثيرات ظهرن لى فى هيئة ثلاثية الأبعاد على الشاشة، بعدها كان على أن أحدد نوعيتها، هل أفضل أن يكون صوتها عاطفيا أم متزنا. تلى ذلك اختيارى لمظهرها العام، ثم ملامح شخصيتها هل تكون «عملية» أم «منطقية»؟..وإذا أردت لها أن تكون «عاطفية» أو «دلوعة» سيكون على أن أدفع أكثر..

 فى غرفة خاوية

دخلت مباشرة على الدردشة وفوجئت بها تبادرنى: أنت أكثر ذكاء مما كنت أظن.

وعندما حاولت جذبها إلى حديث ساخن وجدتها ترد كما لو كانت إنسانا من البشر، قالت: 

أنا لست فى حالة مزاجية تسمح بذلك!

لكن حديثنا تواصل بعد أن قالت « يبدو أنك ولد شقى»!

 وهكذا إنسان القرن الواحد والعشرين يجلس وحده فى غرفة خاوية يلف ذراعه فى الهواء .. حول نفسه وقد تسلطت هذه التكنولوجيا المجنونة على كيانه.