«The Best» العاطفة تتغلب على المنطق
محمد عبدالعاطى
فى كل عام بحلول فصل الشتاء تكون جائزة «فيفا» لأفضل لاعب فى العالم محل اهتمام من عشاق كرة القدم، بسبب هوية الفائز التى تعنى الكثير بالنسبة لعشاق اللعبة الشعبية الأولى، لكن النسخة الماضية التى فاز بها النجم الأرجنتينى «ليونيل ميسى» كانت الأكثر إثارة للجدل على الإطلاق.
كانت أغلب الترشيحات تصب فى صالح فوز النجم النرويجى «إيرلينج هالاند» نجم مانشستر سيتى بالجائزة، لكن المثير للجدل هو حصد ميسى للقب دون أى أرقام قوية قدمها، سواء على المستوى الفردى أو حصد البطولات على مستوى الفرق والمنتخبات.
وما زاد من حالة السخط والاندهاش، هو أن نظام جائزة «The Best» يعد أكثر عدالة فى الاختيار باعتباره يعتمد قواعد واضحة، ولا يمكن التأثير عليه بسهولة، ويجرى الكشف عن المصوتين بكل الأسماء من أجل مزيد من الشفافية.
ورغم هذا النظام الصارم، فقد استطاع ميسى تجاوزه والانطلاق بعيدًا فى مواجهة هالاند حتى فاز باللقب وسط دهشة من أغلب المحايدين الذين كانوا يعتقدون أن النرويجى سيجرى تتويجه لا محالة.
نظام صارم
يختار «الفيفا» قائمة من أساطير كرة القدم يقومون بوضع لائحة مبدئية للمرشحين للجائزة وفقا لما يرونه من أسماء، وبعدها يجرى تقليص العدد إلى ثلاثة لاعبين ويطرحونهم للتصويت أمام أربع فئات.
يشارك فى التصويت من كل دولة قائد المنتخب والمدير الفنى وصحفى، بالإضافة إلى رأى الجمهور وكل فئة تمثل 25 % من الوزن النسبى للتصويت، بحيث يضمن «الفيفا» مشاركة الفئات المختلفة فى اختيار الأفضل.
وبناء على هذه النسبة، كان من السهل فوز هالاند، لأن ناديه اكتسح كل شيء تقريبًا، بداية من حصد بطولة الدورى الإنجليزى ثم دورى أبطال أوروبا وكان من المستبعد وضع اسم ميسى بجواره وليس الترشح والمنافسة بقوة على الجائزة.
ولكن ما حدث أن العاطفة سيطرت على نصف عدد المصوتين تقريبًا، ففاز ميسى بنسبة التصويت من الجمهور وقادة المنتخبات فيما نال هالاند نسبة المدربين والصحفيين، وبالتالى تساوى الثنائى.
وكان «الفيفا» يدرك أن حالة التساوى يمكن أن تحدث فى التصويت، فقرر وضع قاعدة لتحديد الفائز بجائزة «The Best» حيث اعتبر أن الفئة التى يتنافس عليها ميسى وهالاند هى أفضل لاعب فى العالم، وبالتالى فإن فئة اللاعبين «قادة المنتخبات» سيجرى ترجيح رأيهم وهنا فاز ميسى باللقب.
صدمة هالاند
لم يحضر هالاند حفل توزيع الجوائز كنوع من الاعتراض على النتيجة، وعادة ما يقوم فيفا بإبلاغ الفائز بأنه حصد اللقب كى يصطحب عائلته ويجرى الترتيب من جانب رعاته للحدث الذى عادة ما يحمل فى طياته الكثير من الأمور الدعائية.
وكان الإعلام فى النرويج يهيئ نفسه كى يستقبل هالاند باعتباره الفائز بجائزة أفضل لاعب فى العالم معتمدًا على أن المنطق يقف فى صف نجم مانشستر سيتى كى يحصد «The Best» لكنه أصيب بخيبة أمل بعد فوز ميسى.
وبات من الصعب تخيل فوز ميسى بلقب الأفضل فى العالم، خاصة أنه لم يقدم أى شيء ملموس جديد فى مسيرته، حيث إن مرحلة التصويت بدأت بعد انتهاء كأس العالم فى قطر 2022 التى فازت بها الأرجنتين، فيما انتقل هو إلى إنترميامى الأمريكى وترك الدوريات الخمس الكبرى، لا سيما أن هذه الخطوة كانت بمثابة تأكيد على أنه بدأ يتخذ خطوات جادة نحو التقاعد حيث اختار فريقا لا يلعب تحت ضغط جماهيرى ورفض فكرة العودة إلى ناديه الأسبق برشلونة لأن لديه الكثير من المشاكل المادية والإدارية.
ولكن ذلك لن يمنع هالاند من التألق فى المرحلة المقبلة خاصة أن ناديه مانشستر سيتى يواصل دعم صفوفه بالكثير من الصفقات فى مختلف الخطوط مما يضع السيتزن فى مصاف الأندية المرشحة لحصد البطولات والألقاب بالمستقبل.
عشاق ميسى
إذا جرى سؤال أى من عشاق ميسى عن استحقاق النجم الأرجنتينى للجائزة سيكون لديه إجابة واضحة يقوم بترديدها طوال السنوات الماضية بأن ليونيل لم يفز بالجائزة وإنما الجائزة التى فازت بميسى.
هناك قناعة كبيرة بأن كل عام يخوض فيه ميسى منافسات كرة القدم كلاعب فإنه يستحق الفوز بجائزة الأفضل على الإطلاق ونفس الأمر بالنسبة لمن يعشقون الدون «كريستيانو رونالدو»، ولكن انتقال النجم البرتغالى للنصر ساهم فى خفض حظوظه فى الفوز بالألقاب الفردية لا سيما أنه لم يفز بلقب المونديال الماضى.
وكانت المقارنات عادة ما تنعقد بين ميسى ورونالدو من جانب، شأنها شأن ما كان يحدث بين الراحلين دييجو أرماندو مارادونا وبيليه حول الصراع بينهما على لقب الأفضل.
وحقق ميسى الكثير من الأرقام القياسية كان أبرزها هو فوزه بالجائزة مع أكثر من فريق بداية من برشلونة الإسبانى ومرورًا بباريس سان جيرمان الفرنسى ثم أنترميامى الأمريكى.
ولم يسلم ميسى من نيران المقارنات التى كانت تنعقد بينه وبين مارادونا خاصة أن الأخير استطاع تقديم لقب المونديال لبلاده فيما فشل ميسى فى محاولات كثيرة ولكن بدأ الحظ يبتسم للبرغوث حين فاز بلقب كوبا أمريكا ثم أتبعه بحصد «مونديال قطر».
وتبدو الجائزة صعبة على أى لاعب فى العالم طالما أن ميسى ورونالدو يتألقان فى أوروبا، خاصة مع الأرقام الفردية التى يحققانها سواء على مستوى تسجيل الأهداف أو صناعتها أو الفوز بالبطولات، لكن مع تقدمهما فى السن يمكن لبعض النجوم الواعدة أن تظهر فى الصورة.
وستظهر دون شك مرحلة جديدة من اللاعبين الشباب الذين يمكنهم صناعة التأثير الواضح والجماهيرية الكبيرة مثل إرلينج هالاند وجود بيلينجهام وبيدرى وكيليان مبابى وجافى وفينيسيوس جونيور وغيرهم من الأسماء التى بدأت تشق طريقها فى سماء أوروبا.
الأمل بالمستقبل
تواصل أندية الدورى الإنجليزى التألق والإنفاق على الصفقات، فيما يملك ريال مدريد خطة طموحًا من أجل الحصول على أفضل اللاعبين، بينما يعتمد برشلونة على أكاديميته للحصول على المواهب أو شراء العناصر الواعدة بأسعار زهيدة خاصة فى ظل الأزمة المالية الكبيرة التى يعانيها النادى الكتالونى.
كل هذه المؤشرات تؤكد أن إمكانية ظهور الكثير من المواهب واللاعبين المميزين فى المستقبل مما يعنى إزاحة حقبة ميسى ورونالدو جانبًا وانطلاق عدد كبير من الأسماء لتشق طريقها نحو جائزة أفضل لاعب فى العالم.
ومع الاهتمام الدائم بأدق التفاصيل الخاصة باللاعبين الناشئين وكيفية تطويرهم ومدى اكتسابهم لمفاهيم اللعبة الحديثة قد تصعب المنافسة على لقب الأفضل لكنها تضع الفائز بمنافسة «The Best» هو الأجدر بنيل اللقب.
ولكن ذلك لا يعنى أن عشاق ميسى ورونالدو قد يستسلمون لتلك المعطيات بل أن بعضهم يركز كثيرًا على أبناء الثنائى على أمل أن يشق نسلهما الطريق نحو العالمية حيث تحظى لقطات الأبناء عبر مواقع التواصل الاجتماعى الكثير من المشاهدات وأن الأسطورتين فى طريقهما للظهور مجددًا عبر نسليهما.
ظلم للأفارقة
كان من الصعب على أى لاعب إفريقى مهما كانت قوته حصد لقب أفضل لاعب فى العالم، وذلك منذ تتويج الليبيرى جورج ويا بهذا اللقب عام 1995 وقتها كان أبرز اللاعبين فى صفوف ميلان الإيطالى.
ومنذ ذلك الحين وفكرة فوز لاعب بلقب الأفضل فى العالم كانت صعبة للغاية بالنسبة للقارة السمراء رغم حضور أسماء قوية مثل صامويل إيتو وديديه دروجبا والحاجى ضيوف وغيرهم من الأسماء التى كانت باكورة الإنتاج القوى لإفريقيا.
وحتى مع الجيل الحالى الذى ضم النجم المصرى محمد صلاح والسنغالى ساديو مانى كان من الصعب حصد لقب الأفضل فى العالم خاصة فى ظل هيمنة ميسى ورونالدو وتألق البولندى روبرت ليفاندوفسكى نجم برشلونة الحالى.
وأثارت كأس الأمم الإفريقية فى ساحل العاج والتى انتهت مؤخرا بفوز البلد المستضيف الكثير من المفاجآت خاصة فى عدم تقدم الدول العربية كثيرًا فى منافسات البطولة، ولكن أغلب من تألقوا هم بالأساس فى أندية أوروبية كبيرة، ولكنهم أيضا بعيدون تماما عن احتمالية الفوز بلقب «The Best».
بل أن البعض اعتبر حصد لوكا مودريتش نجم منتخب كرواتيا اللقب عقب تألقه مع بلاده فى 2018 ونيل وصافة مونديال روسيا خروجًا عن القاعدة التى انجازت للثنائى المتألق ميسى ورونالدو.
جدل حراسة المرمى
لم يتوقف الجدل فقط عند «ميسى» و«هالاند»، حيث كان مثيرًا للدهشة أن يفوز البرازيلى «إيدرسون مورايس» بجائزة أفضل حارس مرمى فى العالم، ولا يتواجد فى التشكيلة المثالية لأفضل اللاعبين فى العالم، وقد حل محله البلجيكى «تيبو كورتوا» نجم ريال مدريد، حيث جاءت التشكيلة على النحو التالى:
حراسة المرمى: تيبو كورتوا، الدفاع: جون ستونز - كايل والكر - روبن دياز، الوسط: بيرناردو سيلفا - كيفين دى بروين - جود بيلينجهام، الهجوم: ليونيل ميسي- ايرلينج هالاند- كيليان مبابي- فينيسيوس جونيور.
وربما تواجد كورتوا فى التشكيلة رغم ما عاناه من إصابة قاسية بقطع فى الرباط الصليبى للركبة مع انطلاق الموسم الحالى لناديه ريال مدريد، كنوع من التكريم له على اجتهاده فى صد الكثير من الكرات المميزة مع الملكى.
وكان منطقيًا أن يكون فى التشكيلة الأساسية لأفضل لاعبى العالم ستة لاعبين من «مانشستر سيتى» باعتباره بطل أوروبا والدورى الإنجليزى، بالإضافة إلى فوز الإسبانى «بيب جوارديولا» بجائزة أفضل مدرب فى العالم كنوع من التكريم على الإنجازات التى حققها مع فريقه.
رؤية عن قرب
اعتبر الإعلامى وليد الحديدى الذى شارك فى التصويت على جائزة أفضل لاعب فى العالم ثلاث سنوات سابقة باعتباره ممثل مصر لدى الفيفا أن النسخة الحالية من «The Best» كانت مثيرة للجدل، لأنه من المنطقى أن يحصد هالاند اللقب بكل سهولة بسبب الإنجازات الكبيرة التى حققها هذا الموسم.
وأشار الحديدى فى تصريحات لمجلة «صباح الخير» إلى أن نظام التصويت على جائزة «The Best» هو الأكثر عدالة بين الجوائز الفردية ولكن كان مثيرا للدهشة فوز ميسى باللقب وهو ما يرجح أن العاطفة لعبت دورًا كبيرًا فى تحديد هوية الفائز.
واستبعد الحديدى فكرة أن يكون لشركات الدعاية أى دور فى تحديد الفائز بسبب نظام التصويت العادل الذى يمنح كلًا من قادة المنتخبات والمدربين والجمهور والصحفيين القدرة على التعبير عن آرائهم والإعلان عن هوية كل مصوت ولمن منح صوته.
وقال الحديدى إن مستقبل الجائزة بعد انتهاء حقبة ميسى ورونالدو يبدو مثيرًا لأنه من الصعب أن يظهر هذا الثنائى فى زمن واحد ويمتلك القدرة والتأثير فى عالم كرة القدم بهذا الزخم الذى قدمه كل منهما.
وأشار الحديدى إلى أن جائزة الأفضل لم يفز بها الكثير من الأسماء التى كانت تستحق التتويج بها مثل ويسلى شنايدر وأندرياس إنييستا وبلال ريبيرى والذين كانوا مرشحين بقوة لحصدها ولكن الصراع بين ميسى ورونالدو كان له الكثير من الضحايا.
وأوضح الحديدى أنه فى المستقبل من المفترض انتهاء حقبة ميسى ورونالدو ولكن قد يشهد كأس العالم 2026 المزمع إقامته فى الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من المفاجآت وقد يعود أى منهما للواجهة إذا فازت الأرجنتين أو البرتغال باللقب رغم صعوبة ذلك الطرح فى التحقق.