الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

جــرأة فنيــة لـمجــدى عثمــان فــى نتــاج زمــن

عن فلسفة الفن والزمن ؟!

يمكن اعتبار معرض «نتاج زمني» للفنان مجدى عثمان واحدًا من المعارض الفنية الاستيعادية المهمة التى استضافتها مؤخرًا قاعة الباب بدار الأوبرا، وفى هذا المعرض عرض الفنان مجموعة من التجارب والأعمال الفنية التى قدمها من بداية اشتغاله بالفن فى أوائل التسعينيات وحتى الآن، وكلها تعبر عن جرأة فنية وتجريب مستمر حاول من خلالها عثمان أن يعبر عن ذاتيته المرتبطة بالواقع المعاش والتغيرات التى تطرأ على الاثنين معًا، الفنان والواقع، مرتبطًا برؤية ولون بالزمن فيصبح «نِتاج زمني».



يتساءل مجدي عثمان فى معرضه: هل يمكن للفن أن يختفى، أو أن يحل الواقع محله بالتدريج، كما يرى الفنان الهولندى «بيت موندريان  1872 - 1944؟!، مضيفًا أن هناك مجموعة من البشر باستطاعتهم تمامًا إيجاد عدم الاتزان بفعل الخطأ والصواب ليجد الفنان بعد ذلك من عمله معادلًا موضوعيًا لضبط ربكته الداخلية ودربكتها على الأقل، وإعادة تصوير الواقع المُسيطر عليه رغم ما به من توتر وتناقض بواقع مطهر من الانفعال والخوف، وبذلك يتطلب الفن تغييرًا مستمرًا مع تطور النظم الاجتماعية. ويؤكد أن كل فن وليد له صفات عصره، تبعًا لوضع تاريخي محدد، ولا نستطيع أن نُنكر أن الفن لعبة واعية لنتاجها متعة؛ للفاعل والمفعول عليه الأثر، لكن فكرة ضبط النفس وترييحها، أو التوازن النفسي للفنان لا يمكننا إغفاله، فطبيعة الفنان الخاصة، تجعل إحساسه بالحدث مُعظمًا بداخله وبالتالي وقعه ليس بسهل عليه، فىأتي دور الفعل لانعدال ما اعوج فى نفسه، وتلك الرقة التي يمكن أن تُمرضه، تخرج فى أعماله وإن ظهرت عنيفة الشكل.

ويرى عثمان أنه كثيرًا ما كان فعل الفن بالنسبة له؛ هو ذلك المعادل الموضوعي لحياة تحكمها المشاكل وتتعقد أمور الأسوياء فىها، يُضاف إلى ذلك التأمل وحُب التجريب، فتأتي النتائج والنقلات مُحملة طوعًا أو كرهًا بذلك كله.

 فى رأي الكاتب الكبير محمد سلماوى أن الجرأة الفنية هى عنوان الأعمال التى تحمل توقيع الفنان مجدى عثمان، فرغم دراسته الأكاديمية وتخرجه فى قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بتقديرات متفوقة، إلا أنه لم يدرس قاعدة من قواعد التصوير إلا وقام بتكسيرها وتطويعها لرؤيته الفنية التى تعتمد على نسق مميز من حيث الشكل والمضمون معًا، فموضوعاته  خاصة البورتريهات يشوبها قدر من التشوه الفنى الذى ميز فن البورتريه الحديث إبتداء من الربع الثانى من القرن العشرين، على يد بيكاسو ودالى ورفاقهما، ومع ذلك فشخصياته لها طابعها الخاص الذى لم ينقله عن أحد، والذى يتسم بجرأة غير عادية قد يخشى غيره الإقدام عليها. 

 

 

ويضيف سلماوي : يتلازم مع جرأة الموضوع فى أعمال مجدى عثمان جرأة مماثلة فى تكوين اللوحة، وهو تكوين كثيرًا ما يبعد عن السيمترية التقليدية ليقدم لنا تكوينًا مغايرًا قد يسحب عين المشاهد إلى جانب من اللوحة، أو بقعة بعينها يكمن فىها مفتاح التشكيل الكلى للعمل، ويكتمل ثالوث الجرأة بتلك الألوان الصريحة التى توهمك بأنها لا تعرف أنصاف الحلول، فالأحمر أحمر فقط، وكذلك الأزرق والأخضر، رغم تعدد درجات كل منهما الخارجية، وتنوع أصباغها الداخلية، هى ألوان صارخة تكمل معالم عالم مجدى عثمان ذى الطابع المميز. 

أما أحمد الجنايني رئيس مجلس إدارة أتيليه القاهرة فىقول إن فلسفة التجريب فى الفن نافذة يطل منها الفنان ممسكاً بأطراف خيوطه الإبداعية من ناحية وفى نفس الوقت منصهراً بكليته فى بوتقة مشاعره فى محاولة جادة للتعبير عن صدق تلك المشاعر ومصداقية العبور بانفعالاته.. شهيقه وزفىره وارتجافة الفرشاة أو ثباتها لحظة اكتشافه لهذا الممر الضيق الذي قد  يؤدي عبوره للانتقال من شكل تعبيري إلى شكل مغاير؛ مما يكون له كبير الأثر فى بلورة أو القبض على مدرسة جديدة أو اتجاه مختلف تمامًا.

مجدي عثمان فى رحلة بين مراحله المختلفة حين يغازل ويؤكد: هكذا تمامًا يأخذنا الفنان فى تماس مع فطرية «روسو» عبر تلك البورتريهات ذات الألوان المتألقة/ الصارخة/ البسيطة،  فى تآلف حافظ من خلاله على تلك القيم التزيينية، وكأنه  يجمع بين حوشية «ماتيس» اللونية، وبساطة روسو الفطرية، ودهشة «الشعيبية طلال» المغربية، وجرأة «عائشة عجم» السورية.

ويضيف: المدهش أن يمتلك مجدي عثمان قناعات الولوج فى سراديب تلك الحوشية والفطرية فىصدقها وتصدقه، وهو الأكاديمي الذي تخرج فى كلية الفنون.. لكن التجربة الأهم تلك التي يأخذنا فىها «مجدي عثمان» نحو جدل بصري، واتزانات استاتيكية ارتبطت بإشارات ديناميكية موغلة فى الفلسفة والجمال من خلال تلك الجماليات  التجريبية التي خرجت من  رحم تكوينات مجسمة لها فلسفتها السوريالية وحضورها البنائي الميتافىزيقي بكل غرائبيته.