الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هل يخون الرجال رغم الحب؟!

ريشة: هبة المعداوى
ريشة: هبة المعداوى

منذ بضعة قرون، كان الزواج إجمالاً مؤسسة عملية  ندخلها لأسباب اقتصادية، لكن فى العالم المعاصر، تحول إلى رمز للحب والانسجام.  



فى ثقافتنا نشعر بالرعب والافتتان فى آنٍ معاً إزاء الخيانة العاطفية. فهى من أكثر التجاوزات التى ندينها فى العلاقات، وغالباً ما يعتقد أنها تدمر فرص أى زوجين بالبقاء معاً. وبالنسبة إلى السياسيين وأصحاب السلطة، قد يرغمهم كشف هذه العلاقات على تقديم استقالتهم أو يسدد ضربة قاضية إلى مسيراتهم المهنية.

 وقد سجلت ساعات تلو ساعات من القطع الموسيقية (ألبوم ليمونايد للمغنية بيونسى وكل أغنيات موسيقى الكونترى مثلاً) التى تركز على تبعات الخيانة. ما سبب إقدام الناس عليها؟ وهل تحصل فى إطار العلاقات «التعيسة» فقط؟ وهل يمكن التعافى من بعدها؟

من النادر جداً إذن أن ترى شخصاً شهيراً يخاطر بهذه الطريقة  ويتحدث بصراحة مطلقة عن العلاقات   خارج إطار الزواج وعن دوافعها (من دون أن يستخدم عبارات مبتذلة ومسطحة عن «الدروس التى تعلمتها» ويقول إنهما الآن «أقوى من أى وقت مضى» فى الأقل)، لكن هذا ما فعله بالتحديد الممثل الكوميدى مارك واتسون فى مقابلة أخيرة له مع صحيفة «ذى تايمز».  

فهو لم يحاول أن يجمل سلوكه فى تعليقاته على خيانته الزوجية التى استمرت ثلاث سنوات، ولم يذكر أبداً شعور الإثارة الذى يمنحك إياه التعرف على شخص جديد، ولا نشوة الاختباء والتسلل أو أى من المقولات التى تسرد بهدف إضفاء طابع رومانسى يشبه روايات ميلز أند بونز « شبيهة بروايات عبير» على القصة. بل هو يصور المسألة على أنها عادية للغاية، مدفوعة بعيوب عادية ومعروفة. 

  «لا يروقنى أبداً أن أعترف بهذا، لكننى أردت الفوز بكل شيء - إنما وضعى كان سيئاً. وأحسست بالإهانة لأننى مضطر إلى تقبل فكرة أننى لست رجلاً استثنائياً  مميزاً، بل مجرد شخص عادى يعانى من فشل ومشكلات عادية. وكانت العلاقة العاطفية أسلوبى فى تفادى كل ذلك» (استشار واتسون وزوجته التى أنجب منها ولدين، معالجين متخصصين فى العلاقات الزوجية، لكنهما انفصلا فى النهاية).

 وتعد تجربة واتسون أكثر شيوعاً مما قد تعتقدون. أجرت «يوجون» فى عام 2015 دراسة تبين فيها أن بريطانياً من كل خمسة اعترفوا بخيانة الشريك فى السابق  وهذا يقضى على ما يبدو على الفكرة النمطية عن الزوج الخائن والزوجة التى تعانى بسببه، لكن تقدير عدد الأشخاص الذين يخونون شريكهم فى العلاقات الطويلة الأمد والزيجات أمر عسير. فأى محاولة لإجراء مسح عن الخيانة تعتمد على صدق المشاركين فى شأن سلوك يتطلب منهم شيئاً من الشجاعة.

منذ بضعة قرون، كان الزواج إجمالاً مؤسسة عملية ندخلها لأسباب اقتصادية، لكن فى العالم المعاصر، حيث لدينا فرصة إقامة علاقات عاطفية بدل العلاقات العملانية، تحولت مؤسسة الزواج إلى رمز للحب والانسجام.

 فى كتابها الصادر فى عام 2017 بعنوان وضع الخيانة العاطفية: إعادة النظر فى الخيانة، قالت المعالجة النفسية أيستر بيريل إن «الخيانة اليوم ليست انتهاكاً للثقة فحسب، بل تحطيم لطموح الحب الرومانسى الكبير». وتصبح الخيانة أكثر تدميراً إذاً لأنها تناقض كل آرائنا فى شأن الرومانسية.  

 

 

 

 

تختلف أسباب الخيانة  وتقول شانتال جوتيه، الحاصلة على شهادة فى علم   معالجة الأزواج إن «بعض الأشخاص يحبون الإثارة والمطاردة، بينما قد يسعى غيرهم للخيانة بسبب بحثهم عن شيء  ما».

والجدير بالذكر أن على روس وهو طبيب نفسى والناطق باسم المجلس البريطانى للعلاج النفسى عمل مع أزواج وأفراد عانوا أذى الخيانة. وغالباً ما تظهر بشكل متكرر خلال جلساته ثلاثة دوافع للخيانة. يقول إن أول واحد هو «أن أحدهما لا يرغب بعلاقة أحادية، لكنه لم يدرك ذلك بنفسه». وقد يعود السبب إلى عدم رؤيته أية أنماط علاقات تختلف عن القالب الأحادى التقليدي، أو إلى عدم شعوره بالقدرة على مصارحة الشريك فى شأن رغبته بشيء مختلف.  

والدافع الثانى هو عندما يعانى من صعوبة أن يعرى هشاشته أمام الآخر - وفى هذه الحالات يشرح روس بأن الخيانة تكون وسيلة «للحفاظ على مسافة» مع الطرف الآخر، بشكل يشبه تدمير الذات تقريباً. ويقول «إحدى سبل تدمير تلك الحميمية والهشاشة هى إقامة علاقة غرامية (خارج إطار الثنائى نفسه). قد يكمن السبب فى أن العلاقة تسير بشكل جيد، وعليهم تخريبها لأنهم لا يتحملون الشعور بمحبة الآخرين لهم واعتنائهم بهم ولا الشعور بضعفهم الشخصي».

ليست هذه الأفكار أول ما يتبادر إلى ذهن الخائن لحظة الخيانة،   كما يقول. 

وتوافقه الرأى مدربة التغييرات الحياتية والكاتبة نور هيبرت. وتلفت إلى أنه «من المهم جداً أن ندرك وجود كثير من العوامل النفسية غير الواعية التى تدفع الناس إلى الخيانة».  

وما هو الدافع الثالث الذى يتكرر ظهوره أمام روس فى غرفة العلاج؟

 مشكلات التواصل. ويشرح ذلك بقوله «إجمالاً، لا تشعر بأن الطرف الآخر يراك أو يفهمك أو يقدرك أو يقيم لك وزناً. وربما تجد هذه الصلة مع شخص آخر… ربما لا تزال تهتم لأمر (الشريك) أو كنت تشعر بصلة معه فى السابق، لكنك ما عدت تشعر بذلك».  

 يضيف «ربما يدرك المرء أنه لم يشعر بوجود صلة معهم فى الأساس» وربما العلاقة الغرامية الجديدة التى تقيمها تسلط الضوء على هذا الموضوع.

وتقول المرشدة فى شئون الطلاق ومؤسسة شركة « ديفورس هيف» أماندا جاردينز إن من يخون «لا يتمتع أحياناً بالثقة الكافية لمواجهة التحديات الموجودة فى العلاقة ومعالجتها». وقد تكون الخيانة طريقة لإنهاء العلاقة بالقوة، أو مناورة بهدف الانفصال مع أن روس يحذر من أن هذا الأمر نادر الحدوث - وعندما يحدث، غالباً ما يحفزه الخوف من إيذاء الشخص الآخر.

 ويسأل «يبدو ذلك منافياً للمنطق لأنه إن لم ترد إيذاء شخص، فعلى الأرجح حرى بك ألا تخونه، لكن عندما يشعر المرء بأنه عالق ويصعب عليه أن يحمل على عاتقه مسئولية التواصل معه، قد يفضل البعض عدم مواجهة (مشكلاتهم) ويقيمون علاقة غرامية». 

هل تكون الخيانة دليل خطب فى العلاقة بدلاً من أن تكون سبب المشكلات؟

يبدو أن هذا ما تلمح إليه دراسة أعلن عنها باحثون فى جامعة تيلبورى فى هولندا العام الماضي. بعد متابعتهم أزواجاً ألماناً على مدى ثمانية أعوام، جمعوا معطيات حول  لمدة حوادث خاينة عافية كى يفهموا مشاعر المشاركين قبل الواقعة وبعدها. ووجدوا أن ما يسبق الخيانة عادة هو زيادة فى الخلافات وتراجعاً فى مدى رضا الطرفين عن بعضهما.

تتوافق هذه النتائج مع تجربة روس فى عيادته. ويقول «معظم الأحيان، عندما أتعمق فى الكلام مع شخص إما تعرض للخيانة أو قام بها بنفسه، يدرك وجود أشياء كثيرة كان قد تغاضى عنها سابقاً. وليست الخيانة سوى جانب يتيم من المشكلة… وقد طغى على كل الأمور الأخرى فى العلاقة التى كان من المهم بالقدر نفسه، أو أهم حتى، التعامل معها».

أضاف: «أحياناً، تكون هذه «الأمور الأخرى» بسيطة جداً. يقول روس إن الأزواج غالباً ما «ينجرون نحو العمل أكثر ويخسرون بعض الوقت الذى يقضونه معاً ويكفون عن الخروج فى مواعيد غرامية وعن بذل جهد لـ «إرضاء» الطرف المقابل».

 تؤيد هذا الرأى محامية الطلاق عائشة فارداج، مؤسسة ورئيسة مكتب فارداجز للمحاماة حزب بريطانيا. وتقول «أعتقد أن أكثر أسباب (الخيانة) شيوعاً، وربما أبسطها كذلك، هى التغيير. تدخل العلاقات مرحلة الهشاشة بعد انتهاء فترة الإثارة، التى تخلف وراءها فترة أقل تشويقاً تجف فيها الأحاديث الممتعة ويخف الجهد والمواعيد الغرامية… تخبو الشعلة فيما يظل المظهر الخارجى براقاً وجديداً».

كما أن اللغة التى نستخدمها للتحدث عن الخيانة «مثقلة» بالأحكام القيمية كما يقول روس، فيما تلمح تسمية «الخائن» إلى ارتكابه «فعلاً مخزياً» - وهذا لا يساعد إجمالاً فى محاولة فتح نقاش دقيق أكثر حول هذا السلوك. وضحايا الخيانة ليسوا بمنأى عن هذه الأحكام. وتقول  «تأتينى نساء عادة ويقلن لى إنهن مسئولات عن هذه الخيانة»، وقد يلمحن إلى أنهن «فقدن جاذبيتهن أو حتى… أن انتباههن كان مشتتاً بين (الشريك) والتزامات أخرى مثل الأطفال والعمل والآباء المسنين وغيرها من الأمور».

ربما علينا تخطى لعبة اللوم هذه كلياً. وتعتقد فارداج بأننا فى حاجة إلى التفكير فى الخيانة من زاوية أخرى - مع أنها تحذر أن «هذا لا يعنى أن المتضررين من الخيانة مخطئون»  . ولديها تجربة خاصة فى الموضوع وتعلم «كيف يمكن للخيانة أن تدمر قيمة الشخص الذاتية»، لكنها تؤمن مع ذلك بأننا «نملك الفرصة الآن، لوجودنا فى بلد وزمن يسمح للنساء كما الرجال بالزواج والطلاق بحسب شروطهن، بأن نتخلص من هذه الافتراضات التى عفا عليها الزمن ونقرر مشاعرنا الخاصة تجاه الشراكة الأحادية.  قد يصل عمر الفرد إلى 100 عام الآن إن كان محظوظاً». وهى ترى أن هذه فترة طويلة كى يبقى الإنسان منسجماً تماماً مع شخص آخر «وأن يظل المرء على وفاق مع شخص آخر فى جميع مراحل حياته».