الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الحب فى الرواية العربية للدكتورة عزة بدر

«لا توقظوا المرأة التى تحب»

ريشة: مها أبوعمارة
ريشة: مها أبوعمارة

خلال 20 فصلاً، تضمّنت قراءة فى 26 رواية لروائيين مصريين وعرب من الخليج إلى المحيط، تتباين أعمارهم بين جيل الرواد والمشاهير وجيل الشباب، قدّمت لنا الدكتورة عزة بدر، الكاتبة الصحفية بـ«صباح الخير»، قراءة فى الروايات التى تناولت «الحب» كقضية رئيسية فى تلك الروايات من خلال كتابها «الحب فى الرواية العربية» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.



 

 

 

فى مقدمتها، نسبت «الدكتورة عزة بدر» أول كتابة عن الحُبّ إلى «الحضارة المصرية القديمة»؛ حيث عُرف الشعر الغزلى فى عهد «الدولة الحديثة»، لافتة إلى أن «التأليف عن الحب» ظاهرة امتدت بطول العصور، وأن الحُبّ فى «التراث العربى» امتد على مساحة زمنية بلغت 8 قرون دون توقف. 

وأوضحت «بدر» أن من الكتب التى ازدهرت فى هذا السياق «مصارع العُشاق» و«الفرج بعد الشدة» للقاضى التنوخى 384هـ، وأن «الجاحظ» صاحب المحاولة الأولى فى تحليل الحب، وأن «المعتزلة» بنزعتهم العقلية المتحررة؛ كانوا لا يتحرّجون من التوغل فى أى منطقة أو موضوع من موضوعات الحياة، وكتاب «الزهرة» لـ«ابن داود» يُعد رائدًا فى البحث عن «مفهوم الحب»، لافتة إلى تأثير «التراث العربى» خلال دراسته لظاهرة الحُبّ فى الثقافات الأخرى؛ حيث انتقل التغنى بالحب من «الأندلس» إلى «أوروبا» عن طريق شعراء «التروبادور».

 

 

 

وأظهرت «بدر» اهتمام «الفكر العربى» بدراسة الحُبّ من خلال ثلاث فئات، هم: «الشعراء» فى شعرهم، و«الفلاسفة» فى دراستهم لـ«مراتب الوجود» و«فلسفة الأخلاق»، و«المتصوفة» الذين جمعوا فى تفكيرهم بين الأدب والفلسفة، مشيرة إلى محاولة الكثيرين من المفكرين العرب قبل وبعد «ابن الجوزى» فى إيجاد أسماء واضحة لدرجات الحُبّ ومراحله المختلفة.

وألقت الضوءَ على أهم كتب التراث العربى التى تُعد رائدة فى الكتابة عن الحب، ومنها «الزهرة» لابن داود، الذى اعتبره «عبدالرحمن بدوى» أول كتاب موضوع فى الحب، وعارضه «يوسف الشارونى» بأن رسالة «العشق والنساء» للجاحظ تُعد الأولى؛ أمّا حديثًا فيأتى كتاب «مدامع العُشاق» لزكى مبارك 1925، فى حين يُعد «طوق الحمامة» لـ«ابن حزم» الأكثر تميزًا فى هذا السياق؛ لاتباعه المنهجَ التجميعى الذى لم تبعه غيرُه.

وعلى مستوى المصنفات الأدبية فى الحُبّ التى تحققت فيها كل العناصر الفنية تقريبًا، ذكرت «د.عزة بدر» أن الاختلاف الوحيد بين «القصص المعاصرة» و«قصص التراث»، هو أن القصص المعاصرة تنفذ إلى الشخصيات من الداخل وتطلعنا على دوافعهم النفسية، بينما اعتمدت القصص القديمة على الحركة الخارجية. 

 

 

 

وأوضحت أن النماذج الأولى للرواية العربية، ارتبطت بالحب كقيمة إنسانية كبرى، ضاربة المَثل برواية «زينب» للدكتور محمد حسين هيكل عام 1912، و«ثريا» لعيسى عبيد، و«عذراء نشواى» لمحمود طاهر حقى و«إبراهيم الكاتب» لإبراهيم المازنى 1931.

وأشارت إلى اهتمام الروايات المبكرة فى معظمها بوضع المرأة وموضوع الحُبّ مثل رواية «ذات الخدر» ليعقوب صَرُّوف، و«حواء» لمحمود طاهر لاشين، و«سلوى» لمحمود تيمور، و«الباب المفتوح» للطيفة الزيات، و«غادة أم القرى» لأحمد رضا حوحو من الجزائر، و«هائم على الأرض» لبدوى عبدالقادر خليل من السودان، و«ضحايا الحُب» لمحمد بن التهامى من المغرب. 

كما كان الحُبّ ركيزة أساسية فى روايات إحسان عبدالقدوس مثل «بائع الحُب»، «صانع الحُب» و«منتهَى الحُب»، بينما تألق الحُبّ فى روايات نجيب محفوظ وأشهرها الثلاثية «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية» التى كان الحُبّ فيها مثاليًا حالمًا.

 

 

 

الحُبّ والخوف 

افتتحت «د.عزة بدر» فصولها الـ«20» بعنوان «الحُب والخَوف»؛ لتقدم قراءتها التحليلية لرواية «وداعًا صديقى المُهرج»، أحدث أعمال الأديبة «سهير شكرى»، التى بدأت رحلتها مع الكتابة فى عامها الـ66، بعد رحلة فنية فى مجالى التمثيل فى فرقة كفر الشيخ المسرحية والفنون التشكيلية. 

ووصفت «بدر» رواية «وداعًا صديقى المُهرج» بأنها عناق جميل بين عالم الأدب والفن والتشكيلى، وأنها مكونة من 7 لوحات تجسّد معاناة البطلة، اختارت لها الكاتبة ألوانًا مختلفة تناسب حالاتها، وهى امرأة وحيدة تقدَّم بها العمر لكنها تتأجّج بالرغبة فى الحياة والحُب والبحث عن شريك؛ حيث تؤمن البطلة بمقولة «ماركيز»: سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقًا متى شاخوا دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق».

فبطلة الرواية «هدى» متمسكة بحقها فى الحُبّ والحياة من خلال قولها «لن أترك الشمس تخرج من مخدعى وسأنزل وأشترى فستانى الوردى، ولا بُدَّ أن أعثر على رفيق، وإذا وجدته سأنادى عليه بكل جوارحى وأجرى خلفه، وأقبض عليه وأستأثر به، لن أكون وحيدة بعد اليوم، وسأملأ له سَلتى بكل أنواع الفاكهة التى يحبها عدا التفاح كى لا يخرج من جنتى». 

سيدات القمر 

اختارت الدكتورة «عزة بدر» اسم رواية «سيدات القمر» عنوانًا للفصل الثالث، للروائية العُمانية «جوخة الحارثى»، وهى أول رواية لكاتبة عربية تفوز بجائزة «مان بوكر» العالمية عام 2019، كأفضل عمل أدبى مترجم إلى الإنجليزية، مناصفة مع «مارلين بوث» مترجمة الرواية.

وحسب «د.عزة بدر» تهتم الرواية بالعوالم الداخلية لشخصياتها؛ خصوصًا النساء، متناولة المسكوت عنه من المَشاعر والخفايا التى تسكن الذوات الإنسانية لشخصياتها، من خلال سرد ممتع، وفى الوقت نفسه تكشف الرواية تناقضات الواقع من خلال حديث بطلتها «ميا». 

كما تناولت الرواية فترة تاريخية طويلة ترصد أحوال عائلة من خلال قصة حياة 4 أجيال، راصدة ظواهر: العبودية، الاحتلال ومقاومته على الطريقة الخاصة لأبطال الرواية، تسلط الآباء على الأبناء، والثورة على التقاليد؛ خصوصًا القاسية منها تجاه المرأة.

«ٍسيدات القمر» هى رواية تبحث عن المصائر التى قد تتحقق للفرد رجلاً أو امرأةً عندما يمتلك حريته ووعيه، فى ظل تطور المجتمع وتغيره؛ خصوصًا العادات الاجتماعية التى تتغير بصعوبة.

دفتر الحُب

أرادت «د. عزة بدر» أن تلفت بعنوان «قراءة فى دفتر الحُب» الانتباه إلى أن قراءتها للكاتبة الجزائرية «أحلام مستغانمى» ستكون من خلال الروايات الثلاث: ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، وعابر سبيل؛ حيث حصلت «مستغانمى» على «جائزة نجيب محفوظ فى الرواية» عن رواية «ذاكرة الجسد» عام 1998. 

وقالت «بدر»: توقظ الروايات الثلاث ذاكرة الحُب، ولكنها تنتهى إلى التحديق فى عتمة الحواس، فتهدى لنا الحُبَّ كما قدّمه الشعراء منذ الجاهلية وحتى الآن أطلالاً أو وقوفًا على أطلال»، مضيفة: «بجروح الذاكرة انتفضت أسئلة الحُبِّ فى روايات الكاتبة، فإذا بها تصبح أسئلة عاصفة نحتسيها على مهل». 

 

 

 

وتابعت: «ولكن كيف؟ ونحن نمتلك ذاكرة الحُبّ وذاكرة الجسد؟! وحدها «حياة» المرأة التى اكتشفت سر الحُبِّ هى التى تعرف كيف تستكمل قصص عشقها فى رواياتها.. فإذا تشهت أن تنتهى من حبيب دشنت له رواية، وشيدت له ضريحًا جميلاً تبكى عليه ما استطاعت وقتما تريد! وحدها «حياة» تعرف متى تتوقف؟ وأين؟».

وتفسّر «بدر» خلال قراءتها لروايات «مستغانمى» قائلة: لأول مرّة نرى امرأة عربية تشتهى دور الصياد لتصبح فى يديها مقاليد الهجر والوصل وقرار البدء والمنتهى على غير طريقة نزار قبانى وهو يجعل امرأة تهفو إلى قرار رجل «أنا أحبك حاول أن تساعدنى/ فإن من بدأ المأساة ينهيها/ وإن من فتح الأبواب يغلقها/ وإن من أشعل النيران يطفيها».

وتختم «بدر» قراءتها لثلاثية مستغانمى قائلة «استطاعت أحلام مستغانمى من خلال ثلاثيتها الروائية أن تمزج مقلة بدم وهى تصف حال مجتمع عربى، فى أوجه وفى لحظات ضعفه، تذكر بالشهداء وتذكر بأحلام البسطاء، تنسج قصصًا للحب وتفتح أوراقًا من دفتر الصمت، وتكتب عن المسكوت عنه من أوجاع الروح ومن تجليات النفس الإنسانية عندما تصطرع مع الممنوع، وتشف بين امتلاك وفقدان، فتجلو «ذاكرة الجسد» فى «عتمة الحواس».

صُنع الله إبراهيم 

اتخذت الدكتورة عزة بدر اتجاهًا مخالفًا للشائع عن أدب «صُنع الله إبراهيم» عند تناوله بالدراسة، واختارت عنوان «المرأة التى لا يعرفها صُنع الله إبراهيم»، مسلطة الضوء على جانب لم يهتم به الكثيرون، قائلة: وتشكل السياسة وقضاياها ثلاثة أرباع أدب صُنع الله، ولذا فقد نالت رواياته اهتمام الدارسين؛ وبخاصة رواياته: «تلك الرائحة»، وبيروت.. بيروت»، و«نجمة أغسطس»، و«شرف» وغيرها. 

وأضافت: «إلا أن أحدًا لم يهتم بأن يجلو لنا صفحة غامضة ومثيرة فى حياة وأدب صُنع إبراهيم ألا وهى علاقته بالمرأة وصورتها فى أدبه». 

 

 

 

وتوضّح «بدر» أن ملامح صورة المرأة فى أدب «صُنع الله إبراهيم تتجسّد فى روايتيه «ذات» و«وردة»، لافتة إلى أنه نفسه أكد ذلك فى حواراته الصحفية.

إحسان 

فى المقابل، كانت المرأة محورًا للكثير من أعمال «إحسان عبدالقدوس»؛ حيث شغلت العلاقة بين الرجل والمرأة فى أدب إحسان حيزًا كبيرًا.. قالت «بدر»: وكان المجتمع فى فترة توهج إحسان يتغير بسرعة مذهلة من الاحتلال إلى الاستقلال ومن المِلْكية إلى الجمهورية ومن الرأسمالية إلى الاشتراكية، ومن الشمولية إلى التعددية الحزبية ومن الاقتصاد الموجّه إلى الانفتاح الاقتصادى. مضيفة: وقد تطلب هذا التحول الكبير وهذه التغيرات والصراعات أدبًا جديدًا يصور هذا الواقع من خلال اللحظة الآنية.

فجاءت المرأة فى أدب إحسان- حسب وصف «بدر»- امرأة جديدة تعكس ما حققه مجتمعنا المعاصر من نتيجة اتصاله بالدنيا المتحضرة من حولنا، فالمرأة فى أدب إحسان ليست خيرًا خالصًا ولا شرًا مطلقًا، ولا المرأة التى تتراءى صورة للذكرَى مُعَلقة على الجدران فى أى من مجتمعاتنا الريفية أو الحضرية أو حتى الشعبية؛ بل هى المرأة الجديدة المعاصرة التى تزامل الرجل فى الجامعة والعمل والحزب والمنابر السياسية المختلفة. 

الكاتبات الحداثيات

تحت عنوان «من باب الخسارة إلى أوراق النرجس» قدّمت لنا «الدكتورة عزة بدر» قراءة فى كتابات «سحر الموجى، عفاف السيد، نورا أمين، بهيجة حسين وسمية رمضان»، وافتتحت هذا الفصل بتوصيف دقيق لأدب هؤلاء قائلة «أصبحت الكتابة عن الجسد ملمحًا مميزًا للكتابات الحداثية بشكل عام، ولكن عندما مَسّ قلم المرأة الأديبة هذه المنطقة الشائكة اتخذ الأمر أهمية خاصة اجتذبت الكثيرين يدفعهم حُبُّ الاستطلاع إلى معرفة كيف تكتب المرأة عن الحُبّ والجنس فى قصصها؟».

وأضافت «بدر»: الكتابة بالجسد وعنه فى الكتابات السردية لجيل مبدع من الكاتبات رسمت صورة حقيقية لمعاناة المرأة فى المجتمع، فتناولن فى صراحة وجرأة علاقات الحُبّ والجنس، وعلاقة الجسد بالروح فى تجارب إنسانية عميقة تسمعنا صوت المرأة فى قضايا شائكة تخصّها بالدرجة الأولى، كما استطاعت الأديبات أن يقدمن فى رواياتهن وقصصهن تأويلاً لقصص من التراث ترسم صورة المرأة وعلاقتها بالرجل».

 

كما تطرّقت «بدر» إلى تناول عدد من أسماء النقد الأدبى الشهيرة لكتابات المرأة بالنقد، وهم: جابر عصفور، فاروق عبدالقادر، شاكر عبدالحميد، وعبدالله الغذامى، ثم تنتقل بنا إلى أجيال أحدث من شباب الأدباء، هن: رحاب إبراهيم، نجلاء علام، وغادة نبيل.

وتصل بنا إلى قراءتها فى رواية «بنات الرياض» للكاتبة السعودية «رجاء عبدالله الصانع»، التى صدرت «الدكتورة عزة بدر» كتابتها عنها فى فصل منفرد بعنوان «بنات الرياض والحُب»، واستهلت قراءتها بجملة أثيرة «لا توقظوا المرأة التى تحب.. دعوها فى أحلامها حتى لا تبكى عندما تعود إلى الواقع المُرّ»، واصفة الرواية بالجريئة التى ترينا كيف نقع أسرَى العادات والتقاليد وكيف نخضع لميراث اجتماعى قاسٍ يحكم علاقة الرجل بالمرأة.