الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رحلة 404.. الأحلام المؤجلة والتطهر من الآثام

بعد أن تصدر الأبطال الخارقون ونجوم الأكشن وعوالم أخرى لا نعلم عنها شيئًا شاشات السينما وأصبح هذا هو الشكل التجارى لشباك التذاكر أصبح من النادر أن نشاهد قصة بسيطة صادقة لأشخاص من لحم ودم يشبه الناس وليسوا superheroes يعيشون حياة لا نعرفها.



 

وأخيرا وبعد سنوات طويلة نرى مشكلة إنسانية صادقة شديدة البساطة أمامنا على الشاشة تجسد صراعًا إنسانيًا عاديًا جدا وفى منتهى السلاسة وليس قوى خارقة وصراعات بين رجال أعمال وتجار السلاح والمطاردات وغيرها من الأصوات العالية التى طغت على صوت النفس البشرية البسيطة بفطرتها بعيدا عن كل هذا الضجيج.

 

 

 

فيلم يطرح فكرة إنسانية بسيطة وهى الاختبارات التى تفرضها الحياة والاختيارات التى يتخذها الإنسان فى تلك الرحلة اختبارات كثيرة مر بها العمل نفسه انتهت بتغيير اسمه من (القاهرة مكة) إلى رحلة 404، وهى إشارة إلى الـ error أو العطل الذى يقابل المواقع الإلكترونية وهو إسقاط على الحالة التى تواجهها البطلة وتمر بها أثناء رحلتها للتطهر والتوبة.

يبدأ الفيلم بفتاة تعمل فى العقارات «غادة» وهى تستعد لرحلتها للحج هى ووالدها ويستعرض فى دقائق كم الخلخلة وعدم الاستقرار فى حياة تلك الأسرة وتوتر العلاقة بين جميع أفرادها.

غادة هى فتاة ليل تائبة تعمل فى مجال العقارات هربت من ماضيها ولجأت إلى الله راغبة فى التطهر من ماضيها وآثامها والنجاة من عواقب تلك الآثام.

تستكمل غادة استعدادها لرحلتها للحج وللتطهر من آثامها التى على وشك أن يتبين لنا أنها ستكون رحلة شاقة جدا لتحدث المفاجأة وهى مرور والدتها بأزمة صحية تتطلب تدبير مبلغ مالى لعلاجها.

 

 

 

تذهب إلى القوادة التى كانت تعمل معها واحترمت رغبتها فى التوبة بل وفرت لها بشبكة علاقتها وظيفة جديدة والتى قامت بدورها «شيرين رضا» والتى ساومتها بعودتها للعمل معها لليلة واحدة فقط فى حفل تقيمه مقابل المال اللازم لعملية والدتها، وهنا كان الاختبار لتوبتها وتشبثها بها مقابل حاجتها ومحنتها.

وللتحايل على تلك الأزمة المفاجئة تبدأ غادة فى البحث عن حلول وتبدأ فى اللجوء لأشخاص من ماضيها الملوث للبحث معها عن حلول، أشخاص ابتعدت عنهم بإرادتها وبحثت عنهم أيضا بإرادتها رغم مرور السنوات وتغير ملامح الجميع كما تم ذكر ذلك على لسان الأبطال وارتدائها هى للحجاب.

من ماضيها تلتقى أشخاصًا أكثر منها هشاشة نفسية منهم من خذلوها فى الماضى كحبيبها الأول وهو سبب أزمتها، ثم طليقها المدمن، الصراعات النفسية للأبطال التى تتقاطع مع معضلة غادة ومحاولاتها للتحايل على المأزق الذى وجدت نفسها فيه، وتضيق عليها كل الحلقات لتجد نفسها ليس أمامها سوى الرضوخ.

يجد المتفرج نفسه يلهث معها من مكان لمكان ومع سعيها من حل لآخر لنصل إلى يقين أن مسألة رضوخها أمر وارد... ويجعل المتفرج متعاطفا معها لتشبثها بالتوبة وطرقها لكل الأبواب كى لا تلجأ للحل الأخير.

وفى آخر محاولاتها تلجأ إلى الحصول على الأموال بطريقة أخرى غير شرعية من خلال صفقة أراضٍ غير مشروعة، والخياران كلاهما مر ولكنها فضلته عن العودة لعالم الحفلات المشبوهة.

ولكن ينتهى الأمر فى صفقة بيع الأرض بالنصب عليها هى شخصيًا، لتعود نادمة عن كل آثامها بمحاولة فاشلة لسرقة رأت أن وزرها أقل ضررًا من عودتها إلى عالم الدعارة قبيل رحلتها إلى الحج.

 

 

 

هانى خليفة مخرج لا يعيبه سوى قلة أعماله السينمائية، المخرج صاحب اللغة السينمائية الهادئة «الراسية» بعيدا عن كل ما هو معقد ومركب ولا يلجأ للضجيج فنجاحه فقط هو من يتحدث عنه، هدوء ورزانة تظهر من خلال كادراته والصورة السلسة ومن خلال حبه للممثل الذى جعل الجميع فى أفضل حالاتهم على الإطلاق وخياراته المثالية منذ أن خرج توقيعه على فيلم سهر الليالى الذى أرخ لمرحلة سينمائية جديدة لهذا الجيل. 

والكاتب محمد رجاء الذى يخوض رحلة جناحاه فيها  موهبته وصبره فى مقاومة التيار والخروج عن المألوف وجلده فى الانتظار، فحلم القاهرة مكة تأخر حتى التحقق والخروج للنور ومر بعقبات عديدة ولكنه لم ييأس، وكانت رحلته للقاهرة مكة عمرها 10 سنوات واستكمل به سلسلة نجاحات كان قد بدأها مع هانى خليفة فى الدراما التليفزيونية بداية من «فوق مستوى الشبهات، الحساب يجمع والليلة واللى فيها».

أما منى زكى فتستمر فى تحدياتها من خلال اختياراتها الفنية المتميزة عاماً بعد آخر، وكان القاهرة مكة إحدى هذه المحطات فى سلسلة تحدياتها، منى أحبت بنات أفكار محمد رجاء ورؤية هانى خليفة فأضاءت كل كادر.

تلهث معها من محاولة لأخرى للهروب من هذا الفخ... تتعاطف معها وتندهش لقوتها ومحاولاتها لعدم الرضوخ، ضعفها وتشبثها بأى أمل يمنعها من الانزلاق مرة أخرى فى هذا العالم وأن تتطهر من كل ذنوبها وآثامها قبيل الذهاب للحج.

ذكرنى الفيلم بحالة الترقب والتعاطف مع بطلات محمد خان وأزماتهن تلهث معهن طوال الأحداث بحثا عن حلول لأزماتهن، وأنا هنا لا أقارن هانى خليفة بمحمد خان ولكن أتحدث عن الحالة.. حالة صادقة افتقدناها فى السينما، حالة التوحد مع الأبطال والتعاطف والبحث معهم عن حلول، حالة الصدق التى نادرا ما تقابلنا فى الأعمال السينمائية الأعوام الماضية.. رحلة 404 عمل صادق ولعل صدقه وصدق صناعه هو ما سيكتب له العمر الطويل.

 تحية للمنتج محمد حفظى وإيمانه بما يقدمه فهو الجرىء دائما فى المشاريع الفنية التى يتحمس لها وأعتقد أن حدسه وحماسه كانا مكسبًا كبيرًا لصناعة السينما السنوات الماضية ورحلة 404 مغامرة محسوبة له وللمنتجة شاهيناز العقاد.

 

 

 

فيلم صادق لأشخاص وبشر طبيعيين وليسوا أبطالًا خارقين ولا من عالم آخر، بشر من لحم ودم فى رحلة كد وشقاء داخلية وليسوا superheroes ، ولعل هذا هو سر سحر«رحلة 404».