منير مطاوع
«البدانة» تهزم حكومة بريطانيا!
منذ عدة شهور أعلن رئيس الحكومة البريطانية الحرب على... البدانة.
وعدّد وقتها الأضرار الناتجة عن انتشار السمنة بين الناس على مختلف مناحى الحياة خاصة الصحة والاقتصاد، وعدّد الخسائر ومظاهر التدهور التى تصيب المجتمع بسبب زيادة الوزن.. وأعلن أن كل الهيئات والوزارات ستشارك فى هذه الحرب وأن الحكومة ستخصص ميزانية ضخمة بمئات ملايين الجنيهات للتخلص من هذه الوصمة..
لكن لم تكد تمر عدة أسابيع حتى تبين أن «البدانة» هزمت بريطانيا!
حيث اضطر رئيس الحكومة إلى التراجع تمامًا عن خطته وحربه ضد حالة الوزن الزائد التى أصابت ملايين الإنجليز.
وخلال هذه الفترة تم تبديل وزير الصحة الذى أعلن وقتها حماسه لخطة الحرب على البدانة.
وجاءت بدلًا منه وزيرة جديدة غير متحمسة لهذه الحرب، التى تبين للحكومة ورئيسها أنه ليس هناك مال كاف فى خزانة الدولة للإنفاق على حرب البدانة، فالحكومة تسيّر أمورها بالعافية، لأنها مدينة بمليارات الجنيهات.
وعندما سئلت الوزيرة الجديدة عن سبب تراجع الحكومة عن خطة محاربة السمنة رغم خطورتها على الصحة والاقتصاد؟
قالت «فيكتوريا أتكينز» وزيرة الصحة إنها تريد التركيز على الاهتمام بالصحة العامة ولا تريد أن تجعل الحكومة «نانى ستايت» تقوم بدور «ولى أمر» الناس.. فتقول لهم كيف يمارسون تفاصيل حياتهم، وماذا يأكلون وماذا لا يأكلون.
لكن هذه الإجابة لم تعجب أحدًا.. فالحكومة فى مجالات كثيرة تتدخل فى حياة الناس بالتفصيل، وقال بعض كتاب الصحف وبعض قادة حزب العمال المعارض، إن كلام الوزيرة الجديدة هو محاولة للهروب من مسئولية كبيرة تعرف أنها لا تقدر عليها.. وأضافوا أن هذا معناه هزيمة حكومة المحافظين فى حربها على البدانة...حتى أن هناك من علّق على الأمر قائلًا: لقد هزمت البدانة حكومة المحافظين.
وبعدها توالت البيانات والإحصاءات تكشف عن انفجار أزمة زيادة الوزن فى المجتمع البريطانى، حيث تبين أن هناك حوالى 3 آلاف حالة زيادة خطيرة فى الوزن تدخل المستشفيات كل يوم، وأن الرقم قد تضاعف عنه فى السنة الماضية وفق ما رصدته هيئة الخدمات الصحية.. التى قالت إن البدانة تضاعف المخاطر الصحية لدى النساء الحوامل، وتزيد من حرج حالات الإصابة بأمراض أخرى كالسرطان والروماتيزم وغيرها.
وبلغ متوسط عدد الأطفال الذين يدخلون المستشفيات مصابين بأمراض ذات علاقة بالوزن الزائد 20 طفلًا وطفلة كل يوم.
وعن الضرر الاقتصادى تبين أن كلفة البدانة على الاقتصاد بلغت حوالى 98 مليار جنيه إسترلينى فى السنة منها 19 مليارًا هى مصاريف العلاج فى مستشفيات التأمين الصحى، و15 مليارًا يخسرها الاقتصاد بسبب ضعف الإنتاجية الناتج عن انتشار وباء البدانة.
12 مليونًا فى مقاطعة واحدة
وكشفت آخر البيانات عن أن إنجلترا وحدها - وهى المقاطعة الأكبر فى بريطانيا- دخل من سكانها 12 مليونًا للمستشفيات مصابين بأمراض الوزن الزائد، خلال السنة الماضية فقط.
وقالت «دايزى كوبر» نائبة رئيس الحزب الليبرالى المعارض أن الحكومة والوزراء المسئولين تجاهلوا الأمر وفشلوا فى تحصين البلاد والناس من أمراض يمكن تلافيها وتخرب مختلف مجالات المجتمع، وأضاعوا فرصة أن تكون بريطانيا مكانًا صحيًا لائقًا للعيش فيه، إن الاستثمار فى تحسين صحة الناس من شأنه ليس فقط أن يخفف الضغط على مرافق الخدمات الصحية، لكنه أيضًا يساعد فى توفير أعداد كافية من المواطنين القادرين على العمل وتنمية اقتصاد البلاد.
البدانة أصابت ثلث الإنجليز!
ورصدت جريدة «التايمز» فى مقال افتتاحى أن نحو 28 % من البريطانيين يعانون من هذا الوباء، أى حوالى ثلث السكان. وكانت هناك تحذيرات للحكومة منذ سنوات من انتشار هذا الوباء، فالناس يأكلون الكثير من الطعام الخطأ، ولا يميلون للحركة والنشاط، وقد تزايد عدد حالات دخول المستشفيات ليبلغ ثلاثة أضعاف. وأضافت: لقد بدأ قلق الناس من هذه الظاهرة منذ فترة لكنه يتزايد الآن، لكن ويا للعار فالاستجابة بطيئة، من جانب الحكومة وصناعة الأغذية وعامة الناس.
وتوجه الجريدة حديثها لحكومة المحافظين: إن وباء البدانة ليس مسألة صحية أو اقتصادية فقط.. إنه مسألة سياسية، وعلى الحكومة أن تكون أكثر حيوية فى مواجهة وباء البدانة.. هذا الخطر الذى يفقد كثيرين حياتهم بسببه.