هنا غزة
محمود أحمد على
الحفار الوحيد..
الحفار الوحيد داخل مدينة (غزة) رغم موت سائقه الوحيد، ورغم أن جوفه لم يعد بداخله نقطة بنزين واحدة، ورغم عجلات (الكاوتش) لم تعد تصلح للسير؛ إلا أنه لم يزل يعمل ليل نهار فى رفع الأنقاض عن الأحياء والمصابين والضحايا.
سنابلهم..
فى الصباح..
قذفت طائرات العدو جميع الأراضى المزروعة بالقمح؛ بقصد أن يموت الفلسطينيون جوعا
فى المساء..
أصحاب المزارع راحوا يتفقدون سنابلهم المحترقة تماما..
ذرفت أعينهم الدموع بغزارة.
فى الصباح..
أصحاب المزارع اكتشفوا أن دموعهم أنبتت سنابل جديدة.
صواريخ وطائرات
أمس..
المدرسة الفلسطينية التى قُصفت بصواريخ الصهاينة، وأسفر القصف عن استشهاد جميع الأطفال الذين تم دفنهم بملابسهم وحقائبهم المدرسية فى مقابر جماعية.
اليوم..
عندما عاودت الطائرات فى محاولة منها لقصف مدرسة أخرى، إذا بطائرات ورقية وأقلامهم الرصاص التى تشبه الصواريخ تخرج من مقابر الأطفال؛ لتخيف الطائرات، وتضطرها للانسحاب سريعًا ظنًا منهم أنها حقيقة.
زغاريد لن تتوقف لأم فلسطينية..
أمس..
فور أن أنجبتنى أمى حملتنى بين ذراعيها، ولم تزل تزغرد دون توقف.
اليوم..
تحملنى أمى فوق كتفها، وهى تتقدم صفوف مشيعي، ولم تزل تزغرد دون توقف.
مفارقة..
رن هاتفه المحمول.
بصوت يملؤه السرور أخبرته زوجته أنها أنجبت ولدًا جميلاً يشبهه إلى حد كبير.
فرحته جعلته يترك عمله دون استئذان.
فى طريقة إلى المستشفى ظل يفكر فى حيرة شديدة:
- عندما أصل إلى المستشفى هل أقبل زوجتى أولاً..؟! أم أقبل طفلى الأول الذى انتظرت قدومه لسنوات طويلة..؟!
لم يزل يفكر ويفكر دون أن يصل إلى حل.
فجأة توقف.
توقف دون إرادته.
لم يزل ينظر فى حزن وألم إلى (مستشفى فلسطين) الذى دُك بصواريخ الصهاينة.
كلبُ حراسة..
كُنا ننام فى اطمئنان، فالكلب الذى اختاره أبى بعناية فائقة يقف أمام دارنا لحراستنا. طائرات الصهاينة قذفت بيتنا.
هو الوحيد الذى نجا من الموت.
رغم موتنا جميعًا؛ إلا أنه لم يزل يقوم على حراسة بيتنا الذى ضاعت معالمه، وكلما سمع صوت طائرات العدو تحلق فوق بيتنا، كان ينبح فى غضب.
ينبح فى غضب، وهو يدور فى صلابة من أمام ومن خلف علم فلسطين الذى زرعه أبى بجوار مجلسه.
أهلنا فى غزة..
كلما سمعت أو رأت أمى هذا الإعلان التلفزيونى المستمر، بالتبرع لأهلنا فى غزة التى يعانى أطفالها من برد الشتاء، على الفور تسرع لتحتضن بشدة شاشة تليفزيوننا الأبيض والأسود وتظل تبكي، ظنًا منها أنها بذلك تقوم بتدفئة أطفال غزة.
أجنة الأسيرات..
نجح الصهاينة فى اختطاف عدد كبير جدًا من النساء الفلسطينيات الحوامل.
بعد الكشف وعمل التحاليل والأشعة المطلوبة، من يجدونها حاملاً فى أنثى على الفور يقتلونها وجنينها، حتى أبقوا على كل النساء اللاتى يحملن ذكورًا.
البقية الباقية من النساء لم يزلن فى رعاية وراحة تامة، لقد أرادوا أن يأخذوا الأطفال عندما تحين لحظة والدتهم ليزدادوا عددًا وعدة.
حقوق إنسان دولية..
داخل أحد المستشفيات المصرية كان الطفل يُعالج من إصابته البالغة.
إحدى الجمعيات الحقوقية الدولية جاءت لزيارة المرضى.
كان هو أول من استمعوا إليه.
ظل يحكى باكيًا عن المجازر البشعة التى فعلها ويفعلها الصهاينة فى قطاع غزة.
الحقيقة تقال إنهم ظلوا يستمعون إليه فى إنصات تام.
فور أن توقف الطفل عن سرد ما يحدث فى غزة، على الفور تسابقوا مبتسمين لأخذ الصور معه.