الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رحلة «كيس بلازما»(2)

حلم قومى طال انتظاره، تحقق وأصبح واقعًا ملموسًا، بعد نثر أولى بذوره فى الأرض الممهدة لإنباته، ألا وهو تصنيع الأدوية البيولوجية من بلازما الدم، والتى ينتجها فقط جسم الإنسان، ويعوضها خلال 48 ساعة من سحبها.



«كيس البلازما» هو المادة الخام لتلك الصناعة، التى تنقذ حيوات المرضى من أمراض خطيرة، منها سرطان الدم، والقلب، والكبد، والكلى، والهيموفيليا، وأمراض أخرى كثيرة، ولذلك تتبعت مجلة «صباح الخير»، فى السطور التالية رحلة «كيس البلازما»، بدءا من إجراءات التبرع، وحفظها، وحتى وصولها لمرحلة التصنيع الدوائى

 

 

 

4 ساعات

فى مصر الأن 9 مراكز تابعة لشركة جريفولز إيجيبت المملوكة لجهاز الخدمة الوطنية وشركة جريفولز العالمية، تعمل فى تجميع البلازما بكامل طاقتها، ضمن عشرات المراكز المستهدف إنشاؤها لتغطى كل الأقاليم المصرية، ضمانا لاستدامة الصناعة، ومن ثم مزيد من نجاح المشروع القومى.

فى أحد مراكز تجميع البلازما بمصر الجديدة بقلب القاهرة، بدأنا رصد الرحلة بالصور.. ورافقنا فى الجولة لنقل التفاصيل كاملة الدكتورة نشوى نشأت، مدير مراكز التبرع بالبلازما، والدكتور إبراهيم مصطفى، مدير المركز.

ويمكث المتبرع مدة ما بين 180 و 240 دقيقة.. داخل المركز فى كل مرة يتبرع فيها، يقضيها ما بين إجراءات تتكرر فى كل زيارة، للاطمئنان على صحته، وتطبيقه للشروط من عدمه، ثم سحب الدم وفصل البلازما منه، ويعقبها إعطاؤه محلول ملح لتعويض جسمه عن السوائل التى فقدها.

رحلة الـ 3 إلى 4 ساعات، تبدأ فى قسم استقبال المواطنين، حيث يتم تسجيل الاسم وجميع البيانات الشخصية من بطاقة الرقم القومى، مع التأكد من قرب سكن المتبرع من المركز، لضمان استدامة عملية التبرع، ثم إعلامه بالمدة الزمنية التى سيستغرقها فى الإجراءات مستقبلا، عند الحضور فى كل مرة، فى حالة التبرع المنتظم، والتى تتراوح بين 45 و 60 دقيقة، وأن المرة الأولى هى فقط التى تزيد فيها المدة.

ويطلع فريق الاستقبال المتبرع على معلومات هامة حول التبرع بالبلازما، والآثار الجانبية التى قد تحدث، وطريقة تجنبها، وكيف يمكن التعامل معها حال حدوثها داخل المركز أو خارجه؟ ثم يوقع المتبرع على إقرار الموافقة، بعد جلوسه مع الفريق الطبى الذى يتولى مهمة المراجعة الشاملة للتاريخ المرضى للمتبرع، وتسجيلها مع كل بياناته فى ملف يحمل اسمه وكود مخصص له، على الشبكة المعلوماتية الخاصة بمراكز التبرع بالبلازما.

 

 

 

كما يتم الإجابة على أسئلة منها هل يعانى من أمراض مزمنة؟ هل يتناول أدوية معينة بشكل منتظم؟ هل أجرى عمليات جراحية قبل ذلك؟ وغيرها، للتأكد من صلاحيته للتبرع.

وبعد الانتهاء من الفحص الطبى الشامل، ينتقل المتبرع إلى صالة كبرى بها 50 كرسيًا مجهزًا، وبجوار كل منها جهاز يتكون من شاشة يسجل عليها نسبة البلازما التى تم سحبها، حيث يتم من خلاله سحب الدم وفصل البلازما منه فى أسطوانة كبيرة مكودة برقم خاص بالمتبرع، وأخرى بحجم أصغر مسجل عليها نفس الباركود، يتم تجميع الدم فيها قبل إرجاعه للجسم مرة أخرى، وتحتوى على مادة لمنع تجلط الدم، ويمكن التحكم فى سرعة السحب والإرجاع بحسب قدرة تحمل المتبرع حتى لا يصاب بالدوار، وعند الوصول للنسبة المحددة يضيء الجهاز باللون الأخضر. 

بعد ذلك، ينتظر المتبرع فى صالة انتظار ما بعد التبرع وهى أصغر حجمًا، للتأكد من عدم حدوث مضاعفات.

ولوحظ وجود عدد من الغرف لا يتم فتحها إلا بأرقام سرية، ويتردد عليها فقط مدير المركز، وبعض من الفريق المتخصص، للحفاظ على الأمن والسلامة، ومنها ما هو مخصص للنفايات الطبية، ويتم فيها تجميع المستهلكات من المستلزمات، فى أكياس حمراء بمواصفات خاصة يتم إحكام غلقها، وكذلك غرفة معالجة البلازما، والتى يتم فيها مراجعة الإجراءات كاملة، وكذا دقة البيانات، والباركود الخاص بكل متبرع لرفعها على الشبكة، وصولا إلى غرفة تحميل ونقل العينات المجمعة بواسطة السيارات المجهزة، والتى تكون تحت المراقبة المستمرة، وتطبق عليها آليات التحكم حتى وصولها إلى المركز الرئيسى. 

 

 

 

استخدام مرة واحدة

تستخدم المستلزمات الطبية فى كل عملية تبرع لمرة واحدة فقط، وبعد إنهاء كل تبرع يتم تعويض جسمه عن السوائل التى فقدها ب 500 مللى من المحلول الملحي، وتدون كل النتائج فى ملفه بداية من الفحوصات فى أول مرة، وأسماء الأطباء المتابعين، عدد مرات التبرع.

وبعد سحب البلازما يتم إيداعها فى ثلاجات مركز التجميع، ولابد من توافر شروط ومواصفات خاصة، تتطابق مع المعايير القياسية العالمية، مثل درجة البرودة، لأن التأخير يفسد البلازما، ويهدر الجهد الذى تم بذله فى جميع التخصصات والمراحل السابقة لعملية السحب، فضلا عن إتلاف المادة الخام نفسها، ويمنح المتبرع حافزًا ماديًا يصل إلى 350 جنيها.

وتخزن كميات البلازما فى ثلاجات المركز  لمدة يومين أو ثلاث.

وقبيل نقل البلازما بسيارات مجهزة بثلاجات إلى المركز اللوجستى فى مدينة 6 أكتوبر بالجيزة، يتم التأكد من وضوح الباركود ومطابقته للعينات التى تم اختبارها، ثم تعبئتها فى عدد من الطرود، بمعدل من 10 إلى 14 عبوة بلازما مجمدة، على أن تتم تلك العملية فى غضون 30 دقيقة فقط، ما بين خروجها من الثلاجات، وتحميلها فى الشاحنة المجهزة قبل التحرك للمرحلة التالية.

ويتم إدراج البلازما المجمعة من المراكز الفرعية بالمركز اللوجستى، ضمن الشحنة التى يتم نقلها فى ثلاجات مجهزة، إلى المصنع التابع لشركة جريفولز العالمية فى أسبانيا، للاعتماد عليها كمكون رئيسى فى صناعة الأدوية البيولوجية، التى يتم إعادتها إلى مصر مرة أخرى، لعلاج الأمراض المختلفة.

 

 

 

إنقاذ الملايين 

أثناء جولتنا، التقينا بـ «بيتر أشرف»، أحد المتبرعين المنتظمين، فى الثلاثينيات من عمره، وهى المرة الخامسة له فى التبرع بالبلازما، وعبر عن سعادته بالمشاركة فى هذا المشروع القومي، لتوفير أدوية منقذة لحياة ملايين المرضى.

وقال علمت بمشروع تصنيع الأدوية من مشتقات البلازما، من أحد أصدقائى المقربين، والذى يحضر بشكل منتظم أسبوعيا للتبرع بالبلازما، وأثنى على إجراء الفحوصات الشاملة فى كل مرة يحضر فيها للتبرع، وأثناء وبعد عملية التبرع.  

أما «أسامة المهدى»، 22 عامًا، فيأتى بشكل منتظم للتبرع فى مركز مصر الجديدة، وقال هذه المرة الرابعة لي، وأعلم جيدا مدى فائدة البلازما، وأردت المساهمة فى توفير علاج لكثير من الأمراض الخطيرة.

وأشاد أسامة المتابعة داخل المركز وخارجة للاطمئنان على سلامته، وأكد تعاون الفريق الطبى لضمان تحقيق الأمان والسلامة، بداية من التحاليل والفحوصات الطبية، والتشديد على إجراءات التعقيم، والمتابعة أثناء عملية التبرع، والتى يحذر خلالها من تناول أى أطعمة أو مشروبات، أو ارتداء نظارة سودا، أو النوم، لملاحظة أى آثار جانبية قد تحدث خلال السحب، حيث يتدخل الفريق الطبى وقتها.

وعلى هامش جولتنا بمركز  تجميع البلازما قال الدكتور إبراهيم مصطفى، مدير مركز التجميع بمصر الجديدة، إن تجميع البلازما على مستوى الجمهورية: المركز العاشر سوف يتم تدشينه بمحافظة بورسعيد، موضحا أن قبول أو رفض شخص ما للتبرع بالبلازما، تخضع لمعايير دولية يتم تطبيقها والالتزام بها، منها السن، ومعرفة محل السكن حيث يجب أن يكون بالقرب من أقرب  مركز له فى محافظته، ثم الوزن على أن يكون سليمًا صحيا بعد اجتياز الفحص الطبى والمعملى وخاصة تحاليل الفيروسات.

وأضاف أن رحلة المتبرع تبدأ من تسجيله مع فنيى الاستقبال، ثم إبلاغه بحقوقه كاملة بعد عملية التبرع. موضحا أن هناك اختبار «قراءة» يجرى للمتبرعين لمعرفة قدراتهم، وفى حالة كون المتبرع أمى، يتم إدخاله فى مسار مختلف بالمرحلة الأولى، حيث يصطحبه أحد الفنيين فى غرفة خاصة، ليوضح له جميع المعلومات والإجراءات، ومراجعة كل الأسئلة المطلوب استيفائها قبل التوقيع على الإقرار، وأشار إلى حتمية التأكد من سلامة الأوردة، وعددها فى الذراعين، وحجم كل وريد، ومعرفة هل هناك مشكلة فى مكان التبرع بالذراع أو لا؟، والتأكد من سلامة حالته النفسية، مع ضرورة التأكد من أنه شرب كمية كبيرة من المياه وخاصة فى يوم التبرع، حتى لا يحدث له جفاف أو ضعف فى الأوردة، وخاصة أن النسبة الأكبر من تكوين البلازما عبارة عن سوائل.

 

 

 

وأكد على مراعاة الفريق الطبى المتخصص لاتباع معايير الجودة، حيث إنه من الممكن إرجاء للمتبرع إذا كانت نسبه مكونات الدم غير طبيعية، بسبب سوء التغذية، أو إجهاد الجسم، وفى حالة عدم استقرار النسب يعرض على طبيب لمعرفة الأسباب، أو تحويله لفحص طبى أكثر دقة.

كما يمكن إرجاؤه أيضا فى حالة إذا سبق تبرعه بالدم قبل 56 يوما، فى حين إذا نقل للمتبرع دم، فتختلف حسب المدة الزمنية والسبب.

أجهزة متطورة

عن طبيعة وشكل عمل جهاز السحب، قال الدكتور إبراهيم مصطفى أنه يتم عمل عدد من دورات السحب والإعادة أثناء عملية فصل البلازما من جسم المتبرع، ومن خلال أجهزة متطورة، فبعد توصيل إبرة مخصصة يتم سحب الدم وتجميعه فى «قنينة» تشبه الكورة، يدور الدم بها، ومن خلال جهاز الطرد المركزى يتم فصل كرات الدم الحمراء فى أسطوانة، والبلازما فى أخرى أكبر حجما، ويتراوح عدد الدورات بين 3 و5 بحسب كمية البلازما التى ستسحب من المتبرع، ويتم إرجاع الدم للمتبرع مرة أخرى.

وقال: إن هناك 3 مقاييس لتحديد أغلب نسب البلازما المسحوبة من المتبرع، يحددها الوزن، موضحا أن فريق العمل مدرب على كيفية الإنعاش القلبى الرئوى الأساسي، والإسعافات الأولية، وكيفية التعامل مع المتبرع فى حال ظهور أى أعراض غير طبيعية، أو آثار جانبية خلال متابعته قبل أو أثناء أو بعد التبرع. وأكد أن الهدف الرئيسى هو الحصول على البلازما الآمنة، والحفاظ على صحة المتبرع، وبالتالى أمان الأدوية المصنعة منها.

وقال إن هناك طرق عديدة للتأكد من صدق المتبرع والتزامه، ومنها ملء استمارة استطلاع رأى تحتوى على 65 سؤالا، ويصطحبه طبيب من المركز فور دخوله، مع ملاحظة هيئته العامة ومقارنتها فى كل زيارة مثل إطلاقه اللحية أو قصر الشعر وغيرها، مع التأكد من حالته الصحية، وهل هناك آثار لأى جراحة أو تعرضه لكسر أو إجراء تحاليل ومعرفتها، وفحص الأوردة فى كل مرة لو هو منتظم التبرع، إضافة إلى التأكد من عدم تعاطى المتبرع حقن غير آمنة، لأنه يستحيل قبول متبرع مدمن. 

شهادات عالمية  

وقالت الدكتورة نشوى نشأت، مدير مراكز التبرع بالبلازما، إن المشروع يرتكز على الجودة، وخاصة أنها صناعة معقدة لإنتاج أدوية حيوية «بيولوجية»، تحتاج لمعايير قياسية، مشيرة إلى أن بداية فكرة المشروع كانت منذ عام 2014، حيث وجهت القيادة السياسية بالبحث عن الشركات العالمية المتخصصة فى مجال «تصنيع الأدوية المشتقة من البلازما»، واختيار أفضلها للت٧ا مل معها ونقل تكنولوجيا الصناعة إلى مصر، وبالفعل تمت الشراكة بين الحكومة المصرية وشركة جريفولز العالمية الرائدة فى هذا المجال.

وأكدت الدكتورة نشوى التركيز فى كل العملية على الجودة لأمان المتبرع، وكذا المريض الذى سيصل إليه الدواء الحيوى المصنع، أن وزارة الصحة هى التى تعتمد عمل مراكز التجميع، طبقا للمعايير الأوروبية، وبعد 3 أشهر تعيد اعتماد المراكز مرة ثانية، ثم يتم الاعتماد من هيئة بروتينات البلازما العالمية، موضحة أن مصر أول عضو غير أوروبى بهذه الهيئة.

 

 

 

وأكدت أن هيئة بروتينات البلازما العالمية سبق وأن اعتمدت المراكز المصرية، وفى عام 2024 سوف يتم الاعتماد من وكالة الدواء الأوروبية، فى الطريق لارتقاء الدواء المصرى للمنافسة مع مثيلة فى السوق الأوروبية

وأشارت د.نشوى إلى أن هناك سؤالاً يتكرر كثيرا، وهو هل التبرع المنتظم بالبلازما يؤثر على جهاز المناعة أو البروتينات؟، مؤكدة أن هذا غير صحيح، حيث يتم قياسها بشكل دورى فى المعمل، وهى أدق نتائج لتحليل الفيروسات بخاصية الحمض النووى.

وأكدت أن نتائج التحليل التى يتم إجراؤها دوريا، ترسل للمراكز مرة ثانية، حيث يقوم الأطباء بفحصها، ومراجعتها مع نظام التبرع، وبناء عليه يتم تحديد الإجراء الصحيح معه  سواء السماح له بالتبرع، أو الإرجاء لفترة معينة أو بشكل نهائى

وعن إرسال شحنات البلازما للتصنيع فى إسبانيا، قالت إن هذا يتم بشكل مؤقت لحين الانتهاء من المصنع الوطنى المصرى، فى مدينة الدواء بحلولعام 2026.

وقالت إن المصنع الجارى إنشاؤه فى مصر تابع لجريفولز إيجيبت، بالإضافة إلى 20 مركزًا لتجميع البلازما، فى حين هناك 20 مركزًا أخرى مدرجة على خطة وزارة الصحة، وجميعهم يخضعون لتقنية ومعايير الجودة العالمية، والربط التكنولوجى وشبكة المعلومات. 

حسب د.شوقى فإن هناك أكثر  من 20 دواءً يمكن تصنيعها من مشتقات البلازما، ويعالجون أكثر من 80 مرضًا مزمنًا وخطيرًا.

 

 

 

وأكدت أن تصنيع الأدوية يتم على أساس تحديد الأولوية للأمراض الأكثر خطورة وانتشارا، وتم تحديد 3 أدوية بشكل مبدئى، وهى «الألبومين» و «الأجسام المضادة المناعية» والتى تستخدم لكثير من الأمراض، ومنها المناعة الذاتية، ونقص المناعة الأولى لمن يعانون خلل جينى، وكذلك نقص المناعة الثانوى، و «عامل التجلط 8» الذى يستخدم فى علاج مرض الهيموفيليا، وهى أدوية تمثل أكثر من 75 % من احتياج السوق المحلية والعالمية.