الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قصر فى «مالا سترانا»!

تعرف براغ عاصمة التشيك وإقليم بوهميا على أنها محط قبائل السلاف القديمة. منذ العصور الوسطى أصبحت براغ من أكثر وأسرع المدن عدوًا فى سباق الحضارة الأوروبية حتى أنها حازت لقب بوابة أوروبا ومدينة القصور.



 

وتعتبر مبانيها من أقدم البنايات فى أوروبا وأكملها لأنها ببساطة كانت أقل المدن تضررًا فى الحرب العالمية الثانية.

وهنا يحدثنا أحد قصور المدينة الذى يحوى العديد من الذكريات والحكايات ومن ثم يعرف قصر كينسكى والذى سوف يحكى لنا حكاياته وجمالياته بأنه أحد أهم معالم براغ.. فماذا يحكى لنا قصر كينسكى؟ 

يحكى لنا هذا القصر الذى يبلغ عمره 300 عام عن عصر ثراء مدينة براغ ورقى مبانيها الذى يشكل هو إحدى أيقوناتها.

ويقع كينسكى فى العاصمة القديمة فى منطقة (مالا سترانا) الذى يشكل الجزء الثانى من قلب براغ مع منطقة قاعة المدينة ببرجها الشهير.

ويفصل بين القصر والساحة جسر تشارلز أشهر جسور العالم.

لكن ماذا يحكى لنا قصر كينسكى عن نفسه؟ 

وما هى قصته؟ ولماذا هذا القصر بالذات هو مثار الأحاديث فى الثقافة والفنون فى أوروبا الغربية والشرقية؟!

 

 

 

كونت جولز

الإجابة هنا…

فى 1755 أراد الكونت جولز وهو أحد مشاهير التجار والسياسيين فى إقليم بوهميا أن يبنى قصرًا ليسكن فيه وعائلته.

 فاختار هذه البقعة الحية فى وسط المدينة القديمة.

 ويقال إنها كانت تحوى أطلال مجموعة من البنايات الصغيرة على الطراز السلافى والتى تهدم معظمها. فاشترى الكونت جولز هذه القطعة من الأرض وأوكل تصميم القصر لأحد أشهر مهندسى بوهميا المهندس العظيم كيليان إجناز دينتزهوفر.

دينتزهوفر كان أيضًا ينحدر من أصول ألمانية من ناحية والده، وكان كيليان من أكثر الذين برعوا فى طرازى الباروك المعمارى وطراز الروكوكو أيضًا. ومن هنا نستطيع أن نعتبر أن القصر يجمع بين خصائص العصر الأوسط من عصر النهضة والباروك وخصائص الروكوكو.

واجهت كيليان معضلة أثرية وفنية كبيرة حينما أراد أن يصمم ويبنى القصر للكونت جولز وهى أن قطع الأرض كانت تحتوى على منزلين من العصور الوسطى ومنزل رومانى يعود للقرن الرابع الميلادى ومنزل قوطي من العصور الوسطى.

فماذا فعل كيليان فى هذه المعضلة؟ 

تقول الحكايات أن كيليان ذهب للكونت جولز وأخبره أنه سوف تكون خسارة فادحة هدم هذه البنايات الأثرية ليقام القصر على كامل قطعة الأرض وكان بالطبع الكونت جولز هو أقدر الناس على تفهُّم ما يقوله كيليان. لذا فلقد ترك له حرية التصرف فى التصميم على أن يبقى هذه البنايات الأثرية القيمة، ومن ثم قرر كيليان أن يقسم قطعة الأرض إلى جزأين؛ جزء كبير يقام عليه القصر وجزء صغير يحتوى على هذه البنايات الأثرية وخصوصًا البيت الرومانى على أن يفصل بينهما زقاق صغير والذى يعرف الآن بزقاق كينيسكايا نسبة إلى القصر.

وبحكم أن الكونت جولز هو مالك الأرض فإن ملكية هذه البنيات الأثرية تعود إليه ومن ثم ربط كيليان بين قطعتى الأرض عبر الزقاق من ناحية المنزل الرومانى الذى أصبح جزءاً منه قبو تحت قصر كينيسكى موجود للآن.

 

 

 

10 سنوات

بدأ البناء فى القصر عام 1755 واستمر البناء حوالى عشر سنوات تحت إشراف المهندس التنفيذى المساعد لكيليان إجنار وهو المهندس الشهير أنسليم لارج كما اختُير الفنان والمهندس المتخصص فى الزخارف (سى جى بوسي) ليقوم بعمل كل الأعمال النحتية المصنوعة من الجص الصلب للواجهة وداخل القصر.

القصر يتكون من مساحة كبيرة مستطيلة ضخمة ومدخلين رئيسيين بعتب بيضاوى.

تحمل واجهة كل مدخل أربعة أعمدة ذات تيجان (أيونية وكورنثية).

يتكون القصر من ثلاثة طوابق بالإضافة لقبو علوى جمالونى كمعظم منازل أوروبا.

وكل دور له 12 نافذة من ناحية المدخل على الشارع الرئيسى لكن فى الدور الثانى تتميز التسعة نوافذ الوسطى بأنها مشتركة فى شرفة طويلة على طراز الباروك.

فى الدور الثالث وبنفس مدخلى القصر تجود واجهتان مثلثتان أى - فرنتونات - ذلك الشكل البنائى العريق فى العمارة الكلاسيكية تزينها منحوتات لشخصيات أسطورية رومانية وإغريقية قديمة وهى من عمل النحات والفنان الشهير أجناتيوس بلاتزر.

 

 

 

كما تزين الطرف المطل على الواجهة مجموعة من التماثيل.. وفى الباحة الداخلية يوجد تمثال لإجناز فرانز وهو أحد الشخصيات الشهيرة فى الحقبة البوهيمية.

فى الحقيقة أن الملكيات والمال هى دائمًا فى علم المجهول ومن ثم تحدث حوادث كثيرة غريبة تتبدل فيها الأحوال والظروف.

ويحكى لنا القصر أنه بعد أن سكن الكونت جولز بأقل من ثلاث سنوات تُوفى وعانت عائلته ضائقة مالية فبيع القصر إلى أسرة كينسكى.

وكينسكي هى أسرة ملكية على رأسها الأمير رودولف كينسكى وأخذ القصر اسمه كما أنه أيضا يعرف أحيانا باسم قصر جولز-كينسكى حتى لا ينسى الناس المالك الأول للقصر.

 وفى عهد أسرة كينسكى أعيد بناء الديكورات الداخلية بأسلوب كلاسيكى كما تمت توسعة القصر بإنشاء فناء ثانٍ محصور بين ثلاثة أجنحة على الطراز الامبراطورى.

وفى عام 1835 أضيف منزل ملحق بالقصر عرف بمشروع جوزيف كرانر نسبة للمهندس الذى قام بتنفيذه وكانت هذه التوسعة بالطبع من ناحية الزقاق القديم - زقاق تونسكا - حيث كانت كل التجديدات فى القصر تجرى على أسلوب الباروك الذى ساد كل مدن أوروبا فى القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر.

مولد بيرثا فون

الأهمية التاريخية لقصر كينسكى كبيرة سواء فى تاريخ أوروبا أو فى تاريخ براغ نفسها ففى 9 يونيو 1843، ولدت فى القصر بيرثا فون سوتنر نى كينسكا، السكرتيرة اللاحقة لألفريد نوبل التى كانت فى عام 1905 أول امرأة تحصل على جائزة نوبل للسلام.

فى نهاية القرن التاسع عشر، كان المبنى موطنًا لمدرسة قواعد اللغة الألمانية، حيث درس أديب التشيك الأشهر فرانز كافكا من 1893 إلى 1901، كما درس فيها أيضًا فرانتس كراوس بعد عقد من الزمن.

أما فترة ما بين الحربين العالميتين، فكانت السفارة البولندية تقع فى القصر بالتحديد ما بين عامى 1922 و1934.

وفى زمنه كان والد فرانز كافكا.. هيرمان كافكا  لديه متجره للخرداوات فى القصر وكان يقع فى الطابق الأرضي. 

واستخدم كليمنت جوتوالد القصر عام 1948 لمخاطبة الجمهور من شرفته. حدث هذا فى الحلقة الأخيرة من انقلاب تشيكوسلوفاكيا عام 1948. حيث لعب القصر دورًا مهمًا فى الدعاية الشيوعية - وحيث ألقى من شرفته كليمنت جوتوالد خطابه الشهير.

ولذا فإن القصر أحيانًا كانت يرتبط بهذه الذكرى المؤلمة بالنسبة للشعب التشيكى الذى كان يكره النظام الشمولي.

عام 1949، أصبح قصر كينسكى مقر المجموعة الرسمية للمعرض الوطنى فى براغ. وفى مطلع الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، كان لدى المجموعة الفنية الشهيرة - شعب الكون - غرفة بروفة فى القصر تحت رعاية مركز براغ الثقافى 1992، تم إعلانه مع ساحة البلدة القديمة كأثر ثقافى وطنى وأصبح يضم متحفًا وطنيًا للفنون كما وضعت فيه لأول مرة أشهر مجموعة لوحات لأعظم فنان تشيكى وهو ألفونسو موخا حيث عرضت لأول مرة مجموعته الشهير الملحمة السلافية فى معرض القصر قبل أن تنتقل بشكل دائم إلى قاعة البلدية الرئيسية.