الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

رحلة «كيس بلازما» (1)

دم الإنسان، لا يمكن تصنيعه أو استيراده، أو الاستعاضة عنه بأى شىء.. ويتراوح حجم الدم فى الجسم البشرى من 8 و10 % من الوزن، أى ما بين 5 و7 لترات لدى متوسط الحجم، وتختلف حسب كون الشخص ذكرًا أو أنثى، كبيرًا أو صغيرًا.



ويتكون الدم من عدة مشتقات، منها جزء صلب يحتوى على الكرات الحمراء، والبيضاء، والصفائح الدموية، وآخر سائل يضم البلازما.

وفى السنوات الأخيرة نتيجة للزيادة الكبيرة فى الحوادث، والأمراض المتنوعة، كانت الحاجة أكثر إلحاحًا على الدولة المصرية، بأن تجد حلولاً لتوفير الدم ومشتقاته، وعلى رأسها «البلازما».

تنقذ البلازما الأرواح فى 9 أمراض مزمنة، يتصدرها القلب، ثم الكبد، والكلى، والهيموفيليا، والمناعة، وسرطان الدم.

وفطنت الدولة المصرية لذلك، فوجه الرئيس عبدالفتاح السيسى، بتدشين المشروع القومى لتصنيع البلازما، لأهميتها فى علاج الأمراض، ومواجهة الجوائح وكان آخرها فيروس كورونا المستجد.

وأصدرت الدولة قانونًا منظمًا لعمليات الدم وتجميع البلازما كان بداية الانطلاقة للمشروع القومى فى 2020.

بلازما الدم هى خليط سائل فى جسم الإنسان، يتكون من الماء والأملاح والبروتين، وتشكل حوالى 55 % من حجم الدم بالجسم، ويتم فصل مكوناتها منه، وتخزينها فى بيئة ومواصفات قياسية للحفاظ عليها لفترة من الزمن، ما يتطلب كثيرًا من التكنولوجية والمهارة.

 

 

 

ويضع المشروع القومى للبلازما مصر على الخريطة الدولية لتلك الصناعة، حيث ينتظر لمصر أن تكون بين أكبر 5 دول مصنعة على مستوى العالم، والأولى إفريقيًا فى هذا المجال، خاصة أنها تجهز لأن تكون أكبر مركز مصدر للدواء فى إفريقيا والشرق الأوسط.

وتعاقدت الحكومة المصرية مع الشركات الوطنية والدولية، لتتمكن من تجهيز مراكز لتجميع البلازما، بحيث تغطى جميع ربوع مصر، بعدد 20 مركزًا، تم الانتهاء من التجهيزات وإدخال 9 منها الخدمة، تحت رقابة وزارة الصحة، وبمعايير عالمية.

ربط إلكترونى

تم إعداد وتفعيل منظومة إلكترونية لربط جميع المراكز ببعضها البعض، بهدف المتابعة الدقيقة للمنصرف والمخزون من الدم ومشتقاته، وحوكمة عمليات الدم لضمان الاستخدام الأمثل، والتأكد من تنفيذ المعايير الدولية لنقل الدم، ولتساهم فى توحيد طريقة العمل فى جميع مراكز نقل الدم، وتسهيل آليات خدمات نقله للمنشآت الصحية التابعة للقطاعات الحكومى والخاص والأهلى.

وهو المدى الزمنى المحدد لدخول تصنيع البلازما حيز التنفيذ رسميًا فى مصر عام 2026.

ولحين الوصول إلى هذا المدى الزمنى يتم تجميع البلازما من خلال المراكز التابعة لجهاز الخدمة الوطنية، ضمن المشروع القومى لتصنيع البلازما، ثم تجميعها من الأقاليم المصرية فى المركز اللوجستى بمدينة 6 أكتوبر، ثم تصديرها إلى أحد المصانع فى دولة إسبانيا لإعادة تصنيعها هناك، وإعادتها لمصر مرة ثانية بالمنتج النهائى «الأدوية»، عن طريق شركة «جريفولز إيجيبت» لمشتقات البلازما، وهى شركة مساهمة مصرية بين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وشركة «جريفولز إس أيه» الإسبانية.

 

 

 

وتستمر «صباح الخير» فى رحلتها مع كيس البلازما، حيث زارت ميدانيًا مراكز التجميع والتقت خبراء صناعة الدواء فى مصر، وخاصة ممن لهم صلة بمجال البلازما، للوقوف على تلك الصناعة من معلومات، وتقدير الاحتياجات، وأهميتها، واقتصاديات هذه الصناعة بشكل عام، ومردودها على مصر، والمنظومة الصحية بها.

تطور الأدوية

الدكتور عبدالناصر سنجاب، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للأمصال واللقاحات المصرية «فاكسيرا»، والعميد الأسبق لكلية الصيدلة جامعة عين شمس، رئيس مجلس إدارة مركز أبحاث اكتشاف الدواء وتطويره، أكد على ضرورة مواكبة تطور العالم وخاصة فى مجال الأدوية، وهو لا يعتبر استحداث أى مركب كيميائى أو صيدلانى جديد أمرًا له تأثير قوى وفعال بالقدر الكافى، خاصة مع تطور الفيروسات، والفطريات، وزراعة الأعضاء، وغيرها من الأمراض المزمنة.

إضافة إلى الارتفاع المبالغ فى أسعار المواد الخام لتلك المستحضرات، حتى إن العالم أصبح يتجه إلى العلاج البيولوجى، وتواكبه مصر الآن من خلال المشروع القومى لتصنيع البلازما والتى تختص بتصنيع أدوية من مشتقات البلازما.

وأشار سنجاب إلى تطور الأبحاث العلمية فى العديد من المجالات، ومنها مشتقات الدم، والتى لا يمكن الاستغناء عنها أثناء العمليات الجراحية، أو علاج العديد من الأمراض المزمنة الخطيرة، وكذا فى الحالات المرضية النادرة، مما جعل الحاجة ملحة لضرورة تصنيع الأدوية من البلازما ومشتقات الدم.

وأكد سنجاب أهمية توافر تلك الأدوية فى السوق المحلية، وإنجاز هذا المشروع بشكل عاجل، والاستعانة بالخبراء المصريين وغيرهم من الدول المشهود لها بالتميز فى هذه الصناعة، لتوطين صناعة الدواء فى مصر بما يتواكب مع التطورات العالمية، على غرار ما يحدث فى أمريكا، وكوريا الجنوبية، على سبيل المثال، الأمر الذى يخفض من استيراد الأدوية التى لها نفس الفعالية فى علاج الأمراض، وتوفير العملة الصعبة، وبالتالى التغلب على نقص البلازما والأدوية البيولوجية المستخلصة أو المصنعة منها.

 

 

 

 

وأشاد سنجاب بجهود الدولة المصرية والقطاع الخاص وتعاونهما فى مدينة الدواء المصرية والتى ستضم مصنعا لتصنيع البلازما ومشتقات الدم، لتحقق الاكتفاء الذاتى، وعلاج مرضى الالتهاب الكبدى الفيروسى سى، وزراعة الكبد،  والكلى، والنخاع، فى ظل الاحتياج الشديد للمرضى للألبومين بعد زراعة الأعضاء، والتى يسبب نقصها آثارًا جانبية خطيرة قد تودى بحياة المريض.

وأوضح سنجاب أن الصناعة تحتاج إلى أموال ضخمة، لتوفير الأجهزة الطبية فائقة القدرة تتسم بالدقة، ومواصفات قياسية عالمية، وقدرات وخبرات خاصة لدى الكوادر الطبية القائمة بالتصنيع.

وتتحدد القدرة التشغيلية للمشروع القومى للبلازما بعد إجراء عدد من دراسات الجدوى، وتوفير الإحصائيات الدقيقة لأعداد المرضى الذين يحتاجون للأدوية المصنعة، إضافة إلى خريطة الأمراض فى مصر، بحيث يتم توفير احتياجات السوق المحلية، ثم التصدير والمنافسة فى السوق العالمية.

وتساعد تلك الدراسات فى قراءة الوضع المتغير، ورسم الخطط الاستراتيجية، حتى لا يحدث عجز أو فائض تصدير، وخاصة أنه قد ترتفع تكلفة التصنيع عن الاستيراد.

وحسب الدكتور عبدالناصر سنجاب، تتضمن الخطة الاستراتيجية نسب الأمراض وخاصة الوراثية، وعدد المصابين، وتتولى وزارة الصحة رصد ذلك، حيث يتم إعداد ملف طبى لكل مريض يسجل به تطور الحالة، وأنواع الأدوية التى يتناولها، والآثار الجانبية بعد عدة سنوات، فمثلا مرضى زراعة النخاع الشوكى، الذين من المهم معرفة نسبهم وتوقعات زيادة أو نقص عددهم، والعوامل البيئية المحيطة بهم، وكذا الوراثية.

 

 

 

 

 

وأضاف سنجاب أن تلك الدراسات والأبحاث تحتاج منظومة كبرى، وتنسيقًا دائمًا بين الجهات المعنية، موضحًا أن صناعة مشتقات الدم، تأتى على عكس تصنيع الدواء الكيميائى والذى له سوق خصبة ورائجة وخاصة داخل مصر.

ولضمان كفاءة وحيوية الدواء هناك شروط يجب توافرها فى المتبرع منها السن، وعدم إصابته بأى أمراض مزمنة، لكى يتم استخلاص كيس من البلازما بجودة وسلامة عالية.

تحليل وجودة

من جانبها أكدت الدكتورة هالة عدلى حسين، رئيس مجلس إدارة شركة خدمات الدم بالشركة القابضة للأمصال واللقاحات سابقا، على بدء تجميع البلازما فى مصر، وإتمام عملية التصنيع الفعلى لأول منتج دوائى مصرى، ويخضع الآن لعمليات التحليل بهيئة الرقابة الدوائية، مشيرة إلى أن أهمية هذا المشروع القومى تأتى من الاحتياج المتواصل لمنتجاته، وانعكاس ذلك على منظومة الرعاية الصحية المصرية، ولذلك فهو له بعد قومى لا يمكن إغفاله، ويمكن للمتبرع التبرع بالبلازما كل أسبوع أو اثنين.

ويتم التبرع بتوصيل جهاز فصل البلازما بذراعه، ليستخلص البلازما من الدم تاركًا باقى مكوناته داخل الجسم، ليتم حفظها فى مبردات وثلاجات لها مواصفات قياسية تحت درجة حرارة 22 تحت الصفر.

تقول: يتم تصنيع الأدوية البيولوجية المنقذة للحياة والمشتقة من البلازما، بعد تجميع كميات كافية منها داخل مراكز التجميع، ومنها الألبومين لعلاج أمراض الكبد والكلى والحروق، وحقن الـ«IVIG» لعلاج المناعة، وفاكتور 8 لعلاج الهيموفيليا. 

وأشارت الدكتورة هالة عدلى، إلى أن مصر لديها الإمكانيات الكبرى لتصبح الأولى عربيًا وشرق أوسطيًا فى هذه الصناعة، مما يؤهلها للاكتفاء الذاتى ثم التصدير، حيث تستطيع توفير المادة الخام للصناعة، بدلاً من استيرادها فى ظل ارتفاع الأسعار عالميًا، وهو أمر عجزت أمامه العديد من الدول الغنية فى المنطقة، رغم قدراتها على توفير التمويل الضخم، لأن ركيزتها الأساسية على توفير المادة الخام ستكون الاستيراد.

وتسيطر أمريكا وألمانيا على مجال إنتاج وتوريد البلازما عالميا، حيث يتواجد بهما الشركات الكبرى التى تمتلك غالبية مراكز جمع البلازما، وتؤمن من خلالها احتياجاتها من المادة الخام، وبيع الفائض عن الحاجة.

حلم يتحقق

تنفيذًا لاستراتيجية مصر 2030 فى دعم النظام الصحى، وضعت القيادة السياسية المشروع القومى لتصنيع البلازما، حيز التنفيذ لتحقيق الاكتفاء الذاتى للأدوية المشتقة منها، وللتوسع عالميًا وإفريقيًا.

وعليه تسعى الجهات المعنية على الجمع بين الخبرة التكنولوجية وتوفير الموارد الخاصة، ومتطلبات تصنيع البلازما المجمعة، من خلال إقامة مصنع تجزئة، وتصنيع المشتقات، إضافة إلى إنشاء معامل الاختبار والمخازن اللازمة لهذه الصناعة، من خلال تطبيق أعلى معايير السلامة والجودة العالمية، لتحقيق الريادة فى صناعة وإنتاج وتوزيع الأدوية المشتقة من البلازما.

ويتم الحصول على البلازما من خلال تقنية طورتها شركة «جريفولز»، والتى من خلالها يتم فصل البلازما عن مكونات الدم الأخرى، حيث يعتبر الجسم البشرى المصدر الوحيد للبلازما، ومشتقاتها هى العلاج الوحيد المتاح للمرضى، الذين يعانون من نقص البروتينات الكلية أو النوعية، حيث تعزز المناعة وتمنع النزف، ويعتمد المرضى على استدامة تبرع الأشخاص الأصحاء.

وتستغرق عملية استخراج وتصنيع الأدوية المجمعة من البلازما فترة، طبقًا لمعايير الجودة والسلامة والأمان الخاصة بهذا القطاع من التصنيع الدوائى، والتى يجب التأكد من تحقيقها فى جميع المراحل، بداية من التجميع وحتى الوصول إلى تصنيع المنتجات النهائية «الأدوية».

من جانبه أكد الدكتور محمد عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية لشئون الصحة والوقاية، أن الدولة المصرية تعمل على توطين بعض الصناعات الجديدة فى مجال الدواء، لدعم المنظومة الصحية، وتحقيق الاكتفاء الذاتى، وعلى رأسها تصنيع مشتقات البلازما، وجلب تكنولوجيا تلك الصناعة إلى مصر، إضافة إلى رفع كفاءة الخبرات الوطنية العاملة فى هذا المجال.

ونظرًا لأهمية هذا المشروع القومى فى إنقاذ حياة كثير من المرضى، فإنه أمل استراتيجى وحيوى، وحلم يتحقق بإرادة سياسية على مستوى رأس الدولة، وتنسق ركائزه على مدار السنوات الماضية، ويضمن للدولة توفير العملة الصعبة.

أكاديمية التدريب 

تحدث الدكتور محمد جابر، مدير أكاديمية جريفولز إيجيبت للتدريب، عن أول أكاديمية من نوعها فى إفريقيا والشرق الأوسط، لتدريب جميع العاملين فى مجال تجميع، وحفظ، وتصنيع مشتقات البلازما، وقال: إن لكل وظيفة تمر بها عملية التصنيع حتى يصل كيس البلازما لمرحلة التجهيز النهائية، برامج تدريبية، ومدة زمنية طبقا للمهام المحددة، لإعداد كوادر بشرية متخصصة، وقادرة على أداء مهامها بأعلى جودة ودقة، فى ممارسات التصنيع.

وأكد على استمرار التطوير المهنى للعاملين، من خلال البرامج التى تم تصميمها طبقًا للمعايير العالمية لهيئة الدواء والغذاء الأمريكية، وتعليم الكبار، ونظم التدريب المبنية على الكفاءات، طبقًا لسياسات الجودة فى جميع الخطوات، بداية من عمليات التجميع وحتى التصنيع النهائى لمشتقات البلازما. 

وأشار إلى تنفيذ التدريب بأساليب متعددة، والاستعانة ببعض الخبراء الأجانب لنقل الخبرات وضمان تميز جميع العاملين، بالإضافة إلى إجراء تقييمات سنوية لهم، للتأكد من استيعاب البرنامج والمهارات اللازمة لأداء المهمة المخصصة لكل وظيفة، وكذلك تطوير المهارات الشخصية مثل القيادة والتواصل وخدمة العملاء، مع ضرورة اجتياز التقييم للسماح لهم بممارسة العمل.