الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
باى باى 2023 .. وأهلا 2024

باى باى 2023 .. وأهلا 2024

هل يمكن أن نطوى الصفحة أو الصفحات التى عشناها ونبدأ صفحة جديدة كلها أمل وبهجة واحتضان للحياة. هكذا تصور أو توهم الإنسان على مدى العصور. وربما كان هذا التصور أو الوهم.. وكانت هذه الرغبة أو الإرادة فى الخروج من الواقع المؤلم هى التى شكلت من جديد حياتنا وأضافت المزيد إلى فهمنا لذاتنا وقدرتنا على مقاومة اليأس والاستسلام وهكذا عاشت أجيال واستمرت الحياة. 



 

فى العام الذى انقضى عشنا وعايشنا وعانينا من المآسى الإنسانية وأيضًا شهدنا الغضب الإنسانى العالمى وخاصة من الأجيال الجديدة تجاه ما هو ظلم وبطش وإبادة وقتل عشوائى لأطفال ونساء كان حلمهم أن يعيشوا فى بيوتهم آمنين. تبدد هذا الحلم فى غزة ومع الفلسطينيين بشكل صارخ وصادم ودموى.

وهنا يتساءل المهموم بحلم الإنسان فى أن يعيش فى بيت آمن: كم من ملايين البشر على امتداد الأرض تم تهجيرهم من مكانهم الآمن بيت الآباء والأجداد إلى أماكن لا يعرفونها وخيام وأماكن إيواء لا تحميهم ولا تحتضن أحلامهم؟! وقد وصل عدد من تم إجبارهم على ترك بيوتهم على امتداد العالم والنزوح إلى أماكن قد تبدو آمنة إلى 110 ملايين من البشر.. وهذا هو الرقم قبل أن تبدأ مأساة غزة الكارثية وقبل تكرار الحديث عن التهجير القسرى أو الطوعى مع الاجتياح الإسرائيلى. وتكرار وصف القصف العشوائى والعقاب الجماعى والإبادة العرقية! وبالطبع تعجز الكلمات عن وصف ما نشاهده وما نشعر به وما نتألم منه على مدى الشهرين الماضيين.

وينتقل سؤالنا إلى العام القادم (2024): متى وكيف ستنتهى تلك الحرب؟ وكيف ستتشكل الأيام المقبلة للشعب الفلسطينى فى غزة وفى الضفة الغربية ؟

خلال عام 2023.. ومن خلال متابعتى لما يحدث فى أمريكا وفى العالم من عاصمة القرار الأمريكى (واشنطن) يمكننى القول أن عمالقة تكنولوجيا المعلومات هيمنوا على حياتنا وحياة الأجيال الجديدة على وجه الخصوص. أولياء الأمور (أو من كانوا كذلك) والمؤسسات التعليمية تبدو عاجزة عن مواجهة تداعيات السوشيال ميديا حتى فى أمريكا. ولذا ليس بالأمر الغريب أن يكون حديثنا الدائر والمستمر عن أيلون ماسك ومارك زاكربرج والذكاء الاصطناعى أكثر من حديثنا عن الأمم المتحدة أو الناتو أو عن شخصيات أو منظمات دولية خصوصا أن أغلبهم فقد البوصلة وهم فى حالة ارتباك وتخبط وحيرة وانقسام حاد حول إنقاذ ما يمكن إنقاذه!.

ووسط هذا الصخب الجنونى العالمى لا شك هناك بعض الأصوات تتساءل: أين العقلاء فى عصرنا وفى زمننا هذا؟ وأين أصحاب الحكمة الذين يعكسون خبرة شعوب الأرض وحضاراتهم التى شكلت تاريخ البشرية على مر العصور. وقامت بإثراء فهمنا وتقديرنا واعتزازنا بمعنى الحياة وقيمتها!

أمريكا تبدأ العام الجديد عام الانتخابات الرئاسية ورئيسها الديمقراطى بايدن (81 سنة) تتناقص شعبيته وهو يريد البقاء فى البيت الأبيض لفترة رئاسية أخرى (لمدة أربع سنوات) فى المقابل فإن ترامب الرئيس السابق (77 سنة) مصمم على عودته من جديد والانتقام ممن وقف ضده فى بقائه فى الحكم. أجواء سياسية بائسة بكل المقاييس تتفاعل فيها انقسامات أيديولوجية حادة ومتهورة لا يعرف مداها أحد، لذا يلح السؤال: هل هناك مخرج من هذا المأزق السياسى الأمريكى.. والصراع القائم بين مرشحين فى خريف عمرهما؟ خاصة أن الشباب فقدوا حماسهم لإعادة انتخاب الديمقراطى بايدن وإن كانوا لا يريدون عودة الجمهورى ترامب بتهوراته وشطحاته تجاه الهجرة وغير البيض ومؤسسات الدولة وآليات إدارة البلاد. 

 

 

 

 

عام جديد 2024 تبدأه أمريكا ونحو 57 فى المائة من أهلها (حسب استطلاعات للرأى) يقرون ويعترفون بأنهم بالفعل أدمنوا هواتفهم الذكية. يا ساتر يا رب! وفى تفسير هذا الإدمان قالوا إن 60 فى المائة منهم ومنهن أيضًا ينامون ومعهم الهاتف الذكى وإن 47 فى المائة منهم يصيبهم الهلع عندما تنخفض نسبة الشحن فى هواتفهم إلى أقل من 20  فى المائة. هل مِن منقذ.. الحقونا!

ومع هذا الاعتراف الصريح ذكر 67 فى المائة منهم أنهم غير سعداء بهذا الإدمان ويتوقون (حسب قولهم) العودة إلى الزمن الذى كان قبل أن يكون البشر أسرَى لهذا التطور التكنولوچى والذى هيمن على حياتهم الشخصية اليومية. ومن الطبيعى أن نسمع آخرين فى بلاد أخرى يقولون: الحال من بعضه.. وكلنا فى الهوا سوا وحيرانين!

وخلال العام الذى مضى (2023) دخل فى دائرة اهتمام الأمريكى الخوف والقلق تجاه ما يتردد على مسامعه نهارًا وليلاً بخصوص الذكاء الاصطناعى. ومن ثم أظهرت استطلاعات الرأى أن 38 فى المائة من العاملين فى جميع المجالات (إلا مع بعض الاستثناءات) بأن وظائفهم التى يشغلونها حاليًا قد تتحول إلى مهام تقوم بها آليات الذكاء الاصطناعى. وبالتالى قد يتم الاستغناء عن العنصر البشرى. ولا يتردد 61 فى المائة منهم فى القول بأن الذكاء الاصطناعى يمثل خطرًا للإنسانية. 

فى العام الماضى نفسه فإن أدوية التخسيس أوزمبيك وأخواته تحديدًا صارت هوجة وموضة ومصدر بهجة للكثيرات من الأمريكيات على وجه الخصوص. ولم يعد بالأمر الغريب أن نجد شركات كبرى متخصّصة فى أنظمة الطعام (دايت) أو مراكز التدريب الرياضى (چيم) قد تراجعت فى نشاطها أو أغلقت بيزنسها لأن الإقبال قد تضاءل نحوها بشكل كبير مع هبوب رياح أوزمبيك والرياح المماثلة. أوزمبيك الدواء المصمم أساسًا لمرضى السكر صار دواءً لخفض الوزن ومبيعاته جلبت للشركة المنتجة نوفو نورديسك 11 مليار دولار فى عام 2023. كما أن دواءً مماثلاً اسمه ويجوفى من الشركة نفسها حقق مبيعات تقدر ب 4 مليارات دولار. هذا الإنجاز الدوائى أصبح ظاهرة لا يمكن تجاهلها؛ خصوصًا أن له تبعات اقتصادية وتجارية عديدة ليس فقط ببيزنس الچيم والدايت ولكن بيزنس الأكل مع تناقص شهية الإقبال على الأكلات والمزيد منها.

أمْرٌ آخرُ يلفت النظر؛ خصوصًا لمَن يتابع حركة الموظفين وعودتهم إلى مكاتبهم كما كان هو الطبيعى والمعتاد قبل كوفيد وسنينه. هذا  الأمر لم يحسم تمامًا. وهذا على الرغم من أن بعض أصحاب العمل ألزموا مَن يعملون معهم بالعودة إلى مقر أعمالهم ومكاتبهم أو البحث عن عمل آخر. وإذا كانت نسبة العمل عن البُعد أو من منازلهم قد زادت على 60 فى المائة فى ربيع عام 2020 مع انتشار الوباء؛ فإن هذه النسبة قد انخفضت إلى 25 فى المائة فى عام 2023 إلا أنها ما زالت نسبة مرتفعة مقارنة بما كانت فى 2019. كما أن مع العودة الكلية أو العودة الجزئية صارت قضية تصميم أماكن العمل أمرًا مطروحًا بشدة. ولهذا رأينا شركات متخصّصة تضع تصورات وتصميمات لأماكن العمل تعد أساسية وضرورية فى عالم العمل فيما بعد زمن الوباء.

صحيفة «نيويورك تايمز» وهى ترصد الشلل السياسى فى الكونجرس الجهاز التشريعى فى أمريكا ذكرت أن 26 مشروع قرار فقط تم إقرارها كقانون أو تشريع خلال عام 2023. وبذلك يكون الكونجرس الحالى فى أسوأ حالاته فيما يخص إقرار التشريعات منذ أكثر من 90 عامًا. الكونجرس السابق الـ 117 وخلال مدته أى عامين أقر 365 مشروع قانون. فى حين كان الكونجرس الـ116 قد أقر 344 تشريعا. وأما الكونجرس الـ115.. 443 مشروع قانون. وحسب العديد من استطلاعات الرأى فإن شعبية الكونجرس لدى الشعب الأمريكى لا تزيد على 15 فى المائة فى أحسن الأحوال.  وإذا عُرف السبب بطُل العجب!!

وطالما نقوم بعملية جرد وتقييم لما تم وتحقق أو لما لم يتم ولم يتحقق مع مرور عام 2023 فإن عددَ مَن لا مأوى لهم فى ولاية كاليفورنيا قد وصل إلى نحو 180 ألفًا. وهذا الرقم يمثل 27 فى المائة من عدد من لا مأوى لهم فى الولايات المتحدة. ويقدر عددهم بأكثر من 580 ألفًا. وتقع ولاية كاليفورنيا على رأس القائمة تليها نيويورك ثم فلوريدا ثم تكساس. واشنطن العاصمة حسب بعض التقديرات لديها نحو 5 آلاف ممن لا مأوى لهم. ومئات منهم يعيشون فى شوارعها وحدائقها فى خيام تؤويهم!

خلال العام المنصرم تأكدنا أن «لسه الأفلام ممكنة». وأفلام مثل «أوبنهايمر» و«باربى» أبهرتنا وحققت نجاحًا ملحوظا وإيرادات عالية. المخرج الكبير مارتن سكورسيزى حقق فى الثمانين من عمره فيلمًا عظيمًا ومبهرًا وشيقًا اسمه  Killers of the Flower Moon وهو فيلم جرئ فى تناوله وعميق فى نظرته للسكان الأصليين لأمريكا.

ولم يكن بالشىء الغريب أن تختار مجلة تايم الأمريكية تايلور سويفت (33 سنة) شخصية عام 2023.مغنية البوب الأشهر حاليًا هيمنت بأغانيها وحفلاتها وجولاتها الممتدة عبر الولايات الأمريكية ودول فى القارات الخمسة على أجواء عالم مستمعى أغانى البوب. وحركت اقتصاديات عديدة ازدهرت بسبب تايلور سويفت وأثمرت المليارات من الدولارات. حصيلة حفلاتها الغنائية العالمية تقدر بنحو ٤ مليار دولار.

وكما أكرر القول هذه الأيام: إن شاء الله العام المقبل يكون بالفعل عامًا جديدًا. وأن يكون أقل ألمًا وأقل حزنًا .. لنا جميعًا.