عادل البطراوى
لم أكن يومًا أديبًا ولا كاتبًا.. ولا حتى حكواتيًا.. عرفنى القراء رسامًا صحفيًا ومخرجًا فنيًا.. فعمرى كله أمضيته أرسم الكاريكاتير بين جنبات صاحبة الجلالة.. لكن مع رحلاتى المتعددة.. وهجرتى إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. وجدتنى أكتب وأدون كل ما رأت عينى وأتذكر.. الأحداث التى تملأ رأسى المزدحم بالأفكار.. فإليكم بعضًا مما كتبت من الذكريات والأحداث.. لعل ما دونت فى يومياتى يكون زاد المسافر ودليله فى السفر.
هو أحد أبناء الجيل الثانى من مدرسة صباح الخير الكاريكاتورية. عمل إلى جوار أبناء جيله أمثال رؤوف عياد ومحمد حاكم ومحسن جابر وجمعة فرحات. وشارك برسومه بـ مجلتى روزاليوسف وصباح الخير منذ عام 1963.
فخطوطه السلسة البسيطة والمنمقة أهّلته ليكون ألمع أبناء هذا الجيل. ولا شك فى أن موهبته تعد من المواهب الفذة. فمن اكتشفه وقدمه للصحافة المصرية كان الفنان حسن فؤاد، الذى قال عنه: منذ تقابلنا فى عام 1963 وهو يوافى صباح الخير وروزاليوسف وحواء ومجلات دار الهلال برسومه الساخرة التى تعبر عن وجدان الشباب الذى عاصر بناء السد العالى، وعانى نكسة 67، وارتفعت هامته عاليًا عندما دفع جنود مصر ضريبة الدم من أجل تحرير الأرض فى أكتوبر 1973.
إنه الفنان عادل البطراوى الذى ولد فى الثلاثين من شهر أكتوبر عام 1942. والذى تشبه ملامحه إلى حد كبير الأديب يوسف إدريس، والذى تخرج فى كلية التجارة بـ جامعة عين شمس.
علاقتى به كانت سعيًا منى - مثل كل الفنانين الشباب - للتقرب من الأستاذ. والتعلم من فنه والاستفادة من خبراته. فقد نشأت محبتى له ولفنه منذ الصغر، وذلك من خلال كتب الأطفال التى رسمها وأخرجها والتى تزيد على الألف كتاب.
أسلوبه الفنى المنمق يبهرنى وألوانه تشع بهجة، إخراجه متميز لأعماله، رسومه وتصميماته وخطوطه عبارة عن حالة إبداعية مكتملة الأركان. وكان يعتمد فى عمله الفنى على القص واللصق على طريقة الكولاج، مما يضيف لأعماله مزيدًا من الحرفية والجمال.
ومنذ بداية علاقتنا كان يعاملنى كصديق وزميل، وذلك بالرغم من فرق السن بيننا. ودائمًا ما كان يدعونى إلى منزله - بمنطقة الحجاز بمصر الجديدة بالقرب من منزل عمنا رخا - حيث الاجتماع الأسبوعى الدائم يوم الخميس للأصدقاء والزملاء من المبدعين. وكان من بينهم المخرج الفنى الراحل محمد العتر والذى أثر فقدانه عليه بالسلب.
عمل البطراوى بعدة إصدارات. منها مجلة حواء، الكواكب، سمير، ميكى، المصور، نصف الدنيا، علاء الدين، قطر الندى، حسن، ماجد، والعربى الصغير. وقد تشرفت بالعمل إلى جانبه بعدة إصدارات مثل مجلة صباح الخير، والأهرام، وأخيراً مجلة قطر الندى الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة.
أنجز البطراوى العديد من رسوم الأطفال عبر مسيرته. وصارت أعماله وأسلوبه المتميز مدرسة مستقلة فى عالم أدب الطفل ورسومه. كما قام بإخراج ورسم المجلد الأول من موسوعة حضارة مصر القديمة المصورة للأطفال. فأصبح عضواً بالمجلس العالمى لكتب الأطفال. كما أن اسمه اقترن بـ الكاتب الكبير يعقوب الشارونى. وقدما سويًا العديد من عناوين كتب الأطفال على مدار خمسة وعشرين عامًا.
عقب حرب أكتوبر 1973 نظم البطراوى معرضًا متميزًا تحت اسم «يا حبيبتى يا مصر» عرض فيه الرسوم الكاريكاتورية التى سبقت الحسم والنصر. أقيم المعرض فى نوفمبر عام 1973 بنقابة الصحفيين. إلا أنه سافر بعد فترة إلى السعودية. واستمر بها حتى عام 1978. حيث عمل فى جريدة البلاد، واختاره وزير الإعلام هناك لكى يعمل مسئولًا فنياً ويشارك فى تأسيس وإصدار مجلة الأطفال «حسن» الصادرة عن مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر بمدينة جدة. وصدر أول عدد من المجلة فى العشرين من أبريل عام 1974. وسرعان ما أصبح نائبًا لرئيس التحرير ومديرًا فنيًا للمجلة. وعمل إلى جواره ما يقرب من 32 كاتبًا مثل محمد قطب وأحمد زيادة وجمال الموجى، و28 رسامًا مثل مجدى نجيب ومحمد حاكم. ثم سعى لنقل مقر المجلة وإصدارها من القاهرة. وهو ما تم بالفعل حيث كان توزيع المجلة لافتاً للنظر فى الوطن العربى. من اللطيف أن البطراوى كان يستخدم اسمًا مستعارًا لأعماله بالمجلة وهو على بابا.
إلا أن التكريم الذى حصل عليه بـ مهرجان القاهرة الدولى لسينما الأطفال عام 1998 كان له وقع آخر عليه. فحينها أحس بقيمة ما قدمه من أعمال موجهة للأطفال على مدار عمره الفنى.
كان البطراوى يحلم بإصدار جريدة للطفل توزع يومياً مع الجرائد الصباحية تحمل مانشيتات وموضوعات بصياغة مبسطة ورسومًا وصورًا أكثر، يرى فيها الطفل نفسه وتفتح له نافذة يعبر من خلالها عن ما يدور فى داخله ويراسلها دائمًا.
شارك الفنان عادل البطراوى فى تأسيس الجمعية المصرية للكاريكاتير. وقام بتصميم شعار الجمعية المعمول به حتى اليوم. كما شغل منصب الأمين العام للجمعية منذ بدايتها. وحتى نشوب خلاف بينه وبين الفنان مصطفى حسين حين تولى منصب رئيس مجلس إدارة الجمعية.فترك الجمعية لسنوات. لكنه عاد من جديد إلى عضوية مجلس إدارة الجمعية فى عام 2015. وذلك إلى جوار الفنانين جمعة، وسمير عبدالغنى، وفوزى مرسى، وعماد عبدالمقصود، والعبدالفقير إلى الله.
شارك الفنان عادل البطراوى فى المعرض الكبير الذى تم تنظيمه على هامش مؤتمر الدولى للسكان والتنمية الذى نظمته الأمم المتحدة بالقاهرة عام 1994. كما قام بتصميم الكتالوج الخاص بالمعرض. شارك فى هذا المعرض إلى جوار البطراوى باقة مختارة من رسامى الكاريكاتير المصريين. منهم على سبيل المثال لا الحصر: حسن حاكم، ومصطفى حسين، وفواز، وعفت، وعبدالعزيز تاج وآخرون.
عانى البطراوى فى أواخر أيامه من فقدان أقرب المقربين إليه من أصدقائه، واحدًا تلو الآخر، بالإضافة لمعاناته مثل الكثير من أبناء جيله من الفنانين المتميزين من التجاهل والوحدة، وقلة العمل، وبالتالى قلة الدخل. وهذا ما لمسته بنفسى وكنت أحاول جاهدًا إخراجه من هذه الوحدة كدعوته للمشاركة فى معرض قناة السويس، حيث شارك بلوحة واحدة، لكنها شديدة التميز ودقيقة التفاصيل، رشاقة تفكيره الذى لم يصب بالشيخوخة مثل الكثير من رسامى الكاريكاتير فى نفس المرحلة العمرية.
ولعل أكثر ما أثر فى وجعلنى أشعر بالألم، كان حينما ارتدت مترو الأنفاق فى أحد الأيام، وقفز إلى عربة المترو بائع جائل يحمل بيده حفنة من كتب الأطفال. وأخذ يصيح بصوته الجهوري: ثقف أولادك.. علمهم القراءة.. أحلى قصص الأطفال. وحين اقترب منى البائع، وجدتنى أخطف من يده الكتاب بدون أى دافع سوى أنى أردت أن أتأكد مما لمحت عينى. فالكتب التى يحملها كانت تحمل رسوم وتصميمات الفنان عادل البطراوى. وكلها مسروقة ولا تحمل حتى اسم البطراوى على أغلفة هذه الكتب.
ولأنه يملك أرشيفًا للرسوم لكل من عرفهم من رسامين كاريكاتير فى حياته فقد كان يشغل وقته فى الفترة الأخيرة فى جمع الصور والرسوم الخاصة، وأخذ يجمعها فى دأب وصبر ويقدمها فى صورة ملفات ومجلدات رائعة فى الإخراج والجمع، حتى امتلأت طاولة السفرة بمنزله بالعديد من هذه الملفات التى كان يفاجئ أصدقاءه بمجلد لأعمالهم.
وفى أحد الأيام تناقشنا فى اجتماع مجلس إدارة الجمعية المصرية للكاريكاتير حول الأسماء المقترحة للتكريم فى الملتقى الدولى للكاريكاتير فى دورته الثالثة، وعلى الفور طرحت اسم الفنان عادل البطراوى وأنه يستحق أن يكرم وهو على قيد الحياة. ووافق كل الزملاء بالجمعية إلا أن القدر حال دون ذلك. حيث رحل الفنان عادل البطراوى فى هدوء فى مثل هذا اليوم. فى التاسع عشر من شهر أغسطس عام 2015.