الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قصة قصيرة

الغثيان

ريشة: سماح الشامى
ريشة: سماح الشامى

انتهى العمل وأغلقتُ باب الدكان، ذهبتُ إلى الفرن اشتريت أربعة أرغفة، بعد ذلك أخذت الأتوبيس رقم سبعة وسبعين، أخرجتُ الأجرة، ثم وصل الأتوبيس إلى أول الشارع الذى يوجد فيه بيتى، نزلت منه ودخلتُ مطعمًا يذكرنى بأيام الطفولة، اشتريت أربع بيضات وبعض الفول ورجعتُ إلى البيت.



حل الليل وأَظلمت الحياة. هذا هو الجزء الأخير من اليوم الطويل المُمل، تناولتُ عشائى رغيفى خبز وبيضتين ونصف الفول ثم قمت أغسل يدى ووجهى وفمى بالترتيب، هذا ما علمته لى أمى منذ كنت طفلًا، كل الأطفالٍ تحاكى آباءها، إلا أنا، يبدو أن أمى كانت تعرف جيدًا أنها سوف ترحل سريعًا، لذلك أرضعتنى سلوكياتها مع حليبها.

 أعددتُ القهوة، شربتها ساخنة، بينما أتابع نشرة الأخبار اليومية الروتينية داعبت دُميتى القديمة ثم خرجتُ إلى شرفتى وتابعت البشر وهم فى حركات مستمرة عشوائية وهم يسيرون فى خطوط مستقيمة ومتعرجة لمدة نصف ساعة، عدتُ إلى الداخل، ذهبت إلى فراشى وقرأت أجزاء من كتابِى العتيق ذى الأوراق البالية من كثرة تقليب الورق وقراءته، ثم خطفنى النوم سريعًا.

استيقظت صباحًا كالعادة تناولت إفطارى، البيضتين الأخيرتين والنصف الباقى من طبق الفول، احتسيت كوبًا من الشاى الممزوج بالحليب والسكر كان كثيرًا فى قاع الكوبٍ لماذا؟ لأننى لَم أقلب السكر ربما لأن ليس معى ملعقة أو لكسل منى.

سمعت الأخبار، ولكن هذه المرة لَم تكن من التلفاز، ولكن من صوت المذياع والبرامج كما هى بالترتيب من نشرة أخبار السادسة صباحًا حتى أغنية (فايزة أحمد بالسلامة يا حبيبى بالسلامة)، وعندها أتذكر عندما كنت طفلًا وقد أعد والدى كل شىءِ يخص المدرسة، الفطور والحقيبة. هو الآخر رحل مبكرًا حينها لم أبلغ التاسعة من عمرى، عندما قال لى: هذه هى المرة الأخيرة التى نتحدث فيها معًا، كن شجاعًا وقويًا، ثم مات أبى وصرت وحيدًا إلى هذا اليوم.

 أخرج من البيت وأذهب إلى الدكانِ وأفتحه، الباب يصدر نفس الصرير والكركبة العالية فمنذ زمن لَم يتم تشحيم الباب أو تزييته. 

ولكن لماذا؟ لا أعرف..

وأستمر فى الدكان حتى الثانية ظهرًا أحضر طاجنًا جاهزًا ورغيفين من خبز الفينو ذى الرائحة الأخّاذة.

تنقضى الساعات الطويلة الروتينية الكئيبة، ينتهى العمل بعد صبر مُمل فهذا الدكان لا يدخل فيه أحد ولا يخرج، أغلق باب الدكان، هكذا تمر الأيام دواليك، لكن ذات مرة عندما جئت إليه صباحًا لَم أجد الدكان، ولكن وجدتُ بابه وعليه اليافطة مكتوبًا عليها اسم جدى، شعرت بالضيق ورغم ذلك نظرت خلف الباب لم أجد شيئًا حاولتُ الاستفسار عن السبب، من جيرانى فى الحى الذى فيه الدكان لَم يجيبنى أحد أبدًا.

وقفت أتابع الموقف لعلى أجد الدكان هيهات أن أجد أى دليل، واقتربت من هؤلاء البشر الذين هم فى الحوانيت المجاورة كانوا أصنامًا بشفاه دائرية وعيون شاخصة وأنوف بارزة لا تتكلم أبدًا وانتظرت إلى أن تنقضى ساعات العمل حتى عدتُ إلى منزلى مكررًا نفس السيناريو كل يوم الذى لم يتغير أبدًا.

وأخيرًا قررت أن أغير روتين الحياة التى عشتها أكثر من ألفى سنة وذهبتُ مُبكرًا للحى لأغير نشاط الدكان وعندما وصلت صدمت.. شعورى بالندم لم يكن كافيًا فما صنعته طوال فترات حياتى لا يجدى شيئًا، ماذا فعلت؟

ولكن لماذا صدمت فكان هذا هو الأمر المتوقع؟