الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

يوميات رسام كاريكاتير فى المهجر :3 - النبيل السلمى!

لم أكن يومًا أديبًا ولا كاتبًا.. ولا حتى حكواتيًا.. عرفنى القراء رسامًا صحفيًا ومخرجًا فنيًا.. فعمرى كله أمضيته أرسم الكاريكاتير بين جنبات صاحبة الجلالة.. لكن مع رحلاتى المتعددة.. وهجرتى إلى الولايات المتحدة الأمريكية.. وجدتنى أكتب وأدون كل ما رأت عينى وأتذكر.. الأحداث التى تملأ رأسى المزدحم بالأفكار.. فإليكم بعضًا مما كتبت من الذكريات والأحداث.. لعل ما دونت فى يومياتى يكون زاد المسافر ودليله فى السفر. 



لم تكن الأوضاع بمصر فى أحسن حال.. ولم تكن الأحوال مستقرة لا سياسياً ولا اقتصادياً فى هذه المرحلة. وكانت آثار نكسة 67 مريرة على كل من عاصروها. وكان سفره للخارج أمراً حتمياً. لكنه لم يشد الرحال ماضياً نحو الغرب بحكم الملل أو الهروب من هذه الأوضاع. لأنه سافر إلى الخارج بنازع وطنى بحت.. وكان زاده الطموح والسعى نحو الحرية والتمرد على الواقع.. وربما باحثاً عن مغامرة مثيرة ومشوقة.. ويمكن أن تكون سعياً للاستقرار المادى.. ليتمكن من توفير بعض المال ليشترى لنفسه مكانا يأويه بين زحام القاهرة.

والفكرة تُعد منطقية وحقًا مشروعًا علماً بأن هذا الحلم لم يكن هدفه الأساسى فى الحياة. وفى تقديرى أن كل ما سبق كانت مجرد أسباب. لأنه ظل طيلة رحلته القصيرة فى هذه الدنيا مغترباً. متنقلاً بين الغرب والشرق بحثاً عن تحقيق هذه الأحلام البسيطة ومن قبلها إثبات النفس والذات. وقد نهج هذا النهج بهجورى عندما سافر إلى انجلترا قبل أن يستقر بـ فرنسا. وكذلك رجائى ونيس الذى سافر إلى اليابان قبل أن يستقر بـ أستراليا. والمغامرة هنا كانت هى الحالة التى يحلم بها ويسعى إليها كل أبناء هذا الجيل حول العالم. السفر والترحال والبحث عن الحرية والمساواة والحب والسلام. أنها ببساطة أفكار حركة التحرر من الرأسمالية والتمرد على كل القوالب الثابته (الهيبيين) - Hippies.

هو محمد نبيل السلمى الذى اشتهر بـ نبيل السلمى كاسم فنى. من مواليد أسوان فى 25 يناير 1941. وهو الأخ الأوسط لكل من المهندس محمد نجيب السلمى الخبير السابق بالأمم المتحدة والدكتور بهاء السلمى والمحاسب عاطف السلمى والمهندس صفوان السلمى والمهندسة عواطف السلمى والسيدة نبيلة السلمى. وهو ابن خال الدكتور محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق. ويرجع مسقط رأسه إلى قرية سليم بمركز طما التى تقع أقصى شمال محافظة سوهاج. عمل والده بمجال التعليم. ولهذا السبب تنقلت أسرته بين محافظات أسوان وسوهاج والقاهرة. ولهذا السبب أيضاً تلقى السلمى تعليمه فى مدارس مختلفة بمحافظتى سوهاج والقاهرة. وكأن القدر كان يؤهله منذ نعومة أظافره على التنقل والترحال. 

وعن بداياته مع فن الكاريكاتير. كان وقتها طالباً فى المرحلة الثانوية. حيث كان يجمع رسوم رائد المدرسة الحديثة فى الكاريكاتير المصرى الفنان عبد السميع عبدالله (1916-1986) من مجلة روزاليوسف ويحاول تقليدها. لكنه مع مرور الوقت تنبه إلى أن شيئاً ما ينقصه. وكانت الفكاهة وروح الدعابة هى كل ما تنقص أعماله. وكان يرى أن الفكاهة تُعين القارئ على مواجهة أعباء الحياة.

ولأنه اختار طريق الفن. فلقد توجه إلى الدراسة فى قسم الرسم والتصوير بـ «المعهد العالى للتربية الفنية» – كلية التربية الفنية حالياً. وكان من المفترض أن يعمل مدرساً للرسم عقب تخرجه عام 1962. إلا أنه قرر أن يعمل رساماً صحفياً وذلك قبيل تخرجه. حيث حدد وجهته والمجال الذى سيوجه فيه إبداعه بعيداً عن روتين التدريس. فتوجه إلى عدة صحف ومجلات وعرض أعماله هنا وهناك. إلى أن التقى بالفنان عبدالسميع الذى كان مغرماً بأسلوبه وكان شديد التعلق بأعماله منذ البداية. والذى كان يعمل وقتها بجريدة الشعب. وعرض عليه أعماله. ومن جانبه تحمس له عبدالسميع وأوكل له بعد الأفكار والموضوعات ليرسمها بالجريدة. 

ونشر السلمى أول أعماله بجريدة الشعب وهو فى سن التاسعة عشر. وفى هذه المرحلة كان شديد التأثر بأستاذه عبدالسميع. وعندما أغلقت جريدة الشعب أبوابها، انتقل عبدالسميع إلى جريدة الجمهورية. وكان انتقال السلمى معه أمراً بديهياً. حيث اصطحبه معه لنفس الجريدة وكان السلمى وقتها لا يزال بالسنة الأخيرة بالمعهد. وبالرغم من ذلك نجح السلمى فى حفر اسمه كرسام صحفى داخل أروقة جريدة الجمهورية. وتفاعل مع الأحداث ووثقها بريشته. 

 

 

وأثناء عمله بجريدة الجمهورية التقى السلمى بالفنان ماهر داود. وشكلا معاً ثنائياً كاريكاتورياً مبهراً تحت رعاية الفنان عبدالسميع. حيث كانت فكرة الثنائيات منتشرة وناجحة صحفياً فى هذه المرحلة. فهناك ثنائى آخر مبهر يرسم أسبوعياً الصفحة الأخيرة بأكملها فى جريدة المساء، وهما الفنانان حسن حاكم ومصطفى حسين. وكانت ترويسة هذا الباب تظهر تحت اسم كاريكاتير حاكم ودرش.

وعن السلمى وماهر قدم الثنائى صفحة أسبوعية مشتركة ركزا فيها على المنافسة فى مجال كرة القدم. وكانت الأعمال المقدمة تنشر بالألوان وتحمل إمضاء مشترك فيما بينهما. وحققت هذه الأعمال إقبالاً وروجاً بين قراء الجريدة. 

إلا أن السلمى قدم أيضاً أعمالاً كاريكاتورية مستقلة ركز فيها على الوضع الاجتماعى للمواطن المصرى. ومع مرور الوقت تطور أسلوبه وفكره وقدم الكاريكاتير السياسى اللافت للنظر. 

كان السلمى أحد الفنانين المرشحين إلى جوار الفنانين عبدالحليم البرجينى ومصطفى حسين واللباد وماهر داوود ومحمود فرج وآخرون للعمل فى مجلة الأطفال عنتر التى كان اقترحها الفنان عبدالسميع (رئيس قسم الرسامين) على صلاح سالم رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير جريدة الجمهورية فى الفترة بين عامى 1959 وحتى 1962. لكن لسبب أو لآخر لم تظهر المجلة للوجود بالرغم من تجهيز كل ما تتطلبه المجلة من فريق عمل وأفكار.

ومع مرور الوقت، تحدث نكسة 67 والتى كان لها وقع آخر عليه. ففى عام 1968، أقام السلمى معرضاً متجولاً بصحبة رفيق دربه الفنان ماهر داوود. وجمع المعرض 40 لوحة من أعمالهما تدين إسرائيل الصهيونية. وكانا يقومان بشرح الموقف المصرى ووجهة النظر العربية ودور أمريكا بالتحديد من العدوان. وكانت بيروت هى أول محطات المعرض المتجول. حيث كانت كوكب الشرق أم كلثوم تقدم حفلاً غنائياً بـ«بعلبك». 

ثم ينتقلون بالمعرض إلى تركيا ليعرضوا أعمالهم بأحد أندية  أسطنبول مستغلين مشاركة فريق السباحة المصرى بأحد البطولات هناك. ثم ينتقلون بالمعرض إلى بلغاريا فى محطة جديدة حيث مهرجان الشباب بالعاصمة البلغارية صوفيا. وبالرغم من أنهما لم يكونا ضمن الوفد الرسمى المشارك بالمهرجان. إلا أنها كانت فرصة رائعة للتواصل مع المشاركين بالمهرجان وجمهور الحضور وطرح رؤيتهما للأحداث خلال الأيام العشرة فترة معرضهما هناك. حيث حضر المهرجان ما يقرب من 20 ألف شاب وفتاة من أنحاء العالم. 

ومنها انتقل المعرض إلى العاصمة الفرنسية باريس. حيث عرضا أعمالهما بـ«المركز الثقافى» المصرى بسان ميشيل على ناصية الحى اللاتينى. ثم انتقلا إلى برلين - عاصمة ألمانيا الديمقراطية حيث قضيا ما يقرب من ستة أشهر هناك. والغريب أن كل هذه الجولات كانت على نفقتهما الخاصة. لكن النازع الوطنى كان أكبر من أى شىء. مستغلين إبداعهما كسلاح فى الدفاع عن الحق والموقف. 

وبعد كل هذا التنقل والترحال من بلد لآخر بدت أموالهما فى التبخر. لكن العناية الإلهية أنقذتهما حين دعمتهما وزارة الثقافة بألمانيا واستضافتهما بأحد الفنادق. وقدمت لهما قاعة عرض بأحد أندية المصانع المتخصصة فى تصنيع الكابلات والأدوات الكهربائية. وبالمصادفة زار المعرض بعض رسامين وكتاب مجلة أويلين شبيجل Eulenspiegelالفكاهية الأسبوعية الساخرة والتى تصدر إلى يومنا هذا. والذين أعجبوا بالمعرض وأثنوا عليه. ووقتها قام السلمى بإهدائهم بعض أعماله. 

 

 

من هنا كانت أولى خطواته نحو النشر بألمانيا الديمقراطية. حيث اتفقت معه أويلين شبيجل على نشر كتاب للكاريكاتير يكون موضوعه الرئيسى عن مصر القديمة. وأبدع السلمى فى معالجة موضوع الكتاب حين قدم مصر القديمة وعلاقتها بالمواطن المصرى المعاصر فى حالة معايشة بين الحاضر والماضى. وقد استمر إعداد هذا الكتاب عدة أشهر. وتم طباعة ١٢ ألف نسخة منه نفدت كلها بالأسواق.

لم يكن هذا بالأمر الغريب ،وخاصة أن السلمى كانت لديه قدرة هائلة على محاكاة الماضى وتقديمه فى إطار متطور ليواكب الحاضر بشكل غير نمطى. وظهر هذا النموذج جلياً فى هذا الكتاب الذى أتخذ له اسم تحت ظلال الأهرام Enter Den Pyramiden والذى طبع عام 1971. وهو أول كتاب (ألبوم) صدر للرسام.

وعقب انتصار أكتوبر 1973 قرر السلمى الاستقرار بـ«برلين الشرقية» عاصمة ألمانيا الديمقراطية. وعاش هناك ما يقرب من عشر سنوات. وتزوج من الدكتورة كاترين – الأستاذة المتخصصة فى اللغات الشرقية والأفريقية بجامعة همبولت. ورزقا بابنتهما ريم التى تشبهه تماماً.

وأثناء إقامة السلمى بـ«ألمانيا» تابع المدرسة الغربية الكاريكاتورية بشغف واهتمام. وقد فطن وقتها أن الكاريكاتير فى ألمانيا بارداً تماماً مثل جوها. يفتقد إلى المذاق الحريف الممزوج بالعبث وبعضاً من الشقاوة والمغموس فى أعماق السخرية. بعيداً كل البعد عن النقد اللازع والصدام وخوض المعارك بالريشة. تماماً كأنك تشرب القهوة المثلجة فى مقهى من مقاهى برلين فى ليلة شتاء يغمرها الصقيع والهواء البارد المحمل بالجليد.

 إلا أنه بالرغم من كل ذلك طور من نفسه ومن أسلوبه والتزم بالمعايير المتاحة له هناك. ولذلك اهتم بالفكرة ولخصها كفيلسوف يقدم من خلال الرسم نظريات غاية فى العمق والتأمل. وتميزت أعماله فى هذه المرحلة بالـ كوميديا السوداء. وبهذه الطريقة تغلب على البيئة الباردة وأضاف الكثير والكثير لنكهة «القهوة المثلجة». 

ويرى السلمى أن الكاريكاتير فن للتأمل وليس للإضحاك فقط. كما يرى أن الكاريكاتير فن للتعبير عن النفس والتعرف الأعمق بالناس والظواهر. 

وقد لمع نجم السلمى فنياً ووصل إلى أعلى ما يصبو إليه أى فنان. ونشرت أعماله أكبر الصحف والمجلات الساخرة هناك. ونجح فى التواجد عالمياً بأعماله وتصميماته. فعلى سبيل المثال فى عام 1978 وجهت إدارة مهرجان موسكو السينمائى العاشر الدعوة لإعداد ملصقات وواجهات جدارية لتصاحب فعاليات المهرجان.

كما شارك فى العديد من المهرجانات والمسابقات الكاريكاتورية الدولية أمثال: جابروفو ببلغاريا، كنوك هيست ببلجيكا وسكوبيا بيوغسلافيا. ونجح فى حصد بعض الجوائز وشارك فى عضوية لجان تحكيم بعض المسابقات الدولية أيضاً.

واللطيف أن السلمى لم يكن بمنأى عن الأحداث فى وطنه. بل كان متابعًا لكل الأوضاع السياسية والاجتماعية. وكان متواصلًا مع أصدقائه ويراسلهم بانتظام. فى وقت لم يكن الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى قد ظهرت إلى الوجود بعد. ومع مطلع كل عام جديد كان يرسل لأصدقائه بطاقات المعايدة التى كان يرسمها بنفسه، ليضيف للمناسبة والتهنئة بها قيمة أخرى.و خاصة أنه أبدع فى هذا المجال حيث كان يصمم وينشر رسومه على بطاقات البريد فى ألمانيا.

وفى ألمانيا الديمقراطية وبالأخص عام ١٩٨٠ أصدر السلمى كتابه الثانى تحت عنوان ظننت أنك أنا. وقدم عبر هذا الكتاب بعضاً من نوادر حجا وقصصه ومواقفه الفلسفية المضحكة من خلال الكتابة والرسم. ونظراً لنجاح هذا الكتاب، أقدمت دار النشر التى أصدرت هذا الكتاب على استغلال هذا النجاح بكل الطرق الممكنة. فقامت بطباعة رسومات الكتاب على ورق اللعب (الكوتشينة). وقد لاقت هذه الفكرة رواجاً ونجاحاً منقطع النظير.

فى عام ١٩٨٤ قدم السلمى كتابه الثالث TABAKOMIK أو كاريكاتير التوباكو وذلك عبر دار نشر أويلين شبيجل فيرلاج. ويتناول الكتاب رسوماً كاريكاتورية أبطالها هى أعواد الكبريت والغليون ولفائف التبغ. وأثر من خلالها النتيجة الحتمية لاشتعال الكبريت واحتراق التبغ وانتهاء صحة الإنسان نتيجة التدخين. وقد عالج السلمى هذا الموضوع بشكل ساخر يميل إلى الكوميديا السوداء. وقد صدر الكتاب فى أكثر من طبعة. وقدم لنا السلمى عبر هذا الكتاب رؤية كاريكاتورية تجعلك تتأمل فى الرسم بمنتهى التركيز بحثاً عن المضمون والفكرة المستترة خلف الرموز المرسومة وكأنها مجرد خطوط تحضيرية أو سكتش.. وكأنه يتحاور مع القارئ فى حوار ممتد بالرغم من أن هذه الأعمال الكاريكاتورية كانت بدون تعليق!.

وبالرغم من كل هذا النجاح، إلا أنه كان طيلة هذه الفترة كان مهموماً بتأمين مصاريف المعايش. مضغوط مادياً كفنان وكأب ورب لأسرة مسئولاً عنها. وهو الأمر الذى دفعه إلى الرحيل إلى الكويت والعمل بشركة للحاسبات هناك. 

وأثناء وجوده بـ «الكويت» نجح أيضاً أن يجد لنفسه المكانة التى تليق به كرسام للكاريكاتير بالصحافة الكويتية. ولم لا فلقد أصبح أكثر نضوجاً كرسام ومفكر. ووجد فى الكويت المناخ المناسب ومساحة كبيرة من حرية الرأى والإبداع. فرسم بـ جريدة الوطن كاريكاتيراً سياسياً لاذعاً. وأصبح أخيراً ينعم بمزاج القهوة الساخنة.. وليست أى قهوة.. إنها القهوة العربية المحوجة التى لا تخطئها أبداً أنف أى متذوق.

فى عام 1986 كاد أن يتسبب نبيل السلمى فى أزمة دبلوماسية بين المغرب والكويت. ونشبت هذه الأزمة بعد أن نشر السلمى رسماً كاريكاتورياً أقل ما يمكن وصفه بأنه كان تحريضاً على قتل العاهل المغربى. وذلك عقب استقبال الملك الحسن لـ شيمون بيريز بـ مدينة إفران المغربية الساحرة.

 

 

وفى نفس العام عمل السلمى رساماً ومخرجاً فنياً بمجلة العربى الصغير. وبالرغم من كونها مجلة للناشئة تخاطب أطفال الوطن العربى أجمع، إلا أن رسوماته وأسلوب تفكيره لم يختلف كثيرا عما قدمه فى الصحافة من فكر فلسفى واع. حيث قدم أعمالاً كاريكاتوريةً تدعو للتفكير وللتأمل، أفكاراً غاية فى العمق. وكأنه يوجه فكر الطفل العربى إلى ثقافة ورؤية تدعو للوعى والتعمق والرسوخ الفكرى والذهنى.

وفى نفس العام أصدر السلمى كتابه الأخير تحت عنوان جمليوتر. ونشر الكتاب عن شركة العالمية التى كانت تنتج جهاز الحاسوب المعروف باسم صخر. وكانت تنتج أيضاً البرامج التعليمية والألعاب. وقد حمل اسم الكتاب كلمة من مقطعين تم تلخيصها فى كلمة واحدة. فهى جمل وكمبيوتر. والجمل هنا هو سفينة الصحراء ورمز من الرموز الأصيلة لدى العرب. 

وقد عالج السلمى من خلال هذا الكتاب موضوع ثورة التقدم التكنولوجى بالمقارنة إلى التراجع وتعامل المواطن العربى مع هذه التكنولوجيا فى معالجة اهتمامته التى لا تتعدى إنفاق أموال النفط. وكان ذلك بشكل تهكمى صامت.. لا يحمل أى تعليق.. لكنه ساخر سخرية الكوميديا السوداء.

يذكر أن السلمى قد عكف على نشر كتابين آخرين قبل وفاته. الأول عقب زيارته للولايات المتحدة الأمريكية فى مهمة عمل أثناء وجوده وعمله بالكويت. حيث رسم هناك عشرات الرسومات الكاريكاتورية والتقط مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية ليوثق كل ما رأت عينه هناك برؤية الفنان الفيلسوف صاحب الرأى والفكر. 

والثانى كان عن النقاب. وكان ذلك أيضاً أثناء وجوده بالكويت. وكان قد انتهى من تحضيره وتجهيز الرسومات والتصميمات الخاصة به. لكن القدر لم يمهله الوقت ليرى هذا الكتاب النور.

وهنا لابد أن نتفق أن الشىء الوحيد الذى وثَّق لأعمال هذا الفنان الذى لم يشأ القدر أن تستمر مسيرته طويلاً - وكأنه حضر إلى هذه الدنيا فى رحلة ترانزيت - هو اصداره لعدة كتب كانت بمثابة الأرشيف الثرى الذى ورثنا من خلالهما كل هذا الزخم من إبداعاته المتميزة فكراً وفناً. فسفره واغترابه وبعده عن مصر كان كافياً بأن يسقط السلمى من الذاكرة. إلا أن هذه الكتب كانت أشبه بالترياق الذى وهب الحياة لأعماله قبل أن تردم بالأتربة وتورى الثرى بفعل النسيان. وهو ما خلد اسمه بين عمالقة فن الكاريكاتير كأحد الرسامين الجادين أصحاب التجارب الفريدة.

وبعد قرابة أربعة عشر عاماً من الغربة والترحال، نجح السلمى فى تحقيق هدفه. واشترى شقة بشارع أبو المعالى بالعجوزة.

سافر السلمى إلى ألمانيا فى إجازة قصيرة قضاها برفقة زوجته وابنته عاد بعدها إلى القاهرة لمدة يوم واحد. ثم سافر مرة أخرى إلى الكويت. وعند وصوله إلى منزله. قرر أن يأخذ قسطاً من الراحة فنام. لكنه لم يصحو أبداً. فلقد وجده أصدقاؤه فى اليوم التالى وهو نائم وقدعقد ساقيه واحدة فوق الأخرى وكان قد فارق الحياة. ووجدوا إلى جواره أكياس من الفاكهة. هكذا روت لى الأديبة السودانية الراحلة زينب الكردى زوجة رسام الكاريكاتير الفنان المبدع حسن حاكم عن تفاصيل وفاته ،حيث كانت شاهد عيان. ليرحيل نبيل السلمى بعد أن حقق حلمه البسيط بتأمين منزل بسيط لزوجته وابنته تحت شمس القاهرة. ليلحق بأستاذه عبدالسميع الذى توفى قبله عام 1986. 

وليشهد عام 1987 وفاة السلمى وذلك قبيل رحيل واستشهاد الفنان والرمز العربى الفلسطينى ناجى العلى بإطلاق النار عليه بـ«لندن» ليدفع حياته ثمناً لآرائه ومواقفه. وبذلك يشاء السميع العليم أن يرحل السلمى قبل يرى بعينه ويشهد سقوط جدار برلين عام 1989 وتوحيد الألمانيتين عام 1990 ويشارك فى توثيق هذا الحدث إلهامًا بريشته التى لا تقل أهمية عن هذا الحدث الفريد.