الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
كيسنجر.. من شكّل أو شوّه عالمنا!

كيسنجر.. من شكّل أو شوّه عالمنا!

ربما من الصعب جدًا أن تجد شخصًا أحبه أو تعاطف معه أو مع تصوراته أو خططه للتعامل مع الأزمات العالمية، ولكن من الصعب أيضًا أن تجد شخصًا استهان به ولم يعمل حسابه أو لم يحترمه أو لم يتخوفه بسبب ما كان يراه أو يقرره أو يقوله أو يكتبه للتعبير عن تصوراته وآرائه ومواقفه ودبلوماسيته الماكرة (أو الخادعة) فى حلحلة الأمور أو احتواء الأزمات.. أو حسم الخلافات بشكل أو آخر.



هنرى كيسنجر الاسم الأشهر فى عالم الشئون الدولية شغل منصبًا رفيعًا فى قيادة دفة الدبلوماسية الأمريكية فى زمن الحرب الباردة ولمدة 8 سنوات فقط (كوزير للخارجية الأمريكية ومستشارا للأمن القومى) إلا أنه أربك النظام العالمى القائم حينذاك (فى السبعينيات من القرن الماضى) وأحدث تغييرات فى علاقات وموازين القوى العظمى. واجه الاتحاد السوفييتى واقترب من الصين وغيّر معادلات الحرب الباردة القائمة فى منطقة الشرق الأوسط.. وصنع أو شكل (سلبًا أو إيجابًا) العالم ونظرة أمريكا للعالم ونظرة العالم لأمريكا.. وبالطبع ما أشعله من حروب وما تسبب فيه من سقوط مئات الآلاف من القتلى فى فيتنام وكمبوديا ولاوس وبنجلاديش وتشيلى ودول أخرى لا يمكن نسيانه. بعض المنظمات قدرت رقم الضحايا بنحو 4 ملايين.

ويجب الإشارة هنا إلى أنه منذ اللحظة الأولى لإعلان وفاته وهو فى الـ 100 من عمره لم يلتزم أغلب أصحاب الرأى بمبدأ «اذكروا محاسن موتاكم»، إذ انقضّ الكل بلا تردد على تاريخ كيسنجر الداهية السياسى أو ثعلب الدبلوماسية أو مجرم الحرب أو الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 1973، وكل ما لديه صلة بكيسنجر صار موضع انتقاد وشجب وتنديد، شديد اللهجة.

كيسنجر من مواليد عام 1923 فى ألمانيا، وبسبب اضطهاد اليهود فى ألمانيا النازية هاجرت أسرته إلى نيويورك عام 1938، وقد حصل على الجنسية الأمريكية عام 1943. من كان لا يعرف إلا قليلاً من الإنجليزية وهو يأتى إلى نيويورك درس فيما بعد فى جامعة هارفارد وصار أستاذًا بها، ومع أخذ خطواته الأولى فى عالم السياسة الخارجية وهو فى الـ 31 من عمره فقط ألّف كتابًا عن الأسلحة النووية والسياسة الخارجية يقع فى 450 صفحة.. وتوالت كتبه فيما بعد منها مذكراته التى تضم فى أجزائه نحو ثلاثة آلاف وخمسمائة صفحة. ويجب التذكير بأن كيسنجر لم يتوقف عن التأليف حتى ما بعد التسعين، وقد شارك فى تأليف كتاب عن زمن الذكاء الاصطناعى صدر عام 2021.

 

 

وطالما نتحدث عن كيسنجر لا يمكن أن ننسى كيف تعامل مع ملفات الشرق الأوسط وإسرائيل ومصر والدول العربية ولا نتجاهل جولاته المكوكية وتعاملاته مع قادة المنطقة. ومن ثم نتساءل: كيف تعامل معه أصحاب القرار والرأى فى مصر والعالم العربى، ونتذكر كيف تم ترديد ما نسب إليه من قول بأن لا حرب فى الشرق الأوسط بدون مصر ولا سلام بدون سوريا، خاصة أن كيسنجر خلال قيامه بمهامه أو بعد خروجه من دائرة القرار الأمريكى كان حاضرًا فى الذهنية العربية بما كان لديه من خطط ومؤامرات وصفقات فيما يخص إسرائيل والدول العربية أو الشرق الأوسطية المجاورة أو المعادية للدولة العبرية. من أقوال تلك المرحلة الزمنية يأتى فى البال - جاء كيسنجر يومًا فى ثياب الماكرين!. وبالطبع كم من الجرائم ارتكبت باسم كيسنجر وبما قاله وما لم يقله على مدى سنوات طويلة. لقد كان وظل المناور والمخادع والمتآمر الذكى والملم بتفاصيل التاريخ والجغرافيا والنفس البشرية، والذى يعرف من أين تؤكل الكتف.. وحتى لو تنامت أكاذيبه فإنه لا يسعى أن يتجمل.

كيسنجر كان له أكثر من وجه وأكثر من قناع وهو يتعامل مع الدول الصديقة أو الدول المعادية، ولذا حيّر كل من تعامل معه ومن راقب خطواته وخططه. كان يؤمن بأن الغاية تبرر الوسيلة وأن الدبلوماسية البراجماتية الانتهازية بشكل أو آخر تحقق الغايات الأمريكية.

وما لفت انتباهى أيضًا على مر السنين أن كلما احتار صاحب قرار أو رأى فى أى مكان أن يقول ما لديه بخصوص أى قضية أو أزمة تخص شئون العالم كان يأتى بذكر اسمه ثم يقول إن كيسنجر كما تعرف كان رأيه فى هذا الموضوع كذا وكذا. كيسنجر كان معنا فى عالمنا لأكثر من ستة عقود.. وفعل ما فعل ودفع آخرون فاتورة أخطائه أو جرائمه!