الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
العالم يريد

العالم يريد

العالم يريد ممرات آمنة لتعبر قطعة من الشاش الأبيض، وقطعة من القطن الأبيض إلى جرحى غزة، لكن لا شىء يتدفق بغزارة إليها سوى الفوسفور الأبيض!



.. العالم يريد كوبا من الحليب لطفل فى غزة يتكئ على جدار مدرسته المهدمة فلا يجد إلا كوب صفيح قد امتلأ على آخره بردم ورفش جدران فصله، وسبورته التى كتب عليها بالطباشير الملون: «بيتى قلعتى».

.. العالم يريد أن تمر نسمة هواء لعصفورة تختنق على فرعها فى غزة، لكن الهواء لا يحمل الآن سوى دخان الحرائق، وما أشعلته القذائف من أشجار الزيتون، وما سدته من آفاق فى وجه العصافير.

العالم يريد محاولة واحدة لتبريد الجدران التى تلهبت بالنار فى غزة، أن تسير عربات المطافئ فى ممراتها لكى تنقذ امرأة واقفة فى شباكها، وفي حضنها طفلها الرضيع، ورجلا على كرسيه المتحرك يرجو أن تقوم قيامة العالم حتى تنتهى هذه الأيام من الجحيم.

لكن ما من آتٍ جديد!

العالم يريد أن تعود قطعة صغيرة من الخبز مغموسة فى زيت يتون غزة، مشفوعة بالزعتر فى فم أطفالها ونسائها ورجالها، لكن لا شىء سوى ارتشاف الشظايا، واختراق طلقات الرصاص للقلوب البريئة لمجرد أنها تنبض فى كل خفقة قلب، وصوتها يردد فى عقيدة حب، وإيمان حب:

غزة.. غزة.

العالم يريد أن تفتح النوافذ ستائرها فتشرق شمس ذهبية كما تشرق فى بلاد العالم كل يوم، لكن شمس غزة تشرق حمراء مضرجة فى دمها، واضحة أمام شهود العيان، لكن الظواهر الكونية الجديدة لا تستلفت أحدًا خاصة إذا كانت صارخة بهتاف ضحايا الحصار، والتطهير العرقى والذين استشهدوا فى محبة وردة حمراء من أشجار غزة.

العالم يريد أن يتفرج الأطفال على حكايات «سندريلا»، وأن تنتهى حكايات الجدات بخاتمة سعيدة، لكن الأطفال يتفرجون على ألسنة اللهب، وعلى ألعاب النار، وعلى عمارات سكنية تنهار على الجدات، وعلى الحكايات وعلى الليالي الطوال التى كانت تقول فيها الجدة: الغائب إلى عودة، والمرء بلا وطن شجرة بلا جذر، وشبر ماد لا ينبت حبة.

العالم يريد الأمان لعاشقين كانا يستمعان إلى صوت فيروز ويبتسمان «حذرتنى أمى/ ما حاكى حدا قالت لى يا أمى.. إياك العدا أنتَ مش حدا/ ولا أنت العدا/ لا تعتب علىّ أخرنى القمر».

فإذا بأعداء الحياة يقصفون العاشقين ليبقى منهما شالا فلسطينيا، وقمرا فلسطينيا يأبى إلا أن يكتمل.

العالم يريد أن يعرف لماذا هذه القطعة من خارطته العربية بالذات هى التى يريدون أن يقتطعوها كفلذة كبد حية، نابضة بالحياة من جسم حى.

العالم يريد أن يعرف كيف يعيش بدون هذه الفلذة من كبده، وهذه القطعة الصارخة من القلب؟

غزة.. هذه التى ستبقى سنبلة قمح شائكة، ووردة نازفة، وشوكة تستعصى على النزع، وقضية وجود لن يكون بدونها وجود، لأنها قضية وطن اسمه فلسطين، وعاصمته القدس.