توماس جورجسيان
حديث واشنطن.. هذه الأيام
حديث العاصمة الأمريكية مازال يدور منذ 7 أكتوبر الماضى حول اهتمام أهل واشنطن وأيضًا قلقهم وغضبهم وانتقادهم لتعامل الإدارة مع إسرائيل والشرق الأوسط والأزمات الدولية بشكل عام. العديد من أصحاب الرأى والخبرة فى شئون العالم وهمومه يشاركون الرأى العام وأصحاب القرار فى هذا الجدل الحاد والنقاش الساخن حول مواقف إدارة بايدن وتصريحاتها وتفسيراتها وتبريراتها لما يحدث فى غزة من جانب إسرائيل. تلك الجرائم التى ترتكبها إسرائيل فى حق الشعب الفلسطينى وأطفاله تحت مسمى محاربة إرهاب حماس!.
الحديث الساخن المستمر لا يدور فقط حول ما يحدث هناك فى غزة وفى إسرائيل بل لما يدور هنا فى أمريكا، ما تشهده البلاد من مظاهرات ومسيرات فى جميع المدن الكبرى من أجل وقف الحرب وإنقاذ غزة.
وقد انتقلت حركات الاحتجاج والمواجهات السياسية إلى صفوف الطلبة والأكاديميين داخل الجامعات الأمريكية، والأمر الأخطر انطلاق حملات سياسية وإعلامية لمحاصرة ومعاقبة من يطالب بحق الفلسطينيين وإنهاء ما يحدث فى غزة، أو من يأخذ موقفًا منتقدًا لما ترتكبه إسرائيل فى محاربتها لحماس. ومن ثم بدأت موجة من استقالات وإقالات لأفراد فى مجالات عمل عدة.
أن تشعر أنك أمام مكارثية جديدة، كيف تقوم حرب إسرائيل حماس بإعادة تعريف حدود حرية التعبير عن الرأى. بهذا العنوان المثير تناول الإصدار الأمريكى بوليتيكو فى تقرير مطول عما يتم اتخاذه فى بعض الشركات الأمريكية من إجراءات وملاحقات قانونية بهذا الصدد، وقد تتسبب فى إلحاق الأذى ببعض العاملين بها، ويتساءل بوليتيكو: بما أننا فى زمن السوشيال ميديا هل من حق أصحاب العمل أن يقوموا بتسريح أو إنهاء عمل الموظفين بسبب آرائهم السياسية؟!. وتقول جينفييف لاكيى (أستاذة القانون بجامعة شيكاجو والمتخصصة فى ملفات التعبير عن الرأى) : نحن نشهد القواعد الأساسية للتعبير عن الرأى تتغير أمام أعيننا!! هذه القضية الشائكة تحديدًا صارت موضع اهتمام كبير خاصة أنها تخص حرية الرأى وحق التعبير عن النفس باختياراتها المتعددة، وبالطبع الجدل الدائر حول هذه القضية سوف يزداد حدة فى الأيام المقبلة مع قيام جهات حقوقية عديدة بتسجيل حالات انتهاك حق المرء فى الاختلاف والتعبير عن هذا الاختلاف بشكل علنى!! وهناك أمثلة عديدة تناولتها وسائل الإعلام وسلطت الأضواء عليها.
مقالات الرأى فى الصحف الأمريكية مازالت تمارس دورها فى التعامل مع هذا الوضع الشائك تطرح جميع القضايا وتثير جميع الأسئلة، من ضمن من تناولوا الكارثة الإنسانية فى غزة الكاتب الصحفى الأمريكى نيكولاس كريستوف فى مقالاته فى صحيفة نيويورك تايمز. تناول فيها ما يحدث فى غزة بنظرة إنسانية شاملة تحاول أن تنقل الصورة مهما كانت مؤلمة ومأساوية، ويتفاعل مع الوضع الإنسانى المتدهور محاولا العثور على ما يمكن أن يراه أملًا أو بصيصًا من النور فى نهاية النفق المظلم. وهو كعادته لا يكتفى بما يراه أو يسمعه أو يقرأه عن بعد من أمريكا، بل يذهب إلى حيث المأساة وشرور الحرب والدمار، وهذا ما فعله كريستوف (64 عامًا) فى الأيام الماضية وكتب مقالاته أو تقاريره الإنسانية متناولا زوايا عديدة لما يحدث فى غزة بالعناوين التالية: البحث عن البوصلة الأخلاقية فى حرب غزة هل نأمل أن تتحرك إسرائيل بحكمة أكبر؟. ماذا سيحمله تدمير غزة من حل للأزمة؟ قتل المدنيين لا ينهى التطرف بل يغذيه. لا يجب أن نقتل أطفال غزة من أجل حماية أطفال إسرائيل.
ويكتب كريستوف أيضًا عن إسرائيلى فقد والده ووالدته يوم 7 أكتوبر يطالب إسرائيل بوقف دائرة الدم. ولا يتردد الكاتب الأمريكى فى القول: إن ما عايشه وما سمعه على أرض الواقع من كلا الطرفين يحطم القلب.
ولديه تخوف بأن القادم هو الأسوأ فى الشرق الأوسط، كما ذهب كريستوف إلى الضفة..إلى مخيم الدهيشة فى محاولة منه لجس النبض والشعور تجاه ما حدث وما قد يحدث للفلسطينيين فى المستقبل القريب أو البعيد.. وحواديت كريستوف وتأملاته (كما يبدو) مستمرة.
وجدير بالذكر أن الصحف الكبرى مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست خصصت منذ بداية الأزمة أربع صفحات على الأقل يوميًا من أجل تقارير المراسلين من المنطقة والتحليلات المعمقة لملفات الأزمة أو المأساة بجميع جوانبها.. كما اهتمت بتفاصيل حيرة الإدارة الأمريكية وتخبطها فى احتواء الأزمة وعدم توسيع دائرة الحرب.