الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
رؤوف توفيق.. فنان الكتابة

رؤوف توفيق.. فنان الكتابة

لا أستطيع الكتابة عن رؤوف توفيق إلا وقد تملكتنى عاطفة حب الفن والفنانين، وأقصد بالفنانين ذلك النوع من البشر الذى يعيش حياته بذوق وانسجام وإقبال وتطلع إلى جماليات هذه الحياة، ويستمتع بكل ما يقوم به ويمارسه بفن.. فن حب الحياة، فن العطاء.. فن اكتشاف ملامح الجمال فى كل ما يراه.



 فن الارتقاء بمستويات الأداء فى كل مجال يخوض فيه وفقًا لموهبته.. هكذا رأيت رؤوف توفيق منذ البداية فى منتصف الستينيات.. وطوال الوقت.

 

 بدايته فن، فقد كان يهوى الرسم.. مع أنه يدرس فى كلية التجارة المجاورة لـمبنى مؤسسة «روز اليوسف»، يرسم رسماية كاريكاتير صغيرة ويأتى بها إلى «صباح الخير»، ويقابل الفنان حسن فؤاد مصمم المجلة ومخرجها الأول، ومبتكر باب «نادى الرسامين» وراعى الرسامين والموهوبين عمومًا فى كل مجال.. فيرحب به وينشر له رسوماته.

 لكن رئيس التحرير الأستاذ أحمد بهاء الدين، مؤسس «صباح الخير» عندما يقابل الرسام الشاب يكتشف أنه موهوب فى فن آخر، فيوجهه إلى الكتابة، ويطلب منه الانضمام إلى المجلة حتى قبل تخرجه.

 ولأن رؤوف توفيق فنان فقد بدأ يكتب تحقيقات ومواد صحفية، بطريقة مختلفة ومتميزة بلا ضجيج ولا إثارة ولا سبق صحفى ولا فرقعة ولا مبالغة.. كتابة فنية فيها عمق وإنسانية ووعى ومشاركة للقارئ فى مشاعره وأحاسيسه وأفكاره، وتعبير عن تفاصيل أصيلة من حياة الناس بحلوها ومرها، وهو اتجاه لم يكن يحظى باهتمام صحافة الإثارة والثرثرة التى كانت سائدة فى مصر فى ذلك الوقت.

 

 

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

 

انشغل الصحفى الشاب الجديد بقضايا ذات علاقة مباشرة بحياة الناس، يتناولها بهدوء ودرس وأفق رحب مفتوح على المستقبل.

من هنا لمع اسم رؤوف توفيق.. 

 لكن الفنان الذى فى داخله هداه إلى الارتباط مباشرة بالفن، كان يحب السينما ويستمتع بمتابعة كل جديد فى عالمها فوجد نفسه يكرّس نفسه لهذا الفن الجميل، يكتب عن السينما، ليس كناقد فنى بل كإنسان يحب فن السينما، يشاهد الأفلام ويستغرق فى تأمل جمالياتها ويستكشف ما تنطوى عليه من أفكار ومشاعر.. وسحبه هذا الاهتمام إلى عالم السينما ليس فى مصر فقط، لكن فى العالم كله.. فوجد نفسه منجذبًا إلى حضور مهرجانات عالمية لا يتيسر لكثيرين من النقاد والصحفيين والكتاب حضورها ومتابعتها وتأمل منجزاتها.

 ومع الوقت والأداء المتميز بالصدق والدقة وحب الفن، واستكشاف الجماليات والدلالات والاحتفال بالإبداع، أصبح اسم رؤوف توفيق علامة مميزة فى عالم هذا الفن، وأصبح له قراء يترقبون نتاج قلمه وفكره وفنه، وتتلمذ بعضهم على هذه الكتابات وقال آخرون أنهم تعلموا حب الفن السينمائى وكيفية فهم الأفلام والاستمتاع بها من مقالات هذا الكاتب الفنان.

  أتذكر هنا قصة لطيفة فعندما اقترح عليه حسن فؤاد رئيس تحرير «صباح الخير» أن يبدأ فى نشر كتب من واقع خبرته ودراسته وكتاباته، اختار لكتابه الأول عنوان «السينما عندما تقول لا» والعنوان يدلنا على الموضوع، فهو يتناول دور فن السينما فى التعبير عن الإرادة الحرة.

 كان وقتها قد أصبح مدير تحرير المجلة وكنت وقتها سكرتير التحرير، وفى المطبعة وجدتهم يصفون نصوص الكتاب، فطلبت منها نسخة «بروفة» وأعددت عرضًا صحفيًا للكتاب نشر فى «القبس» الكويتية على صفحتين، فى يومين متواليين، وعندما قدمت له نسخ الجريدة، أصابته دهشة حقيقية وبأدبه الجم وذوقه الرفيع، شكرنى. ثم سألني: كم تقاضيت على هذا العرض الذى استغرق صفحتى جريدة يومية ذائعة؟

 عندما أخبرته، اكتشف أن ما حصلت عليه من عرض كتابه الأول هو بالضبط ما تسلمه هو كمكافأة عن الكتاب:400 جنيه!  

 وتوالت كتب الكاتب الفنان.. ولم يشغله ذلك عن تناول قضايا الحياة العامة من خلال باب «لا يصح إلا الصحيح» ومع أنه يناقش أمورًا تتعلق بالسياسة وأجهزة الحكم وينتقد تقصير هذه الأجهزة، إلا أنه كان مهذبًا نبيلاً، لا يصرخ ولا يلجأ لأسلوب السخرية الوقحة ولا يعمد إلى الإثارة والفرقعة.. ويميل إلى تقديم الحلول والأفكار وتوجيه النقد الهادف للمصلحة العامة وللنهوض بالبلد. 

 ومع ذلك فوجئنا ذات يوم بقرار عجيب بعزل رؤوف توفيق ونقله إلى «مصلحة الاستعلامات».

كانت صدمة كبيرة لنا فى «صباح الخير» فالرجل يتميز بالدماثة والهدوء والأدب الشديد والتفكير المنطقى، فلماذا قررت لجنة النظام التى شكلها الرئيس أنور السادات، فصل رؤوف توفيق؟!

 غلبتنا الحيرة.. ولم نتلق إجابة واضحة على أسئلتنا وظل الأمر غامضًا حتى الآن، إلا من تفسير يقول إن نظام السادات كان يكره من لا يؤيده.

 المهم أن الأستاذ رؤوف توفيق رفض تنفيذ أمر الانتقال إلى «الاستعلامات» وبقى فى البيت.. صامدًا إلى أن فوجئ بعد مصرع السادات، بسنوات، بتكليفه رئيسًا لتحرير «صباح الخير». 

...وللحديث بقية فى الأسبوع المقبل.