الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
فارقنى «تيفة» دون أن يودعنى!

فارقنى «تيفة» دون أن يودعنى!

غريبة أمر هذه الدنيا, أن تفقد أصدقاءك واحدًا تلو الآخر خلال الأشهر العشرة الماضية، ثلاثة من أبناء «صباح الخير»، المجلة التى ولدت فيها ميلادك الثانى،  وعشت فيها أجمل سنين العمر، المجلة التى كانت دائمًا تبحث عن الكاتب صاحب الأسلوب، لأنها ليست من نوعية المجلات التى تجعل قراءها يرتوون من نفس المنبع، فأسلوب كل كاتب فيها ظاهر بارز لا يلوثه قلم رقيب أو مصحح الديسك، أسلوبه المميز شرف الكتابة، شرف يليق بكتاب فى مجلة صاغت وجدان أمة.



فارقنا مفيد فوزى فى الرابع من ديسمبر العام الماضى،  ومنذ أسبوع فارقنا فجأة رشدى أبو الحسن، ومنذ أيام فارقنى صديق العمر «تيفة «كما كنت اسميه دون أن يودعنى، رءوف توفيق.. رحل عندما أتى قطار الليل دون أن ينتظرنى،  ووجدت نفسى لوحدى فى الطريق جالسًا على مقعد الأحزان، لم يتعود توفيق أن يتركنى وحدى فكنا طوال السنين على تواصل، قلوبنا مليئة بدفء الحياة، وأحلام نعيشها مثل النسيم وتطوف فى عمرنا مثل الشعاع، فى غربتى الأولى زارنى فى بيروت، وفى غربتى الثانية كان ضيفًا بمنزلى، وما أجمل صور الذكريات وهو يداعب شيرين ابنتى،  ويبنيان معًا جبلا وتمثالًا من الثلج لا يذوب، وظلت بيننا ذكريات لا تخبو كنجمة تطوف بنا كل البلاد، وتحكى كل ما كنا وكان، لم نفترق رغم بُعّد البلاد، يغمرنا وفاء الصداقة بالأمان وشَّلال بريق من المحبة والإخلاص، وبعد إنسانى كبير، وفى السنوات الأخيرة قبل الرحيل فرقتنا أشياء لم أفهمها أو استوعبها، قد يكون المرض والعجز والعزلة عن ممن رأوه فى عنفوان شبابه أو اشياء أخرى! 

 

ريشة الفنان الراحل: عبدالعـال
ريشة الفنان الراحل: عبدالعـال

 

أدرك اليتم رؤوف باكرا، فقد ظلمت الحياة أمه. ترملت، فتحملت ضيمها ساكتة صبورة، وأصبح ضناها كل دنياها، عانت وكابدت الأمرين فى رعايته، لم تبخل عليه من الحنان، فطوى صدره، لما شب وبلغ الحلم، على الحب والأنفة وعزة النفس، وعلمته الوفاء فكان وفيا ذكارا للجميل، دؤوبا صبورا، صمته يتكلم، وعندما يتكلم كلامه لا يخلو من عمق النظر، ورأيه صائب دقيق.

عشق رؤوف الفن السابع، فشارك فى تغطية العديد من المهرجانات الدولية. كان له الفضل العميم فى تعريف السينما الأجنبية لشريحة عريضة من القراء الشباب الذين كانوا يجهلون الكثير عما ينتج فى الغرب من أفلام جادة ورفيعة المستوى الفنى،  بسبب الرقابة الصارمة على عرض تلك الأفلام.

وبأسلوبه الصافى، الواضح، المنزه عن اللغو، أخذ بيد القارئ وعرّفه على تيارات السينما الأجنبية، شارحًا، وناقدا، ومقارنًا  فكان صاحب ميسم خاص فى الكتابة عن الفن السابع.

قدم كتبًا فى السينما، راجت وأصبحت مراجع مهمة، منها: «سينما المشاعر الجميلة»، «سينما الزمن الصعب»، «سينما ما زالت تقول لا»، «أوراق فى عشق السينما»، «سينما المرأة»، «سينما الحب»، «سينما اليهود» و«دموع وخناجر».

ولم يكتف رؤوف توفيق بالكتابة عن الأفلام، عارضًا وناقدًا، إنما شارك فى صناعتها، فكتب العديد من القصص السينمائية والسيناريوهات منها «زوجة رجل مهم»، الذى فاز بجائزة أفضل سيناريو، ثم أعقبه بعدد من الأفلام منها «مستر كاراتيه»، «مشوار عمر»، وسيناريو وحوار «من فضلك وإحسانك» عن قصة نجيب محفوظ. واتجه إلى التليفزيون فأعطاه عددا من المسلسلات منها «آخر الخط»، «حمد الله على السلامة»، «الآنسة» الذى أدت فيه سناء جميل دور البطولة قبالة عمر خورشيد.

فى مسابقة وزارة الثقافة للنقد، فاز رؤوف توفيق بالجائزة الأولى عن نقده فيلم «حمام الملاطيلي»، وبالجائزة الثالثة عن نقد فيلم «الشحات».

ترأس مهرجان الإسكندرية السينمائى لدول البحر الأبيض المتوسط، فأبلى بلاء حسنا وتم تكريمه. وقال مفيد فوزى،  صديقه اللدود، عنه فى كلمة يوم التكريم:

«إن جيل رؤوف تحمل الكثير، وانحاز الكبار فيه للناس، ولا بد لمن يعمل فى «صباح الخير» أن يكون كذلك». وفاء لأمه، رفض رؤوف توفيق الزواج إلا بعد وفاة والدته، وهو كان يرفض دعواتنا للغداء أو العشاء، لأنه كان يحرص دائما على أن يتناول وجباته الغذائية مع أمه.

أعطى رؤوف توفيق قلبه للكاتبة الصحافية منى ثابت، المحررة فى «آخر ساعة»، مرهوبة القلم لجرأتها، لم تأبه لحكم الإخوان المسلمين، ولم يرتعد قلمها، ظل جريئا لا ينكسر ولا ينحنى ويطيع، فأوقفوها عن الكتابة فى ديسمبر ( كانون الأول) سنة 2012.

رؤوف توفيق، يضرب فيه المثل فى الخجل والحياء، ورهافة الحس، وتدفق الحنان، فهو بذلك أشبه بتلامذة مدارس الأحد فى الكنيسة المصرية، راهبا متعبدا فى محرابه.

وداعًا وإلى لقاء صديق العمر.