الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
وداعا أستاذنا المحترم الرؤوف

وداعا أستاذنا المحترم الرؤوف

بدأت علاقتى بالأستاذ.. عن بعد.



مجرد قارئة متيمة بكتابات أستاذ رؤوف توفيق. كنت أقرأها مرة واثنتين، ثم أقتطع الصفحات وأحتفظ بها فى ملف خاص لأعيد قراءتها كل حين.

كتابات أستاذ رؤوف فى النقد السينمائى علمتنى وعلمت أجيالاً ليس فقط كيف نشاهد ونفهم اللغة السينمائية لأى فيلم عربى أو أجنبى، ولكنها علمتنا كيف نستشعر المعانى ونستوعب الأفكار ونتوقف طويلاً أمام التفاصيل الصغيرة ذات الدلالات العميقة ونفهم الإشارات ونستوعب المشاعر الإنسانية.

أستاذ رؤوف لم يكن ناقدًا سينمائيًا فحسب، بل كان معلمًا ومبدعًا مفتونًا بفن السينما يلتقط رادار إبداعه أى شاردة وواردة يسجلها بكلمات لا تقل إبداعًا عن شريط السينما.

 

ريشة الفنان الراحل: محمد نادى
ريشة الفنان الراحل: محمد نادى

 

فى منتصف الثمانينيات طرقت أبواب مجلتى الأثيرة «صباح الخير» كصحفية تحت التمرين وكان لى شرف لقاء ومجالسة ومناقشة العديد من كبار كتاب صحفى المجلة، لكننى لم أجرؤ على الاقتراب من حجرة الأستاذ رؤوف رغم أنها كانت مثلها كحجرات المجلة مفتوحة الأبواب دائمًا.

إلا أن ملامح الأستاذ رؤوف الجادة.. ونظراته الشاردة وكلماته القليلة وصوته العميق الخفيض كانت تحول دون اقتحام خصوصيته.

كانت لطلته رهبة  ولحضوره هيبة فاكتفيت بمراقبته من بعيد لبعيد وببعض الكلمات القليلة المقتضبة كل حين.

إلى أن تولى الأستاذ روؤف مسئولية تحرير مجلة صباح الخير مع بداية عام 1994 تقريبًا.

فكانت سنوات مثمرة ومتميزة على المستوى المهنى والإنسانى لى ولكل زملائى.

فأنت تتعامل مع (أستاذ) بدرجة (إنسان) تضافرت إنسانيته مع مهنيته فكانت كلماته تنطق نبلاً وأفعاله تفيض بالفروسية والرقى.

كلمات التشجيع والدعم لا تتدفق منه كمجاملات بلا حدود، ولكنها كلمات موزونة بميزان من ذهب تصيب الهدف بدقة فتستشعرها وسامًا وجائزة تشجيعية خاصة يفخر بها كل من نالها.

كان لأستاذ رؤوف بصمات خاصة على مشوارى المهنى المتواضع وجمل مأثورة نقشت فى ذاكرتى ولم تسقط بالتقادم.

دعانى يومًا إلى مكتبه بعدما قرأ موضوعى- قبل النشر- قائلاً: (هذا موضوع يستحق جائزة أنت أجدت التعبير عن التفاصيل الإنسانية بكل دقة وبمنتهى الصدق) فأتقدم بهذا الموضوع لجوائز نقابة الصحفيين فى (القصة الإنسانية) فأفوز بها فى هذا العام ثم أفوز بها بعد ذلك مرتين  فى سنوات تالية فأدين له بالفضل دائمًا فى اكتشاف نقط قوتى المهنية ودعمها.

ينشر لى على صفحات المجلة موضوعات عن رحلاتى لعدد من دول العالم فلا أشعر بالسعادة الحقيقية والتحقق إلا عندما يقول لى بايتسامة رقيقة حانية: (أنا بستمتع بقراءة ما تكتبينه عن رحلاتك).

يرحل أستاذ رؤوف عن رئاسة التحرير، ولكن لا يرحل الكاتب عن صفحات مجلتنا ويستمر عطاؤه ليتعلم التلاميذ من الأستاذ ويستمتع القراء بمقالات كاتبهم المبدع.

ويرحل أستاذ رؤوف عن دنيانا، لكن تجمعنا محبته فى يوم عزائه.

كل  محبيه وعارفى فضله نعزى بعضنا بعضًا.

كل من كان له شرف التعامل مع الأستاذ رؤوف كان بالتأكيد محظوظًا لأنه عرف عن قرب أستاذًا رؤوفا نبيلاً مبدعًا.