السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
وداعا أستاذ «الصحافة الإنسانية»

وداعا أستاذ «الصحافة الإنسانية»

ما زلت حتى يومنا هذا أتذكر تلك الفرحة الغامرة التى عمت الدور السابع فى مبنى مؤسسة روزاليوسف - حيث مقر مجلة صباح الخير- بصدور قرار المجلس الأعلى للصحافة -فى ذلك الوقت- بتولية الأستاذ رءوف توفيق، دفة قيادة «الصبوحة».



لم أستطع وقتها استيعاب تلك السعادة الكبيرة بتوليه القيادة، حتى إن كاتبنا الساخر الجميل الراحل محمد الرفاعى، قام بقص خبر التغييرات الصحفية من إحدى الصحف القومية وكان معنونًا بـ(رءوف توفيق رئيسًا لتحرير «صباح الخير»)؛ ولصقه على باب مكتبه، احتفاء بهذا التغيير!

لكن لم تمض أيام قليلة، حتى بدأت أدرك سر هذه الفرحة وتلك السعادة، فقد كان الأستاذ رءوف صاحب مدرسة مختلفة فى بلاط صاحبة الجلالة وله تلاميذ منذ السبعينيات، وقد أصبحوا نجومًا فى الثمانينيات وما بعدها، ليس فى المجال الفنى فقط باعتباره ناقدًا فنيًا كبيرًا، ولكن فى جميع أقسام الصحافة، وقد وجدوا فى قيادته أملاً جديدًا مختلفًا يستحق هذه الفرحة وذلك الاحتفاء.

ولعل هذا الأمل، قد انتقل -بطبيعة الحال- لجيلنا الذى كان يخطو خطواته الأولى فى مهنة باتت فى ذلك الوقت على المحك مع التلويح بإصدار القانون 93 لسنة 1995 والمقيد لحرية الصحافة، فكان التوازن الذكى فى معالجة المواد الصحفية وتوظيفها لصالح الدولة المصرية، أهم ما رسّخه الأستاذ رءوف فى عقول جيلنا، ومن هنا انطلق صحفيو المجلة بجميع أجيالها لتقديم وجبة صحفية أسبوعية تجافى السطحية وتعالج مختلف القضايا المجتمعية بجميع أشكالها وتساعد الدولة فى كشف أوجه القصور بمختلف القطاعات، إيذانًا بصباح الخير جديدة مختلفة مواكبة لتطورات المهنة والمجتمع.

معرفتى بأستاذنا قد بدأت قبل توليه رئاسة التحرير بعامين، وتحديدًا فى صيف 1992، وكان بالنسبة لى الرجل الذى يفرض عليك حبه واحترامه ومهابته -فى نفس الوقت- ولعلنى أعترف أننى فى بعض الأحيان كنت أقف عاجزًا عن حل هذه المعادلة الغريبة التى ربما يشاركنى جيلى من صحفيى «الصبوحة» صعوبة حلها، ومع ذلك فلم تكن علاقتنا بأستاذنا الكبير رءوف توفيق، مجرد علاقة رئيس بمرؤوسيه؛ ولكنها تحولت بمرور السنوات إلى علاقة أب بأبنائه ليحصل هذا الجيل على لقب «أولاد رءوف توفيق» للتدليل على هذه العلاقة الجميلة.

كثيرة هى المواقف التى جمعتنى بأستاذى وأبى الروحى رءوف توفيق، وهى محفورة داخلى وأتذكر تفاصيلها كاملة كأنها حدثت بالأمس القريب، ولكن أحد هذه المواقف كفيل بإظهار جانب من الصورة، ففى منتصف التسعينيات- ولم أكن قد عيّنت بعد كصحفى رسمى- شاركت فى تحرير وإعداد ملف رياضى كامل عن بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم، وكان ذلك إضافة لعملى فى سكرتارية التحرير كمخرج صحفى، وفوجئت وقتها بعدم إدراج اسمى ضمن كشف المكافآت بخطأ غير مقصود، وفى مثل هذه الأمور يتم تدارك الأمر بعد فترة فى كشف مكافآت الشهر التالى، لكن ما فعله الأستاذ رءوف كان درسًا فى التواضع وتقدير الجهد المبذول، فقد استدعانى لغرفته وبمنتهى الرقى قال لى: «جورج .. احنا (بنعتذر) لك عن هذا الخطأ، وأنا كتبت ورقة حالًا لصرف مكافأة خاصة سريعة لأن الملف كان رائع فعلاً»، ولذلك كان هذا الاستدعاء وتلك الكلمات من الأستاذ رءوف أهم من كل المكافآت المالية.

أستاذنا العظيم؛ ستبقى مدرستك المتفردة فى «الصحافة الإنسانية» على المستويين المهنى والمجتمعى، هى العنوان الأبرز لجيلنا والتى نحلم بألا تغلق أبوابها أبدًا.