الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
رؤوف توفيق.. علمنا كيف نقول (لا)

رؤوف توفيق.. علمنا كيف نقول (لا)

كنت صغيرًا عندما وقعت فى غرام مجلة «صباح الخير»، وعلى صفحاتها تعرفت على كبار الكتاب، وكبار الرسامين الذين فتحوا لى أبواب عالمهم الساحر المفضى إلى الحرية والبهجة والتمرد، وفرسان «صباح الخير» العظماء الأوائل، والمؤسسين الرواد، هم الذين صنعوا بى كل ما أحمله من أشياء نبيلة، وكل ما بى من خير وعدل وجمال.



 كانت «صباح الخير» آنذاك تقود ثورة التحولات الاجتماعية والثقافية والفنية والصحفية، وتؤسس للخروج عن المألوف والعادى والتقليدى، وكان من أبرز فرسانها الناقد السينمائى الكبير رؤوف توفيق، فكتاباته كانت نافذتى المبهجة المطلة على السينما العالمية والمصرية، وبابه الأسبوعى «لا يصح إلا الصحيح» أولى عتبات الخروج عن المألوف، للبحث عن الحقيقة. وعندما عملت بمجلة «صباح الخير»، كنت قد رسمت صورة ذهنية لكل كاتب ورسام وشاعر ممن قرأت له أو تابعت رسومه، وعندما ألتقى بهم الواحد تلو الآخر، أحاول أن أقارن صورته المتخيلة بصورته الحقيقية فى الواقع، وكانت شخصية رؤوف توفيق هى الوحيدة التى تطابقت تمامًا مع صورته فى خيالى، يمشى بهدوء، لا يشعر به أحد كطيف ملائكى، وكنت حريصًا على معرفة رأيه بالتحديد عندما كان ينشر لى موضوعًا أو مقالاً، وكانت كلماته ونقاشاتى معه تؤكد لى أننى أسير على نفس الطريق الذى سلكه من قبل رواد مجلة «صباح الخير» الأوائل، وعندما توليت مسئولية الإشراف الفنى بمجلة «صباح الخير»، ازددت قربًا من الأستاذ رؤوف توفيق، وعلاقتى به أصبحت أكثر عمقًا فصرنا أصدقاء، وهذه الصداقة الفكرية لا تحدث إلا فى أجواء كانت تنفرد بها آنذاك مجلة «صباح الخير» دونًا عن كل الصحف والمجلات الأخرى.

كان من أوائل النقاد الذين تابعوا (مهرجان كان السينمائى)، فيعود من فرنسا ليصحب القارئ معه عبر مقالته لمشاهدة أهم أفلام المهرجان، إنه رؤوف توفيق، الذى مارس الصحافة كرسالة، وليست مهنة، فأضاف تقليدًا جديدًا لمجلة «صباح الخير» بإصدار (عدد ممتاز من 96 صفحة) كل عام مواكبًا لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى ليكون وثيقة سينمائية لعشاق السينما.

وعندما أصدر رؤوف توفيق كتابه الأول «السينما عندما تقول: لا» عام 1974، قدم لنا قراءة جديدة لما تقدمه السينما العالمية، منحازًا للبسطاء، باحثًا عن الخير والعدل والحق والجمال، وعلمنا وعلم أجيالا بأكملها، كيف نشاهد الفيلم السينمائى، وكيف نراه بعين الناقد المدرك لدور السينما فى تغيير الواقع، وصياغة الوجدان، وعلمنا كيف نعترض وكيف نقول (لا)، دون مبالغة، ووأسس لمدرسة نقدية جدية لم يذهب إليها الكثيرون، ورغم أنه كتابه الأول إلا أنه حصل جائزة، وتوالت كتاباته النقدية فقدم بعد ذلك للمكتبة السينمائية العربية 6 كتب نقدية تحولت إلى مرجع هام للسنيمائيين والنقاد والقراء: (سينما الزمن الصعب، سينما المرأة، سينما، الحقيقة، السينما مازالت تقول لا، سينما المشاعر الجميلة، سينما اليهود «دموع وخناجر»).

ورغم شغفه بالسينما، بدأ علاقته بكتابة السيناريو بدراما التليفزيون، بمسلسل «الآنسة» عام 1979، فيحقق نسبة مشاهدة عالية، وتوالت المسلسلات فقدم بعد ذلك: (من فضلك وإحسانك، الحياة مرة أخرى، حمدلله على السلامة).

وعندما اتجه إلى السينما، أهدى المشهد السينمائى المصرى والعربى قطعة بديعة من الفن الرفيع، فكان فيلمه الأول «زوجة رجل مهم» عام 1988، الذى فاز بعدة جوائز، وبعدها قدم فيلم مشوار عمر، ومستر كارتيه، مع المخرج الكبير محمد خان.

رؤوف توفيق واحد من أهم جيل العمالقة الرواد فقد أثرى حياتنا صحفيًا وسينمائيًا، بالمتعة والصدق، وأخذ بخطانا نحو آفاق الحرية والبهجة والخير والجمال.