دوامات فى صفحة السماء!
سامح أدوار سعدالله
كانَ الجو غائمًا جدًا رغم أن الوقت كان ضحى، اهتزَّت أغصان الأشجار وجريد النخيل العالى , أصبح كطواحين الهواء يتحرك سريعًا بينما هو ثابت فى مكانه، دمعات رقيقة نزلت من السماء العالية تخبر أن هناك رياحًا قوية فى الطريق إلينا ولكن من أى اتجاه؟ نحن لا نعرف سوى الانتظار حتى تظهر الأشياء جلية، نحن لا نعرف مصدر الرياح من أين تأتى من الشمال أم من الجنوب أم من قاع البحر أم من عند السماء ولكن الوضع لا يبشر بالخير أبدا.
ولكن كان عليّ أن أسرع لإبلاغ البقية لأخذ الاحتياط اللازم من عواقب المطر أو هبوب رياح شديدة فلا زالت الصوامع غضة طرية. والقمح منتشرًا فى الحقول والتبن سوف يطير مع الرياح أينما ذهبت. ولكن لو أسرعت لأوقظهم فسوف يهاجمنا الوقت ولا أحد ينقذ شيء، إن ذهبتُ بمفردى لا تنجدنى يداى وحدى ولكن أين هم الآن هل هم لا يشعرون بأى شيء رغم كل هذه الدلالات.
لابد وأن أتخذ قرارى الآن. نعم سوف أجرى إلى مخازنى وصوامعى وآخذ كل التدابير اللازمة وأن تبقى الوقت ذهبت لأخبر الباقين وأقدم لهم يد العون، على أن يبدأوا فى أخذ التدابير , وجريت مسرعًا نحو الحقول وشاهدت أحدهم وأخبرته أن يسرع ويخبر الآخرين لأخذ التدابير، لا زال هناك الوقت لتجميع البشر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ضحك الرجل ويبدو أنه لَم يبال بكلامى، لكن استكملت مسيرى ووجدت الآخرين على نصبة الشاى جالسين ويحتسون القهوة والشاى والشيشة. أخبرتهم كانت ألعابهم وطلباتهم من المشروبات أهم.
لَم أكترث أكثر قررت متابعة الجرى إلى أن بلغت حقولى ومخازنى وفرشت الأغطية على أجران القمح وأكوام التبن ثم ذهبت إلى مخازنى وكانت الصوامع كبيرة وجميلة وجديدة ولكن ماذا أفعل لها كيف أتدبر أمرها.
حاولت قدر الإمكان وضع الحجارة بجوارها لتمنع هجمات الرياح أو هطول المطر الشرس. وتمر بضع ساعات حتى انتهيت من تأمين حقولى وأجران القمح وأكوام التبن وكذلك كنت أتابع المخازن والصوامع الجديدة.
وأخيرا بدأت الرياح تهب خفيفة و تزداد بين اللحظة و الأخرى ولَم تعط الأمطار إشارات أخرى فأحسست بالاطمئنان جدًا وشعرت أن الأمور سوف تسير على ما يرام، لكن انتظرت قليلًا من الوقت و عندما قررت الرحيل بعد أن أرتاح بالى فبمجرد ما أن عرجت إلى أخر الحقل حتى هبت الرياح شديدة وازدادت شدة واكفهر وجه السماء و نزلت الأمطار , لكن لَم تكن قوية ولا مرعبة , لكن الرياح حملت كل الأغطية وطارت بها عاليًا فتناثرت أكوام التبن وذهبت مع الرياح و كانت الرياح أشبه بعاصفة تحمل أسرابًا لا حصر لها من الجراد و اشتدت الأمطار على جرون القمح فصنعت أودية ومجارى مائية بين أجران القمح و غرق القمح وسط الحقول الموحلة وابتلعتها الأرض الموحلة وصرخت الجيران أن يأتوا للمساعدة لَم يتقدم أحد و أنا أتوسل إليهم تعالوا و هم لا يحركون ساكنًا ؛ لكن لمحت فى الأفق فكرة و عرضتها على الفور فقلت تعالوا و خذوا الحنطة ما استطعتم إليها سبيلًا فكلها لكم.
الأفضل أن ننقذ الأرض للعام القادم بدلًا من أن يغرق القمح وتفسد الأرض. تقدم البعض وتراجع الآخرون وظلوا واقفين متفرجين وأنا أتحسر على دمار الأرض، لحظات و أسمع صوت فرقعة مكتومة و أذ بالصوامع الجديدة قد انهارت و المخازن قد دمرت فماذا أفعل؟ الأجران غرقت والصوامع والمخازن هدمت ولَم يكن هناك فرصة، كيف لقد أخطأت فى تقدير المواعيد جددت المخازن الجديدة وهدمت الصوامع الصغيرة القديمة.
شيدت الجديدة، لَم أعن بالمواعيد يا للخسارة كانت المحاصيل وفيرة جدًا فقد اشتريت كل زمام الأرض ولَم يبق للجيران إلا القليل والذين احتفظوا بحقولهم ومخازنهم العتيقة ونجحوا مسبقًا فى تشوين كل محاصيلهم مبكرًا نجوا من هذه الكارثة ولهذا لَم يبالوا. فى الضحى عندما أخبرتهم بقدوم الريح ولكن الأرض الشاسعة الآن أصبحت أوحالًا وأكوامًا من الطين تحوى التبن والقمح والبوص والمخلفات الزراعية صنعت منها تلًا عظيمًا وأغرب ما فى الأمر أن أصبح يمر من خلاله مجرى مائى كانت الأمطار لا تزال تتساقط عليه, هدأت الأمطار التى لَم تكن غزيرة أبدًا وقلت سرعة الرياح التى أعتدنا عليها منذ القدم ولا يشوبها أى تغيير ومرت الأوقات طبيعية جدًا ولازال الفلاحون الفرحون يلعبون عند نصبة الشاى ومنهم من كان يحصد البرسيم للمواشى وآخرون يبتاعون أغراض بيوتهم وأنا هنا أنتظر وأتأمل أن تكون التلال فى أرضيّ الشاسعة وقد حلقت طيور البوم والغربان تصطاد أفواج الفئران الهاربة من صوامعى الجديدة.