الجمعة 9 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صباح لا يعرف القسوة

انفراجة ضوء من بين فكى ليل، أحكم قبضته لساعات، ثم هدأت ثورته وانهارت قواه ليترك مكانه لنهار جديد، صوت زقزقة العصافير تعلن عن قيام دولة الصباح، واحتضار ساعات الراحة ودفء الأسرة، نادل القهوة يرفع الستار عن أول مقيم أتى من بعيد بصحبة ابنته ذات السابعة عشر ربيعًا لتقديم أوراقها الجامعيّة هنا، لتبدأ رحلتها الطويلة تطارد حلمها بعيداً عن مشاغبات صباح لا يعرف القسوة واغتراب الإخوة والأهل داخل البيت الواحد، بعيداً عن أحضان تضفّر شعرها الطويل إلى خًُصل تتداخل بين طيّاتها أحلام وأغنيات تعيد ابتسامة التاريخ إلى سابق عهدها، يبدو أن هذه المدينة مصابة بلعنة طاغية حتى تحاصرها الغيوم وتطفئ أنوارها، وكأن الليل يأبى عليه التنازل عن مُلكه لها، صفير رياح شتوية قادمة من كل مكان، فيعود وجه احتلال الغرباء يعلن قيام دولة يستبد حلفاؤها، أمطار غزيرة تهطل بقسوة وكأنها استفاقت للتو من سكرة نعاس أبدى، تتسارع الخطوات فى كل مكان لتأنس بطمأنينة أرض لم يحاصرها غضب الرياح والمطر، بائع الجرائد وحده يلطم خدّيه، بضاعته لا تتحمل مزيدًا من المطر حتى يسيل حبر الكلمات يلطخ وجه الصفحات وتصبح غير ذى قيمة، كانت اللحظات تتسارع كصافرات الإنذار وقت الحرب، تُخْلى الشوارع من الحُر والسجين من الأخضر واليابس، طفل يصرخ بين ذراعى أمه التى تتعجله للهروب من المطر، معاندًا يريد بعض الحلوى التى وعدته بها، يرق قلبها رغم كل شيء، يغرقها المطر ولكن قلبها مليء بدفء أمومة لا تعرف الخوف لأجل أبنائها، عجوز انحنى تحت مظلّته يعبر الطريق جارًا قدميه، ترتعش أصابعه، ينظر إلى السماء كى تحنو عليه وتوقف دمعات غيومها الهادرة كالسيل، نادل القهوة وقف بعيدًا يصارع بداية يوم شتوى، يفرك يديه أمام ركية النار داخل القهوة، تكسو وجهه حُمرة، يلتفح بشال صوفى كثيف على كتفيه، عادت الطيور إلى أعشاشها غير آسفة، تنتظر انفراجة الضوء من جديد، أعمدة الإنارة يغسلها المطر، ترتعش أجفانها، تترنّح ما بين لحظة وأخرى كمن يطاردها موت تحاول الفكاك من بين براثنه القوية، هدأ المطر بين أحضان السماء كطفل تهدهده أم لينام هانئًا بسحر عوالم أخرى، استرد الضوء مسرح الأحداث ليعود بطلاً فى أبهى أدواره، ينتصر للضعفاء، يقيم دولة للدفء، ترعى حقوق الجميع في حياة آمنة.