لمن كانت هذه الإشارات؟

سامح إدوار سعدالله
نشيط الذهن قوى الملاحظة سريع البديهة. هذه كلها كان يمتلكلها هذا الشاب الأنيق الخلوق جالسًا فى هدوء ووقار على كرسى طويل بالحديقة. لم يكن يشعر بالملل كثيرًا، حيث يقرأ جريدته، ويلعب بجهازه المحمول قليلًا حتى تقترب عودة صديقه. كثيرًا ما كان يقلب نظرته بين الحين والآخر على أشكال الأشجار العتيقة وأغصانها حتى فى وجوه المتنزهين معه فى الحديقة. وربما لم يشغل باله أيضًا مصير اليمامة التى يطاردها ذلك القط المفترس. تعجب من ذلك المشهد؛ فهو لا يأكلها ولا يطلقها وتشعر أنه لا يريد إلا أن يلعب معها. وأخذ يتابع المغادرين والوافدين حتى هلت فتاة مثل البدر معتدلة الطول خمريه البشرة، وجنتاها مشربتان بالحمرة الصافية وعيون سماوية، ظن أنها ليست من بنى جنسه، ولكن لاحظ أن الفتاة مرتبكة ما بين حقيبتها وشنطة يدها؛ فهمّ واقفًا لعله يقدم يد العون، ولكن يتراجع من الخجل ولسان حاله يقول: (ربما تكسفنى أو يكون معها أحد) يتراجع تلك الخطوات التى تقدمها، وخلال هذا جلس دقيقة واحدة ثم قام ذاهبًا إلى دورة المياه، بضعة دقائق وعاد إلى حيث كان يجلس، فوجد شيخًا قد جلس فى نفس مقعده، أشار إليه بالسلام، فأشار هو بالرد. على المقعد الآخر جلست تلك الفتاة التى شاهدها منذ دقائق، جاءت لتجلس أمامه مباشرة، وارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه رغم أنه لا يعرفها، لكن شيئًا مجهولًا كان يفرض عليه التفكير فيها وبقوة. كان يرمقها بقوة لدرجة الملل حتى شرد بعيدًا بتفكيره. إلا أن عينه ما زالت عليها. صوت ضجيج القط مع اليمامة أعاده إلى التركيز مرة أخرى، ثم عاد ببصره لينظر إليها ليجدها مبتسمة، وكان وجهه مقابلًا لوجهها مباشرة. ظن أنها تبتسم له، فأصابه الحرج، واحمرَّ وجهه. نظر يمينًا ويسارًا وللخلف فلم يجد شيئًا. دار عقله.. إذًا لمن كانت هذه الابتسامة؟! عاد لينظر من جديد، ما زالت تبتسم نفس الابتسامة بالإضافة إلى بعض إشارات بيديها إلى أسفل وإلى أعلى، وجميع الاتجاهات، ثم استدارت بوجهها نصف استدارة، والابتسامة لا تزال واضحة جدًا من جانب وجهها. وأخذ يلاحظها منتظرًا أن تعود لوضعها الأول مرة أخرى ليحدد لمن تذهب هذه الإشارات. ولم تغب كثيرًا، وعادت بنفس الابتسامة كذلك نفس الإشارة.
طرح عدة أسباب لتفسير هذه الإشارات !
هل تعانى من اضطراب ما؟
هل هذه الفتاة تعرفنى؟ إذن فمن هى؟
هل معجبة بى بتلك السرعة؟ ولكن استبعد هذا الرأى.
وأخيرًا قرر أن يقطع الشك باليقين. وأن يسالها مباشرة، من تقصد بتلك الإشارات؟ ورغم الصراع القوى بداخله إلا أنه قرر الذهاب إليها ليعرف حقيقة إشاراتها. قام ببطء شديد، محاولاً بكل قوته هزيمة جبنه وخوفه من ذلك المجهول. وأخيرًا حطم كل أسوار الشك والخوف الراكدين داخله. جر رجليه كأنه يمشى فى رمل ووحل، اقترب منها مبتسمًا، لكنه عندما سألها عن تلك الإشارات، وما إن كانت تريد شيئًا منه، انزعجت وأبدت تعبيرات الخوف المندهش. وجرت إلى حيث يجلس وأمسكت يد الشيخ تجذبه برفق تحمل أشياءه، منادية على قطها ثم أخذت دميتها ورحلت.