الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
موارد أكتوبر

موارد أكتوبر

عرفت معنى الموارد البشرية والفكرية والثقافية والأخلاقية والوطنية بالحجة والبرهان. عرفت بالمعايشة معنى أن يكون هناك من يخرج من بيته وهو يحمل روحه بين يديه، يترك أسرته وأبناءه، أو والده ووالدته وهو يعلم علم اليقين أن احتمالات عدم عودته تعادل عودته، بل تفوقها. شرفت بمقابلة عدد ممن ظلوا سنوات طويلة يتركون بيوتهم فى كل مرة لا من أجل أكل العيش فقط، بل من أجلنا جميعًا حرفيًا وفعليًا وليس نظريًا. 



ساقنى عملى لمقابلة عدد من أبطال حرب أكتوبر العظماء والاستماع إلى خبراتهم وقصصهم ومشاعرهم فى تلك الحرب العظيمة. نصر أكتوبر العظيم بئر معلومات وأفكار وطاقة وقود تكفى محتوياته عشرات وربما مئات الأجيال المقبلة. أعلم أن المقارنة بين الأجيال غير عادلة، فلكل جيل مميزاته وعيوبه، وكذلك ظروفه وأحواله التى تؤثر فى نشأته وتكوينه. 

لكن هذا الجيل من المحترمين، رجالًا ونساءً، ممن عاشوا حرب أكتوبر على الجبهة أو حتى خلف الجبهة، ولكن وبها عبر الأهل والأقارب والأبناء والأزواج والمعارف والجيران، لديه ما يحتم علينا الاستفادة منه. 

متعهم الله بالصحة والعافية وطول العمر، ولن أقول إن هؤلاء جديرون بتسجيل وتوثيق ما يحملونه من خبرات عن سنوات ما قبل وبعد حرب أكتوبر، وبالطبع نصر أكتوبر العظيم نفسه، بل أقول إننا نستحق أن نطلع ونستمتع ونورث أبناءنا وأحفادنا ما لدى هؤلاء العظماء من ثروات. 

توثيق نصر أكتوبر العظيم لا يتوقف عند حدود توثيق مجريات المعركة. سنوات ما قبل المعركة، وتحديدًا منذ هزيمة يونيو 1967، وربما ما قبلها من حروب فلسطين واليمن والعدوان الثلاثى جميعها له علاقة بالنصر. والأسر المصرية التى تكبدت عناء تواتر الحروب، التى تعنى الضغط الرهيب على اقتصاد الدولة والمخصصات الموجهة للخدمات والتموين والمواصلات وغيرها. 

الدولة التى تخوض حربًا واحدة فى عقدين تتعثر لعقود بعدها، فما بالك بالشعوب التى تخوض حفنة من الحروب، باسمها واسم آخرين؟! تركيبة نفسية وثقافية واجتماعية تستحق بحوثًا معمقة من قبل متخصص علوم الاجتماع والنفس وعلمى النفس والاجتماعى السياسى لهؤلاء الضباط والجنود وصف الجنود الذين خاضوا حربًا كأكتوبر 1973 فى أجواء كانت ملبدة بغيوم النكسة وتصور ضعف القدرات المصرية مقارنة بالإسرائيلية، ناهيك عن المواقف المسبقة لدول العالم العظمى ونصف العظمى والمرتبطة بإسرائيل لا غيرها.

أتمنى أن يتم توثيق قصص وخبرات وحكايات هؤلاء الأبطال، أطال الله فى عمرهم. هذه الحكايات، ولدى الكثيرين منهم قدرة على السرد تنافس أعتاها حكاء أو قاص، يجب أن تصل كما هى إلى الأجيال الأصغر سنًا. إنها الأجيال التى لا تعتقد أن نصر أكتوبر هو صفحة فى منهج التاريخ وكوبرى يخترق شوارع فى القاهرة ومدينة متاخمة لزايد. لو أردنا لهذا الوطن أن تستقيم أموره، فعلينا بالاطلاع لما لدى الآباء والأجداد بينما هم على قيد الحياة من معرفة وخبرة ووطنية وثقافة وأدب وسمو نستقيها منهم مباشرة.