الإثنين 12 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

باقون على العهد

حكايات من بطولات أهل سيناء

بدو سيناء جزء لا يتجزأ من شعب مصر، عاشوا تحت وطأة الاحتلال، على مدار العصور الماضية، تعرضوا للمخاطر والأزمات، وكانوا دائمًا فى مواجهة المحتل، ودفاعًا عن أرضهم باعتبارها الشرف والعرض.



ويحتفل أبناء سيناء خلال شهر أكتوبر من كل عام، بإحياء الذكرى الخالدة لانتصارات أكتوبر المجيدة، كتاريخ مشرف لكل المصريين.

وكان لبدو سيناء دور عظيم فى التعاون مع الجهات المعنية لإحباط مخططات العدو الإسرائيلى، وعلى رأسها اقتناص سيناء من تحت السيادة المصرية، وإعلان انفصالها كدولة مستقلة تخضع للسيطرة الإسرائيلية.

وخلال فترة حرب الاستنزاف ألقى الشيخ «سالم الهرش» كبير مشايخ قبائل سيناء، كلمات ذهبية أمام وكالات الأنباء العالمية، ومندوب الصليب الأحمر، فى مؤتمر «الحسنة» بوسط سيناء، المنظم بهدف تدويلها فى أكتوبر 1968، والذى عقد بحضور موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلى وقتها، لنقل وقائع المؤتمر عالميًا.

فقال سالم الهرش: «أنتم تريدون سيناء دولة، وإن أعلنت أنها غير مصرية، ستضعون صورتى على الجنيه السيناوى، ولكننى أؤكد لكم أن سيناء بجميع أراضيها، ووديانها، وجبالها، وثرواتها، مصرية خالصة عبر التاريخ، وستظل مصرية إلى الأبد، مؤكدًا أن مشايخ سيناء يرفضون فصلها عن الوطن الأم «مصر» الحبيبة، وأن مشايخ وقبائل سيناء يخضعون جميعًا للقيادة والحكومة المصرية رغم الاحتلال».

وأطلق أهالى سيناء على تاريخ هذا المؤتمر ذكرى «الصمود والتحدي»، فبعد يونيو 1967، توهمت إسرائيل أنها أصبحت فى مأمن، وراحت تبحث عن وسيلة لفصل سيناء عن الجسد المصرى، ومارست على أهل سيناء، الكثير من الضغوط، تارة بالترهيب وأخرى بالترغيب، ساعية وراء تنفيذ مخططها، وهو فصل سيناء عن مصر برغبة أهلها ومشايخ قبائلها، وحاولوا تجنيد الشيخ «سالم الهرش» فى تلك الفترة، لكنه أحبط مخططهم بعد موقفه فى مؤتمر «الحسنة».

 

 

 

 

 

جذور ممتدة

 

وقال الشيخ عيسى الخرافين، شيخ مشايخ قبائل سيناء، إن تعاون أهل سيناء مع القوات المسلحة المصرية له جذور تمتد لآلاف السنين، وواصل: كنت من الجيل الأول الذى جعل المواقع الإسرائيلية كتابًا مفتوحًا أمام الجيش المصرى، ولا يزال هذا التعاون قائمًا رغم تعاقب الأجيال، حيث تتواصل الحرب على الإرهاب، لتجفيف منابعهم، ولم يثننا استشهاد وإصابة السيناوية بجانب أقرانهم من جنود وأفراد القوات المسلحة، عن استكمال دورنا الوطنى تجاه مصرنا الحبيبة، مرتكزين على قيم الولاء والانتماء للأرض.

وتابع الخرافين، رغم بساطة شيوخ عواقل سيناء، وأمية بعضهم، إلا أنهم كانوا جزءًا من خطة مصرية مضادة للعدو الإسرائيلى، وكان أبلغ مثال على ذلك مؤتمر «الحسنة»، الذى كشف من خلاله ما أشاعوه للعالم من رغبة السيناوية الانفصال عن أرض الكنانة، وذلك عندما أثبت ذلك الشيخ «سالم الهرش» أمام الإعلام العالمى الذى أحضره العدو الإسرائيلى لإثبات مؤامرتهم على مصر بالصوت والصورة.

 

 

وأكد على أن كلمة الشيخ سالم «الهرش» وقتها عبرت عن قوة السيناوية، وخاصة عندما قال بصوت جهورى وثبات «إننا مصريون ثلاث مرات، وسيناء أرض مصرية ثلاث مرات أيضًا، ورئيسنا جمال عبدالناصر، ومن أراد أن يتفاوض على الأرض، فليذهب لرئيسنا»، ووصف الشيخ عيسى، شكل موشيه ديان بعد أن سمع تلك الكلمات باصفرار الوجه، وقيامه من على المنصة مهرولًا باقتياد طائرته الخاصة للهروب بأسرع وقت، بسبب صدمته أمام وسائل الإعلام التى أحضرها.

وأكد شيخ مشايخ قبائل سيناء، أنهم باقون على الدرب، حافظون للعهد، مشيرًا إلى أن العام الجارى 2023 شهد قضاء القوات المسلحة على آخر خلية إرهابية، فى «جلبانة» وبتنسيق معلوماتى من أبناء سيناء، مشيدًا بدور المرأة السيناوية فى التنسيق مع الجيش المصرى، وإخفاء أثر القوات عبر قطيع الأغنام الذى تسوقه خلفهم، حتى لا يتتبعهم العدو، فضلًا عن دورها فى توصيل المعلومات المهمة من رجال البدو إلى القوات المسلحة.

 
 

 

 

الشهيد الحى 

 

وأشار الشيخ عيسى الخرافين، إلى محاولات الإرهاب، لطرد كل فرد سيناوى يتعاون مع الجيش، لافتًا إلى محاولة اغتياله فى سبتمبر 2013،  ولذا أطلق عليه الإرهابيون 7 رصاصات، وكان موجودًا فى رفح وقتها، حيث تفاجأ بملثمين يطلقون عليه الرصاص، وأصيب بـ5 منها فى الكتف، وواحدة فى كل من الرقبة والرأس، ولم يغب عن الوعى حتى وصوله إلى المستشفى، وتم نقله بطائرة خاصة للقاهرة، وبعد تحسن حالته تم نقله للإسماعيلية، للإقامة بها وأطلق عليه هناك «الشهيد الحي».

 

 

وتحدث الشيخ عبدالله جهامة، رئيس جمعية مجاهدى سيناء، عن دور أبناء سيناء الذين انخرطوا فى منظمة «سيناء العربية»، كما أطلق عليها الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر»، بعد يونيو 1967، حيث انضم إليها الشباب الذين أصبحوا الآن شيوخًا، وجعلوا من سيناء بانوراما مرئية أمام القيادة السياسية، من خلال الرصد المعلوماتى المتواصل عن تحركات العدو، وتصوير مواقعهم، ومعداتهم، ومركباتهم، ومخازنهم، فى الوقت الذى انتشر فيه رجال المخابرات الحربية فى سيناء، ودربوا شبابها على أساليب متطورة، للاعتماد عليهم فى تنفيذ المهام الموكلة إليهم.

ومن العمليات الناجحة التى تعاون فيها أبناء سيناء، مع القوات المسلحة المصرية، تلك التى نفذها مجموعة الشيخ «حسن خلف»، ودمروا فيها 4 طائرات إسرائيلية، قتل فيها 11 طيارًا عند جبل عتاقة، مستطردًا: نفذ الشيخ حسن العديد من العمليات النوعية، منها نقل الأسلحة للجيش المصرى فى عمق سيناء، حيث الدروب، والأودية، والجبال الوعرة، كما كان يدرب الكثير من شباب القبائل لمقاومة الاحتلال، وحصل على نوط الامتياز من الدرجة الأولى من الرئيس الراحل «أنور السادات».

 

 

 

 

وأكد رئيس مجاهدى سيناء، على الدور الوطنى للمرأة السيناوية فى المقاومة، وحــتى نصـــر أكتوبر 1973، وتـــكريم الدولــة لـ 22 سيدة كانت آخرهن «وداد حجاب»، حيث قامت بنقل المعلومات من خلال الصليب الأحمر، وساهمت فى إخفاء بعض مواقع القوات المصرية.

وأشاد جهامة بدور القوات المسلحة فى حماية شيوخ وشباب وعواقل القبائل، وخاصة بعد 1967، عندما تعمد العدو هزيمتهم معنويًا، وزاد ذلك بعد مؤتمر «الحسنة» المعروف بتدويل سيناء، وفصلها عن مصر، وبعد أن توحدت كلمة شيوخ القبائل، وإحباط المخطط الإسرائيلى، والذى أعقبه توقعات إبادة بدو سيناء على يد العدو الإسرائيلى، إلا أن ما حدث عكس ذلك بفضل القيادة المصرية، وحرصها على حماية الأهالي.

 

 

واستكمل حديثه عن استمرار الانتماء الوطنى لأبناء سيناء، الذين يتوارثونه جيلًا بعد جيل، والتعاون مع القوات المسلحة لمكافحة قوى الشر، التى اجتاحت سيناء بعد حكم جماعة الإخوان الإرهابية، مشيرًا إلى استشهاد ما يقرب من 570 سيناويًا، بالإضافة إلى أبناء القوات المسلحة، والشرطة.

 

عيون ثاقبة

 

أشار الدكتور فوزى فاضل، رئيس اتحاد القبائل المصرية والعربية، إلى دور القبائل السيناوية التى كانت بمثابة الرادارات والعيون الثاقبة، لرصد ونقل تحركات العدو للسلطات المصرية، قبل أن يكون هناك قمر صناعى للاستطلاع، وعايش أبناء سيناء ملاحم تاريخية لا تنسى، ولهم دور كبير فى حرب الاستنزاف وحتى نصر أكتوبر 1973، كما أنهم يتمتعون بقدرات عديدة، ومهارات متنوعة، منها المناورة، وتصوير مواقع ارتكاز العدو، مشيرًا إلى أن القوات المسلحة، هى من كانت تدربهم على كيفية الاختباء، واستخدام كاميرات التصوير بدقة.

 

 

وتحدث فاضل، عن بعض هؤلاء الأبطال، ومنهم «هدهد سليمان» من شمال سيناء، وأطلق عليه أحد الكتاب الإسرائيليين، أنه بشخصه قوة كبيرة فى حد ذاته، فكان «هدهد» من أبرز مجاهدى «منظمة سيناء العربية»، وأفقد جهاز الأمن الإسرائيلى توازنه، وهو ما كان سببًا فى رصده لآلاف الدولارات لمن يدلى بمعلومات عن هدهد سليمان، لما كان يمثله من خطر على أمن إسرائيل، وبعد فترة من المقاومة العنيفة سقط فى يد الموساد الإسرائيلى، حتى عذبه كثيرًا لإجباره على البوح بمعلومات تخص تعاونه مع السلطات المصرية، ولكنه ظل صامدًا حتى قيل أن العدو قطع لسانه.

كما تحدث عن الشيخ «عيد أبوجرير»، الذى كان له دور بارز فى المقاومة المصرية، فبعد يونيو 1967، جمع الأسلحة التى خلفها شهداء الجيش المصرى وراءهم، وخبأها فى مكان سرى حتى أعادها للقوات المسلحة المصرية بعد ذلك، كما درب الشباب السيناوى على تنفيذ بعض المهام داخل إسرائيل، ونجحوا فى الكثير من العمليات الفدائية دفاعًا عن الأرض.

وتعاونت قبائل سيناء مع الجيش المصرى فى حماية الحدود، وأقدمت بعضها على تحركات واسعة منها تنفيذ مهام مثل حمل الذخيرة على ظهور الإبل لعبور خلف خطوط العدو، وتشكلت منهم مجموعات أطلق عليها «مجاهدى سيناء»، شارك فيها قبائل مثل «البياضية»، و«الترابين»، و«السواركة»، و«الروميلات»، وغيرهم.

كما ذكر من العناصر النسائية فى المقاومة السيناوية، السيدة «فهيمة»، وكانت أول بدوية تنضم إلى منظمة سيناء العربية، وحصلت على نوط الشجاعة من الدرجة الأولى، حيث أخفت جنديًا مصريًا من الإسرائيليين، داخل حفرة مغطاة بالقش، وكانت تقدم له الطعام والشراب، كما كانت تأوى الفدائيين فى منزلها، وتنقل التموين للجنود المصريين، وتحمل جهاز اللاسلكى لإرسال المعلومات للجيش المصري.

 

عمليات فدائية

 

شهدت مناطق الجورة، والشيخ زويد، ورفح، مجازر دموية، عندما احتلتها القوات الإسرائيلية، التى قتلت كل من قابلها من المصريين، سواء من الجنود أو المدنيين رجالًا ونساءً وأطفالًا، وشاهد تلك المجازر البطل السيناوى «حسن على خلف»، الملقب بالنمر الأسود، قبل أن يرسله والده إلى بورسعيد خوفًا عليه، إلا أنه التحق بمنظمة سيناء العربية، ليتم تدريبه على يد الجيش المصرى، وكانت أول مهامه هى تصوير المواقع الإسرائيلية فى شمال سيناء، خلف خطوط العدو فى بئر العبد، والعريش، وتوالت عملياته الناجحة، وكانت أهمها ضرب القيادة الإسرائيلية فى العريش، وكانت بها عناصر الموساد وطيارين إسرائيليين.

وفى الوقت الذى كان يقصف فيه الجيش المصرى، النقاط الحصينة خلف خطوط العدو، كان السيناوى الشاب المهندس «موسى رويشد»، ينفذ العديد من العمليات الناجحة فى زرع الألغام أمام المدرعات والعربات الإسرائيلية فى سيناء، حيث كان لديه القدرة على إخفاء الألغام فى أماكن مختلفة يصعب اكتشافها، ولذلك بحث عنه الإسرائيليون كثيرًا ولكنهم فشلوا فى إسقاطه.

أما الشيخ «متعب هجرس»، من قبيلة البياضين، فكان أول الشيوخ الذين استقبلوا الجنود المصريين فى بيوتهم عام 1967، وكان هو ورجاله دليلهم لعبور الضفة الغربية، وانضم للمنظمة العربية، إلى أن وقع فى يد القوات الإسرائيلية، ودفن فى سيناء بعد عام 1977.

أما الفدائى «عودة الويمي»، من قبيلة الترابين، فهو من أبلغ القيادات المصرية عام 1972، بتدريبات القوات الإسرائيلية على عبور مانع مائى عند منطقة سد الروافع بوسط سيناء، كما أرسل بعض الصور التى التقطها للمعدات والمركبات الإسرائيلية، وفى أكتوبر 1973،  أبلغ القوات المصرية، بخروج المركبات واتجاهها نحو قناة السويس لعبورها.