«معركة شدوان».. الطريق إلى النصـر

تعتبر «معركة شدوان» التطبيق الحى لشعار «الجيش والشعب إيد واحدة»، فهى واحدة من أبرز المعارك التى سُجِّلت فى تاريخ البطولات المصريّة.
جاءت «معركة شدوان» بعد إعلان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر مقولته الشهيرة «ما أخذ بالقوة، لا يسترد بغير القوة»، حيث شنت القوات المُسلّحة المصريّة «معارك الاستنزاف» ضد الجيش الإسرائيلى بعد حرب 1967، وهى المعارك التى كانت بمثابة ضربات موجعة للجيش الإسرائيلى، واستنزاف لقواته، ومعداته.

و«شدوان» جزيرة صخرية مُنعزلة، تقع بالقرب من مدخل خليجىّ السويس، والعقبة بالبحر الأحمر، وتبعد عن مدينة الغردقة نحو 35 كم، وعن السويس 325 كم، ومساحتها 70 كم، وطولها 16 كيلو مترًا ويتراوح عرضها بين الثلاثة والخمسة كيلو مترات، وبها فنار مدنى لإرشاد السفن ليلًا لمنع اصطدامها بالشُعَب المُرجانية.
وفى يومىّ 22 و23 يناير عام 1970، استهدفت قوات من الجيش الإسرائيلى خلال العملية التى أطلقوا عليها اسم «رودوس»، احتلال جزيرة شدوان المُتحكّمة فى مدخل خليج السويس، التى تعد إحدى نقاط انطلاق مجموعات المخابرات الحربية، والصاعقة المصريّة، لتنفيذ العمليات الفدائية على مواقع العدو بجنوب سيناء، وهو ما مثّل مصدر إزعاج للإسرائيليين، وكثيرًا ما عمل إبراهيم الرفاعى، قائد المجموعة 39 قتال، من تلك الجزيرة الصخرية، وكان هدف قوات الجيش الإسرائيلى السيطرة على الرادار البحرى، لتأمين الممر الملاحى بخليج السويس.
لا تراجع.. ولا استسلام
بدأت المعركة، التى استمرت نحو 36 ساعة متتالية، فى صباح يوم الخميس 22 يناير 1970، بهجوم جوى غادر وعنيف من الطيران الإسرائيلى على الجزيرة، مستهدفًا القوات المصريّة التى كانت تحرس الفنار، ومساكن بعض المدنيين بالجزيرة، الذين شاركوا فى حراسة الفنار، حيث خصصت القوات المُسلّحة قبل أحداث المعركة عددًا محدودًا من أفراد القوات البحريّة والبريّة لحراسة الفنار.

وواصل العدو القذف الجوى العنيف على الجزيرة لمدة 4 ساعات كاملة، قبل تنفيذ عملية إنزال لكتيبة مظلات تحت الغطاء الجوى عبر مروحية عسكرية فى شمال الجزيرة الخالى من أى قوات مصريّة، وتقدّم جنود الجيش الإسرائيلى بَعد عملية الإنزال فى حماية الستار الجوى، محاولين اقتحام مواقع قوة حراسة الفنار بجنوب الجزيرة، التى رفضت تنفيذ طلب القوة الإسرائيلية بالاستسلام، رُغْمَ التفوّق العددى، والجوى الإسرائيلى.
وببسالة معهودة عن الجنود المصريين، وشجاعة مبهرة، استمرّ رجال الجيش المصرى بالجزيرة فى القتال، وصدّ هجوم القوة الإسرائيلية، ونجحوا رُغْمَ قلة عددهم، وعتادهم، فى وقف التقدُّم الإسرائيلى، ومنعهم بالقوة من احتلال مواقع الحراسة، وتسليم الجزيرة، وكبّد رجالنا البواسلُ العدوَّ خسائرَ فادحة بصفوفه لم يكن يتوقعها عند بداية هجومه، وأجبروهم على تعليق الهجوم فى تمام الواحدة ظهر اليوم نفسه.
استأنفت القوة الإسرائيلية تقدُّمها البرى فى الجزيرة فى تمام الثانية من مساء اليوم نفسه، تزامنًا مع مواصلة القذف الجوى العنيف، ولكن القوات المصريّة واصلت التصدّى للهجوم باستماتة، حتى وصل الأمر إلى حد الاشتباك المباشر بين أفراد القوتين، فاستخدم جنودنا السلاح الأبيض، ما تسبب فى إيقاع خسائر بشرية بين صفوف القوة الإسرائيلية، حيث اعتادت إسرائيل القتال من خلف معدات ثقيلة، معتمدة على كفاءة الأسلحة، وخوفها من مهارة المقاتل المصرى فى عمليات الاشتباك المباشر.
واستمرّ القتال طوال ساعات نهار الخميس، وقُدّرت خسائر العدو الإسرائيلى بأكثر من 50 قتيلًا وجريحًا حتى مساء اليوم نفسه، فيما قام جنودنا من القوات البحرية ببطولات وتضحيات نادرة لتدعيم قوة الجزيرة رُغْمَ القصف الإسرائيلى المستمر.
ومع حلول الليل حاول العدو منع إمداد قوة الجزيرة عبر البحر، وألقت طائرته مشاعل تجاه مواقع قوة الحراسة بالجزيرة لمساعدة قواته البريّة فى استهداف الجنود المصريين، قبل أن تتدخل القوات الجويّة المصرية، وتقصف مواقع العدو، ومركز قيادته بالجزيرة، وتُكبّده خسائر فادحة فى المعدات والأرواح، وتنجح وحدات الدفاع الجوى المصرى فى إسقاط طائرتين للعدو، من طرازىّ «ميراج» و«سكاى هوك».
صدمة إسرائيلية
تواصلَ القتال فى اليوم التالى الجمعة 23 يناير، حتى أجبرت القوة المصريّة أفراد الجيش الإسرائيلى على الانسحاب ظهر اليوم نفسه، خصوصًا بعد التعزيز بجنود من القوات البحرية المصريّة.
وأسفرت المعركة عن استشهاد وجرح 80 مصريّا من العسكريين، والمدنيين، وأدّى أبناء محافظة البحر الأحمر دورًا بطوليّا عظيمًا بتوصيل الذخائر والمؤن والأسلحة فى مراكب الصيد من شاطئ الغردقة إلى جزيرة شدوان.
وكان الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية فى حرب أكتوبر، قائد القوات المصرية بقطاع منطقة البحر الأحمر وقت المعركة، وضع حينها خطة لمقاومة تسللات القوات الإسرائيلية فى مناطق البحر الأحمر.
الهزيمة الكبيرة غير المتوقعة، التى تكبّدتها القوات الإسرائيلية فى تلك المعركة بفضل بسالة جنود الجيش المصرى والتى اضطرتها للانسحاب دون تحقيق الهدف باحتلال الجزيرة، تسبب فى صدمة كبيرة لدى الإسرائيليين، فترددت الأكاذيب عن المعركة على صفحات الصحف الإسرائيلية، من بينها اختلاق قصة «انفجار الألغام»، والادعاء بأن هدف المهمة تمثّل فى أسْر الجنود المصريين، وليس احتلال الجزيرة.


لكن.. يبقى الانتصار فى هذه المعركة، إحدى الملاحم البطولية التى سطَّرتها دماء المصريين والتى تحتفى بها محافظة البحر الأحمر فى يناير من كل عام، عيدًا قوميًا للمحافظة.