الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

سفاح الجيزة.. الدراما أهم من البطل

صنع مسلسل «سفاح الجيزة» الذى عرض مؤخرًا حالة من الجدل بين مشاهديه، فقد كتبه السيناريست محمد صلاح العزب برؤية فنية مستوحاة عن قصة حقيقية فريدة من نوعها فى تاريخ الجرائم المصرية. وأشار السيناريست محمد صلاح العزب فى مطلع حديثه لمجلة «صباح الخير» إلى أنه تابع قضية سفاح الجيزة من البداية حتى وصل لتحليله النفسى وعلاقته بالآخرين وبأهله مما جعله يرى أنه شخصية درامية ثرية ستجذب الجمهور كثيرًا، وتم العمل على المُسلسل منذ عام 2020 إلى أن تم عرضه مؤخرًا على إحدى المنّصات الرقمية.



وأوضح أن سفاح الجيزة يُعد أول مجرم متفرد سابق أوانه فى تاريخ الجريمة المصرية، فـ«ريا وسكينة» لهما روايات عديدة وليس هناك إجماع على إدانتهما، عكس سفاح الجيزة فهو قاتل جلس سنوات طويلة يُخطط لجرائمه وضحاياه، وظل يتهرب من العدالة بطرق ذكية، وقد انتحل شخصيات كثيرة.

يضيف «العزب» أن الهدف من كتابة مسلسل «سفاح الجيزة» هو الهدف من الفن بشكل عام، فالعمل لا يُقدم رسالة وعظية ولا أخلاقية، قائلا: «هذا ما قصدته أن يخلو العمل من الرسائل، فمن الضرورى والمُفترض خلو الفن من تقديم رسائل أخلاقية وهى أن الكذب حرام والخير حتما سينتصر على الشر».

 

 

 

تفصيل الكتابة للبطل

وفيما يتعلق بكتابة العمل خصيصا للفنان أحمد فهمى،  أكد مؤلف العمل أن السيناريو كُتب بشكل مجرد، فمعرفته ببطل العمل لم تؤثر على كتابته فى شىء، فقد كُتب باعتباره يجسد قصة سفاح الجيزة أو مستوحى من أحداثه، وإن كُتب لأى فنان آخر فسيُكتب بنفس الطريقة لأن الدراما هى الأهم وليس الفنان الذى سيقدمها.

وحول ترشيحات الجمهور لنجوم آخرين لتقديم شخصية «السفاح»، قال محمد صلاح العزب: إن الفنان أحمد فهمى قدَّم الدور بنسبة نجاح 100 % واستطاع أن يقدم الشخصية من منطقة مختلفة وجديدة عنه تمامًا، مؤكدًا أن فهمى غيّر جلده ومثّل فى «سفاح الجيزة» بشكل مختلف عن كل ما قدمه من قبل، وهذا نجاح كبير يُحسب له.

 

وتابع: «لم نصرِّح من قبل أن العمل وثائقى أو تسجيلى عن سفاح الجيزة حتى نعود وننفيه بعد تصريحات أهل السفاح فى أحد الحوارات الصحفية، وما ذكرناه من البداية ما زلنا نقوله حتى الآن ومكتوب أيضًا على تتر العمل، وهو أنه مستوحى من قصة حقيقية، وهذا يعنى أن الأحداث مستوحاة من قصة حقيقية لكن هناك أحداث خيالية بحكم أننا نُقدم عملا دراميا وليس توثيقيا ولا تسجيليا.

وفى السياق ذاته، أشار المؤلف إلى أن المقارنات بين القصة الحقيقية والعمل الدرامى المُقدم أمر طبيعى ويحدث فى كافة الأعمال المستوحاة من الواقع، فالجمهور يُحب دائما المقارنة ولا يمكن حجب رغبة الجمهور، مضيفا: «ولكن المطلوب منا كصُناع العمل أن نوضح لهم بعض الأمور ثم لهم مطلق الحرية بعد ذلك، فهذه هى طبيعة التلقى لدى الجمهور ولا يستطيع أحد أن يحجر عليه».

كما شدّد محمد صلاح العزب على أن المغزى الدرامى لشخصية والدة السفاح ليس لتكون مبررًا لتصرفاته الإجرامية، فالقتل ليس له مبرر، وهناك فرق بين المُبرر وتحليل الحالة النفسى،  فقد حللنا شخصيته ولماذا خرجت شخصيته الإجرامية بهذا الشكل، ولكن هذا لا يُعطيه الحق فيما فعله، فسفاح الجيزة ليس مريضًا نفسيًا، ولكنه حالة نفسية لديه ترسبات نفسية مثلنا جميعًا، فنحن بشكل أو بآخر لدينا حالات نفسية مُختلفة، منها ما يصل للدرجة المرضية ومنها ما لا يصل لها.

توحد الجمهور

وحول تفصيلة الطبخ وحُب بطل العمل لها، أشار مؤلف «سفاح الجيزة» إلى أن هذه التفصيلة سببها أن بطل العمل شخص غرائزى يُحب الأموال والسيدات وينصب على الكثير منهن، فوجدت أن هذه التفصيلة تكملة للشخصية الغرائزية وأنه يُحب الأكل وبشكل محدد وبشراهة كبيرة، لذلك جعلته يحب الأكل ويتفنن فيه كما يتفنن جرائمه.

وأشار إلى أن سبب تواجد مشاهد القتل والدماء بكثرة فى العمل هو أن المسلسل يُقدم دراما مصرية شعبية تتناول الجريمة بشكل محدد، وقد تطلب هذا الأمر ظهور بشاعة ودموية كثيرة لأنه عمل درامى عن سفاح كل جوانب حياته جيدة بخلاف القتل، فإذا لم نظهر جزئية القتل فإن الجمهور سيحبه كثيرًا.

 

أضاف: «الجمهور يُحب المجرم فى أوقات كثيرة، فعندما يكون هناك نصّاب فى عمل فنى يتم القبض عليه فى نهايته، نجد أن الجمهور يتمنى أن يهرب من العدالة، فالمشاهد سواء فى مصر أو خارجها لديه فكرة التوحد مع بطل العمل سواء كان إنسانا جيدا أو سيئا، وهو ما حدث فى (سفاح الجيزة)، وهذا النجاح يُنسب لأحمد فهمى فقد استطاع أن يجعل الجمهور يتوحد معه ويحبه، رغم أنه يُقدم شخصية سفاح فهناك أشخاص تواصلوا معى ويقولون لى (لا تجعل الخير ينتصر على الشر)، ففى مجتمعنا لدينا كافة الأنماط».

وعن ارتباط بطل العمل بموال غنائى للمطربة الشعبية بدرية السيد، يسمعه السفاح قبل جرائمه، أكد السيناريست محمد صلاح العزب على أن اختيار الأغانى والموال تحديدًا كان مقصودًا، فالموال كان يسمعه فى طفولته ومرتبطا بواقعة حدثت له وهو طفل صغير، ويسترد هذه الحالة أثناء ارتكابه للجرائم من خلاله، لأنه يُمثل له الحالة التى ترجعه لما كان عليها فى طفولته، فمن ضمن الاهتمام فى بناء شخصية السفاح كل ما يتعلق به بداية من نغمة هاتفه المحمول وصولا لتركيبته الثقافية وأكلاته المُفضلة، فكل ذلك جاء من رسم الشخصية.

 

 

 

 

شخصيات مرهقة

وخلال حديثه لمجلة «صباح الخير» أعرب محمد صلاح العزب عن سعادته بالجدل الذى حققته شخصية «زينة» التى قدمتها الفنانة ركين سعد، قائلا: «سعدت كثيرًا بالجدل الذى حدث حول شخصية زينة، فهى شخصية شديدة الأصالة سواء فى القصة الحقيقية أو القصة المستوحاة، فكانت أكثر شخصية عليها علامات استفهام وألغاز كثيرة، فقد استحقت كل هذا الاهتمام والاحتفاء الذى حدث وتستحق أن تكون من الشخصيات الأساسية فى العمل».

وبسؤاله عن الشخصيات التى أرهقته فى العمل، لفت إلى أن أكثر الشخصيات إرهاقًا له فى التقمص لكتابتها كانت شخصية السفاح، قائلا: «التوحد مع حالته النفسية حتى تكتب بشكل صحيح ونرى دوافعها ومبرراتها وكيف يُفكر وبماذا يدعو وهو يُصلى فهذا التوحد كان مؤلما ومؤذياً نفسيا بالنسبة لى،  ومن الشخصيات التى أحببتها هى شخصيات الضحايا وهن الفنانة ميمى جمال وجيهان الشماشرجى وريم حجاب، فأدوارهن رغم أنها ظهرت واختفت سريعا فإنها أثرت فى الجمهور».

وعن تفاعل الجمهور مع العمل وأحداثه فى قالب كوميدى، فقد تحول الأمر لكوميديا سوداء، يُشير «العزب» إلى أن هذا هو طبيعة المصريين فهم يستطيعون تحويل أى كارثة لكوميديا، وهذا ما يُميز هذا الشعب وتميز تلقيه للأعمال الفنية وفى النهاية هذه الكوميديا السوداء تُعد نجاحا للعمل.

واختتم السيناريست محمد صلاح العزب حديثه لمجلة «صباح الخير» بأنه توقع نجاح العمل ولكن ليس بهذا الشكل، فهذا النجاح الكبير فضل وتوفيق من الله ولا يستطيع أحد توقعه. كما أنه ليس له خلطة يقوم بها الصُناع فيضمنوا تحقيقه، ولكن ما فعله ككاتب أنه وضع العناصر التى رأى أنها جاذبة للجمهور وستنال إعجابه وتقديم دراما متماسكة، وترك الباقى لتوفيق الله سبحانه وتعالى، فجميع مُحركات البحث المُتصدر فيها أن الجمهور يبحث عن قصة سفاح الجيزة الحقيقية بعدما شاهدوا العمل، وهذا البحث مفيد جدا ويُعد نجاحًا كبيرًا للمسلسل.