الأحد 5 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

التنصت على المحيطات أيضا!

بروفيسور سيمبسون
بروفيسور سيمبسون

تحت سطح المياه، هناك ضجة عارمة تجتاح المحيطات. فهنالك العديد من الهمهمات والنقرات والنباح التى يصدرها أنواع كثيرة من المخلوقات البحرية وتشكل المشهد الصوتى لعالم المحيطات والبحار. 



هو عالم خفى وغيبى لا يعى عنه الإنسان شيئًا مطلقًا.

وبعد أن أصبح هذا العالم غامضًا خفيًا آلاف السنين أصبح الآن ممكن التنصت على تلك الأصوات البحرية من خلال التسجيلات الصوتية التى قام بها الباحثون للحياة البحرية.

 للمخلوقات البحرية لغة وكلام.. وأصوات والنظريات الحديثة تشير إلى أن الصوت أداة حيوية للغاية للكثير من المخلوقات البحرية من أجل النجاة داخل المحيطات.

والحياة فى المحيطات تمتد إلى عدد محدود من مئات الأقدام تحت سطح المياه. أما الصوت فيمكن أن ينتقل أبعد وأسرع فى المياه أكثر من سرعته فى الهواء.

 

 

 

 

وعلى سبيل المثال، هناك بعض الأصوات ذات الترددات المنخفضة التى يصدرها الحيتان يمكنها أن تقطع مسافات هائلة تصل لآلاف الكيلومترات عبر كامل أحواض المحيطات الشاسعة.

يعتقد العلماء أن 10 % فقط من الكائنات البحرية تم اكتشافها فقط، ولايزال هناك نحو مليونى نوع آخر لم يتم اكتشافها بعد، وفيما تغطى المحيطات ثلثى الكرة الأرضية. فهى تلعب دورًا حيويًا فى دعم الحياة على كوكبنا. بدءا من الهواء الذى نستنشقه، مرورًا بالطعام الذى نتناوله، وحتى المناخ ودرجات الحرارة المختلفة. ورغم ذلك، لاتزال هناك فجوة هائلة فى معرفتنا.. حيث يرى العلماء أنه تم اكتشاف 10 % فقط من المخلوقات البحرية، ولايزال هناك مليونا نوع آخرين لم يُكتشف بعد.

وفيما الحياة البحرية يتم تدميرها بواسطة الصيد الجائر والتلوث وتغيرات المناخ فيمكن القول إن ندرة المعرفة الجيدة بعالم البحار والمحيطات، يجعلها من أكبر العوائق أمام العلماء لاستعادة التنوع البيولوجى البحرى.

لكن العلماء استطاعوا خلال السنوات القليلة الماضية التوصل إلى تقنيات جديدة- معتمدين فى ذلك على الذكاء الاصطناعى- من خلالها تمكنوا من التنصت على أصوات المحيطات بصورة لم يعهدوها من قبل.

وساعدتهم التسجيلات الصوتية لبعض من الكائنات البحرية المعروفة بالفعل فى رصد تغيرات النظام البيئى للمحيطات بسبب تغيرات المناخ والتأثيرات البشرية والأصوات والترددات المختلفة التى تصدرها الكائنات تحت المحيطات والبحار.

مؤخرا قالت «بى بى سى فيوتشر» إن بعض الباحثين استطاعوا رصد أصوات المحيطات، وقد تم إثبات أن جميع الثدييات من الـ250 ألف فصيلة بحرية يصدرون أصواتًا واضحة. إضافة إلى أكثر من من 100 فصيلة لافقارية و1000 فصيلة من الأسماك يصدرون أصواتًا خاصة بهم.

لغة الأسماك

الجديد كما قالت الأبحاث الحديثة إن للأسماك لغة.. وإنها هى واللافقاريات تعتمد على لغة ما فى حياتها الأساسية.

فعلى سبيل المثال، تستخدم يرقات المحار الصغيرة الصوت من أجل إرشادها للشعاب المرجانية الصحية. وهنالك فصائل الحيتانيات- كالحيتان والدلافين وخنازير البحر – التى تستخدم منذ ملايين السنين مُركبات صوتية مختلفة من أجل مساعدتها فى الإبحار والتواصل مع بعضها البعض والتزاوج.

واستخدم الباحثون أدوات تسجيل تحت الماء تسمى بالهيدروفونات. فهى وسيلة منخفضة التكلفة، من أجل رصد الحياة فى البيئات البحرية الأكثر ظلامًا فى أعماق المحيطات والبحار.

 

 

 

 

ويمكن ترك الهيدروفونات لعدة أيام وأسابيع فى المياه فى المرة الواحدة. مما تمكن العلماء من التعرف بصورة حقيقية على سلوك الحياة البحرية وحركاتها واستجاباتها للتغيرات البيئية.

حسب البروفيسور ستيف سيمبسون، أستاذ علم الأحياء البحرية والتغير العالمى بجامعة بريستول البريطانية: «إذا ركزنا أثناء الغوص، يمكننا سماع الحيوانات فى كل مكان حولنا. ولكن عندما نضع ميكروفونًا تحت الماء فى الشعاب المرجانية، فإنها تنبض بالحياة، مما يمنحنا بعدًا جديدًا بشكل كاملٍ».

ويستمر البروفيسور سيمبسون قائلًا إن الهيدروفونات فى البداية كانت باهظة الثمن للغاية. ولكن انخفض ثمنها خلال العقد الماضى، وأصبح بإمكان الباحثين أن يضعوا ما يتراوح بين 20 أو 30 هيدروفونًا.

وأصبح هناك الآن الآلاف من المسجلات تحت الماء فى جميع محيطات العالم. وشهدنا هذا العام، أول تعاون عالمى فى تسجيل الصوت تحت الماء.

فى يونيو الماضى، شارك علماء من أنحاء العالم فى دراسة عالمية للصوت البحرى خلال يوم الرصد الصوتى الخفى لمحيطات العالم.

خلال الدراسة، قارن الباحثون أصواتا من أكثر من 250 موقعًا. وقاموا بتكوين مقطع للمشهد الصوتى لمحيطات العالم فى لحظة واحدة.

لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل كان هناك تدافع يمكن تسميته بـ«التدافع الذهبى» لعمل أبحاث حسية أخرى.. حيث لاحظ الباحثون كيف أن المخلوقات البحرية تستخدم كل شىء بدءا من الروائح البوصلات الشمسية والقمرية لمساعدتهم فى الإبحار داخل عالمهم.

ضوضاء أكثر

توصل الباحثون إلى أن منطقة الشعاب المرجانية الصحية من أكثر المناطق التى تعج بالضوضاء فى المحيطات.

عودة للبروفيسور سيمبسون الذى قال: «عندما ننصت للشعاب المرجانية فإننا نسمع العديد من الفصائل البحرية فى آنٍ واحد.. فالمشهد الصوتى هو سجل صوتى للكائنات البحرية، فهى أداة قوية للغاية لنا لقياس مدى التنوع البيولوجى».

ففى أحد التسجيلات الصوتية تحت الماء للشعاب المرجانية، كانت هناك صوت طقطقة الجمبرى (الجمبرى). وهو صوت ينم عن الشعاب المرجانية الصحية. ولكن تلك الطقطقة اختفت عندما تهدم جزءا كبيرا من الحاجز المرجانى فى إحدى المناطق عام 2016.

بدأ البروفيسور سيمبسون عمله البحثى فى عالم المحيطات منذ أكثر من 25 عاما، ورغم ذلك يرى أنه لايزال هناك الكثير لم يتم معرفته بعد.

تعيش الأسماك البالغة على الشعاب المرجانية، ولكنها تطلق البيض واليرقات فى المحيط المفتوح لتتطور وتنمو فيه. ومن ثم تعود تلك اليرقات إلى مسكنها فى الشعاب المرجانية وبالأخص نفس الشعاب التى انطلقت منها لتضع البيض بعيدًا.

 

 

 

يتعجب البروفيسور قائلًا: «ولكن كيف؟ ما نوع هذا العالم الحسى الذى يعيشون به ويسمح لهم باختيار أين ومتى يريدون أن يجعلوا شعاب مرجانية ما مسكنهم؟ هل يتكلمون ويوجهون بعضهم للمغادرة أو السكوت؟! هذا يعد لغزًا حقًا.

الدامسل

هنالك السمكة الآنسة والمعروفة بـ«الدامسل»  التى تنتشر فى معظم الشعاب المرجانية، ففصائلها المختلفة يتم الاستدلال بها كمؤشر للشعاب المرجانية وإذا ما كانت صحية أو متدهورة. فالأصوات المختلفة التى تصدرها الفصائل المتنوعة لسمكة الدامسل يمكنها أن تساعد الباحثين فى معرفة الكثير عن صحة النظام البيئى على الشعاب المرجانية وتحت الماء، ساهم الصيد الجائر للمفترسات المتوسطة مثل سمك النهاش والهامور فى زيادة أعداد أسماك الدامسل الآكلة للعشب والذى تقوم بعض فصائل منها بقتل الشعاب المرجانية من أجل إنماء الطحالب. لذا، عند سماع الأصوات التى تصدرها أسماك الدامسل بكثرة، هنالك سنعرف أن الشعاب المرجانية مهددة بالخطر».

وتستخدم سمكة (الرقيب) وهى أحد فصائل (الدامسل) الصوت أيضًا من أجل حماية بيضها الذى تضعه على الشعاب المرجانية ضد أى عدوان، من خلال إصدار صوت بحك الأسنان وينتج الصوت صدى مضاعف من خلال الارتداد بمثانتها الهوائية. لينتج فى النهاية طقطقات ونقرات. ويصاحب هذا الصوت سلوك عدوانى أو يلوح به لدرء الهجمات المحتملة.

فيما يطلق ذكر سمكة الدامسل أصواتا توددية من أجل التزاوج تسمى بـ «قطار النبض».

وتمكن العلماء أيضًا من الربط بين الأصوات المختلفة لنوع واحد، فهى ليست مؤشرًا لوجودها فقط، بل أيضًا لسلوكياتها المحددة.

وركز الباحثون على الأصوات التى تصدرها أسماك المهرج لفك شفرة اللغة الصوتية التى تستخدمها لرعاية بعضهم البعض، وضرب بعضهم البعض، وجذب أقرانهم، ورعاية الأسماك الصغيرة وتوجيهها.