الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قصص من دفاتر قديمة

حكايات منسية من حياة فارس الرومانسية

ريشة: جون مراد
ريشة: جون مراد

فى كتاب «بين أطلال السباعى» للكاتبة والمترجمة خميلة الجندى، الصادر عن دار ريشة، تناولت الكاتبة جوانب مهمة من سيرة الأديب الراحل «يوسُف السّباعى»، منذ طفولته فى حى السيدة زينب، ثم انتقاله إلى «شبرا»، مرورًا بالتحاقه بالكلية الحربية، وإسهاماته فى «سلاح الفرسان»، إضافة لإسهاماته الثقافية والدبلوماسية فى العقدين الخامس والسادس من القرن الماضى. 



مع هذا الكتاب، تتوقف «صباح الخير» من خلال حلقات مسلسلة، عند أحد أبرز الأدباء الذين أسهموا فى تغيير وجه الفن فى مصر والوطن العربى، «يوسف السباعى»، ذلك الكاتب الذى شغل الحياة الثقافية فى مصر روائياً وقاصاً وكاتباً مسرحياً، ثم كاتباً صحفياً، إضافة لتوليه العديد من المناصب الشرفية والسياسية التى زادت قوته، ووصلت إلى الذروة بتعيينه وزيرًا للثقافة.  

 

 

 

 

«السباعى» على أفيش الأفلام

 

علاقة يوسُف السِّباعى بالسينما طويلة كعلاقته بالكتابة فهو مشهور بقلمه، وابتلعت السنين حقيقة أن قلمه امتد ليكتب للسينما لا للأدب فقط. ويكتب القصة السينمائية، والحوار السينمائى، والسيناريو، أو حتى يُقرض السينما شيئًا من أفكاره.

أسهم يوسُف السِّباعى على مدار رحلته مع الشاشة فى أعمال مهمة فى تاريخ السينما المصرية، بعضها انضم لقائمة أهم مئة فيلم سينمائيًّا، والبعض الآخر ترك فى نفس المشاهد أثرًا دائمًا، واستمر مُحببًا لدى الجمهور جيلًا بعد جيل.

 رغم مشاركته المثمرة فى السينما كان ليوسُف رأى ثابت؛ أن الأفضل للمخرج أن يقتبس الفيلم عن رواية، لأن بناء حبكة الرواية يتشابه مع بناء حبكة الفيلم، فيسهل على المخرج عمله وتخيُّل أحداثه.

وله رأى آخر فى السينما؛ أن إعادة إنتاج القصة أحيانًا ما تكون عملية مفيدة، شبّهها بكتاب يُطبع فى طبعة جديدة منقحة، وهذه الفائدة يعزوها إلى تطور أساليب صناعة السينما، فتُهيئ إعادة الإنتاج بيئة نجاح أكبر للعمل، وتوفر للقصة فرصة جديدة لتصل إلى الجمهور مكتملة الأركان.

 

 

 

 أسهم يوسُف فى السينما بإنتاج غزير على مدار ثلاثة عقود، ما كتبه مباشرةً للسينما ما يلى:

فيلم «جميلة»، قصة  نضال الجزائرية جميلة بوحيرد، إنتاج عام 1958 إخراج يوسُف شاهين، أَعدّ السيناريو والحوار يوسُف السِّباعى ونجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوى وعلى الزرقانى، إنتاج «أفلام ماجدة». حلّ الفيلم فى المرتبة الرابعة والخمسين فى قائمة أفضل مئة فيلم مصرى فى القرن العشرين.

لمرة ثانية أسهم يوسُف فى الأفلام المقتبسة من قصص نضال تاريخية، هذه المرة مع فيلم «وا إسلاماه». إنتاج عام 1962، إخراج إنريكو بومبا، وأندرو مورتون، وشادى عبدالسلام، وإنتاج مشترك بين مصر وإيطاليا. عالج يوسُف السِّباعى القصة التاريخية، وتشارك نجيب محفوظ ووجيه نجيب وعلى الزرقانى وعبد الرحمن الشرقاوى فى كتابة السيناريو والحوار.

التعاون الثالث بين يوسُف السِّباعى ونجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوى كان فى فيلم «الناصر صلاح الدين»، إنتاج عام 1963. أخرج الفيلم يوسُف شاهين وأنتجته «آسيا». كتب يوسُف السِّباعى القصة والحوار، وتشارك عبدالرحمن الشرقاوى ويوسف شاهين فى كتابة السيناريو. وجاء دور نجيب محفوظ وعز الدين ذو الفقار ومحمد عبدالجواد فى علاج القصة. وحل الفيلم فى المركز الحادى عشر فى قائمة أفضل مئة فيلم مصرى فى القرن العشرين.

 

 

 

الأفلام الاجتماعية

أما  الأفلام الاجتماعية فيمكن استعراضها بتسلسل زمنى: «شارع الحب»، إنتاج عام 1958 إخراج عز الدين ذو الفقار، إنتاج «حلمى رفله»، قصة وسيناريو وحوار يوسُف السِّباعى، بطولة عبد الحليم حافظ وصباح، وقد حاز الفيلم على إعجاب النقاد والمشاهدين.

ثم «شباب اليوم»، إنتاج 1958، إخراج محمود ذو الفقار، إنتاج «أفلام بديع صبحى»، قصة وسيناريو وحوار يوسُف السِّباعى، بطولة مريم فخر الدين ومحمود المليجى.

تلاه «بهية»، إنتاج 1960، إخراج «رمسيس نجيب» وإنتاجه، سيناريو وحوار يوسُف السِّباعى، بطولة لبنى عبدالعزيز ورشدى أباظة وحسين رياض.

ثم «غرام الأسياد»، إنتاج 1961، إخراج «رمسيس نجيب» وإنتاجه، قصة يوسُف السِّباعى، بطولة لبنى عبد العزيز وأحمد مظهر وعمر الشريف، وناقشت قصته فكرة الفروق الاجتماعية والعقبات التى لا يمكن أن يمحوها الحب.

وفى العام نفسه فيلم «موعد مع الماضى»، إخراج محمود ذو الفقار، إنتاج «أفلام الهلال»، سيناريو وحوار يوسُف السِّباعى، بطولة مريم فخر الدين وصلاح ذو الفقار.

ثم «بقايا عذراء»، إنتاج 1962، إخراج حسام الدين مصطفى، إنتاج «ماجد فيلم»، قصة إسماعيل الحبروك، سيناريو وحوار يوسُف السِّباعى، بطولة مريم فخر الدين وشكرى سرحان وزكى رستم.

وفيلم «الليلة الأخيرة»، إنتاج 1963، إخراج كمال الشيخ، إنتاج جمال الليثى، سيناريو وحوار يوسُف السِّباعى، بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر ومحمود مرسى.

وفى عام 1966 فيلم «شيء فى حياتى»، إخراج هنرى بركات، إنتاج منير حلمى رفلة، سيناريو وحوار يوسُف السِّباعى، بطولة فاتن حمامة وإيهاب نافع وسمير صبرى.

ثم «اللقاء الثانى»، عام 1967، إخراج حسن الصيفى، إنتاج «آسيا»، قصة يوسُف السِّباعى، بطولة سعاد حسنى وأحمد مظهر.

وفى 1973 «عاشق الروح»، إخراج أحمد ضياء الدين، قصة وسيناريو وحوار يوسُف السِّباعى، بطولة نجلاء فتحى وحسين فهمى.

ثم «مولد يا دنيا»، عام 1975، إخراج حسين كمال، إنتاج «صوت الفن»، قصة وسيناريو وحوار يوسُف السِّباعى، بطولة محمود ياسين.

 

 

 

تلاه فيلم «حتى آخر العمر» فى العام نفسه، إخراج أشرف فهمى، القصة السينمائية والحوار يوسُف السِّباعى، بطولة محمود عبد العزيز ونجوى إبراهيم وعمر خورشيد.

و«وادى الذكريات»، إنتاج عام 1978، إخراج بركات، إنتاج شركة «مراد فيلم»، إعداد سينمائى وحوار يوسُف السِّباعى، بطولة شادية وليلى فوزى ومحمود عبدالعزيز.

وفى العام نفسه «امرأة بلا قيد»، إخراج بركات، عن المسرحية العالمية «كارمن»، سيناريو وحوار يوسُف السِّباعى.

على أغلفة الكتب

أما الروايات والقصص التى كتبها يوسُف السِّباعى وتحولت إلى أعمال سينمائية أو تليفزيونية أو إذاعية فزاد عددها على خمسين عملًا. أشهرها رواية «أرض النفاق» التى تم تحويلها لفيلم بطولة فؤاد المهندس وشويكار وأخرجه فطين عبد الوهاب وعُرض عام 1968، واقتُبس عنه فكرة فيلم «أخلاق للبيع» الذى عُرض عام 1950 وكتب السيناريو والحوار أبو السعود الإبيارى. ثم أعادت شركة «العدل جروب» إنتاجه لمسلسل تلفزيونى بطولة محمد هنيدى وهنا شيحة وعُرض فى رمضان 2018.

وتحتل رواية «السقا مات» التى تحولت إلى فيلم أخرجه صلاح أبو سيف وعُرض عام 1979 المرتبة الحادية والثلاثين فى قائمة أفضل مئة فيلم مصرى.

ورواية «بين الأطلال» التى تم تحويلها لفيلم يحمل نفس العنوان بطولة عماد حمدى وفاتن حمامة وإخراج عز الدين ذو الفقار وعُرض عام 1959. حيث احتل الفيلم المرتبة الثالثة والسبعين بين أفضل مئة فيلم مصرى. كما أُعيد إنتاج الرواية تحت عنوان «اذكرينى»، وأخرج الفيلم هنرى بركات، بطولة نجلاء فتحى ومحمود عبد العزيز، وعُرض عام 1978.

وقال يوسُف السِّباعى فى أحد لقاءاته الأخيرة إن محمود عبد العزيز قرأ الرواية أكثر من أربع مرات وتواصل معه أكثر من مرة لمناقشته فى تفاصيلها.

ويأتى فيلم «رُد قلبى» المقتبس عن رواية تحمل العنوان نفسه، ويراها البعض أفضل ما كتب يوسُف السِّباعى - والبعض الآخر يخالفهم الرأى تمامًا- الذى جاء فى المرتبة الرابعة عشرة فى قائمة أفضل مئة فيلم مصرى. 

كما تحول عدد آخر من أعمال يوسُف السِّباعى للشاشات منها: رواية «نحن لا نزرع الشوك»، ورواية «إنى راحلة»، ورواية «نادية»، ورواية «جفّت الدموع»، ورواية «آثار على الرمال»، و«العمر لحظة»، وقد تدخل يوسُف فى تعديل بعض أحداث تلك الرواية لأنها كُتبت قبيل انتصار أكتوبر 1973، فأدخل يوسُف على قصة الفيلم أخبار انتصار أكتوبر. وكذلك قصة «أم رتيبة»، وقصة «جمعية قتل الزوجات».

«حبيبى دائمًا».. آخر ما كتب

 تلك القصة الخالدة فى السينما العربية وواحدة من كلاسيكيات الرومانسية هى فى الواقع قصة حقيقية. عرف الفنان نور الشريف أحداثها فذهب إلى يوسُف السِّباعى - وكان وزير الثقافة حينها -وعرض عليه كتابتها للسينما. لكن يوسف اعتذر متحججًا بمسئوليات الوزارة، والأرجح أن يوسُف فى قرارة نفسه لم يرغب فى جرح الأسرة التى عاشت أحداث تلك القصة، وكان يوسُف على صلة بهم.

حزنَ نور لكن لم ييأس. وكانت معرفة يوسُف بنور تعود إلى لقاء عابر أمام أسانسير إحدى العمارات، وكان يوسُف قد كتب قبلها مشيدًا بأداء نور فى فيلم «السراب»، فانتهز نور فرصة اللقاء وشكره على هذا المقال.

من يومها استمرت الصلة بينهما لحرص نور على زيارة يوسف من حين إلى آخر. لذا استغل نور فرصة العرض الخاص لفيلمه «قطة على نار» فدعا يوسُف ليحضر العرض وفى نيته أن يفاتحه مرة أخرى فى أمر كتابة القصة. لكنَّ ظروفًا خاصة دفعت نور للسفر إلى لندن وتفويت العرض الخاص بالفيلم، لذا تولَّت بوسى مهمة استقبال يوسف وعرض أمر القصة عليه مرة أخرى.

 

 

 

استجاب يوسُف هذه المرة، ربما مدفوعًا بحبه للكتابة، بشرط إدخال تعديلات والقصة. كتب القصة وأرسلها إلى نور، فأرسل نور بدوره القصة لرفيق الصبان ليكتب السيناريو، وحين انتهى الصبان من الكتابة ذهب نور بالسيناريو إلى يوسُف فى مكتبه بـ«الأهرام». كان يوسُف على وشك السفر مع الرئيس أنور السادات إلى أمريكا، فطلب من نور أن يترك له برهةً من الوقت ليكتب الحوار فى أمريكا لأنه هناك سيملك سعة أكبر من الوقت.

فى أمريكا سهر يوسُف ليكتب حوار «باقى من العمر» وهو الاسم الأول للفيلم حتى تدخل نور وأخبر يوسُف بأنه سبق وكتب «العمر لحظة» و«حتى آخر العمر»، لذا استقرا فى النهاية على اسم «حبيبى دائمًا». انتهى يوسُف من الحوار وقال إن الفيلم «قرفته حلوة» ولما عاد إلى مصر هاتف نور فى منزله ليخبره بانتهائه من كتابة الحوار، لكنَّ أحدًا لم يرد. فى اليوم التالى كرر المحاولة فردَّت بوسى وأخبرته أنها ستحضر إلى مكتبه فى «الأهرام».

 زارته بوسى فى مكتب «الأهرام» وأحضرت السيناريو. حرص يوسُف على مرافقتها إلى باب المكتب وعبَّر لها عن قلقه من السفر فى اليوم التالى إلى قبرص: «ربنا يستر فى قبرص من بتوع الرفض ماحدش عارف إيه ممكن يحصل». طمأنته بوسى وودَّعته.

بعد يومين كان نور فى اجتماع مع غرفة صناعة السينما، حينها دلف السكرتير وسلَّم عبدالمنعم الصاوى ورقة، خرج الصاوى مرتبكًا ثم عاد ليخبرهم بالنبأ المشؤوم، حين عاد نور إلى منزله مصدومًا بهول المفاجأة، وجد حوار «حبيبى دائمًا» موضوعًا على طاولة منزله مكتوبًا بخط يوسُف السِّباعى.

المثير للتساؤل أن بوستر هذا الفيلم لم يحمل اسم يوسُف السِّباعى مؤلفًا، ولم يحمل اسم المؤلف من الأساس بل تم الاكتفاء بوضع اسم رفيق الصبان تحت خانة السيناريو.

تحكى الفنانة بوسى ملابسات تلك الوقعة موضحة أن يوسُف السِّباعى فى أعقاب عقد معاهدة السلام مع إسرائيل، مُنع -كونه وزيرًا فى الحكومة المصرية-من الدخول لعدد من الدول العربية، فاستأذنت شركة الإنتاج من يوسُف فى إزالة اسمه عن البوستر لتتمكن من توزيع الفيلم خارج مصر.

وعُرض العمل فى 1980، أى بعد عامين تقريبًا من اغتيال يوسُف السِّباعى.. ليكون آخر ما قدم يوسُف السِّباعى للسينما.