السبت 10 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

القبلة المميتة

ريشة: منة الصياد
ريشة: منة الصياد

- الحمد لله.. 



يقولها أبوك حامدًا شاكرًا ربه ؛ وهو يقوم من مكانه فور تناوله طعام العشاء.. 

علبة السجائر الجالسة داخل جيبه تناديه.. 

يلبى النداء.. 

يشعل واحدة.. 

يأخذ نفسًا طويلًا.. 

يخرج نصفه ويحتفظ داخل صدره المتهالك بالنصف الثانى..

مبتسمة تدخل أمك، حاملة بين يديها أكواب الشاى المتراص بعضها بجوار بعض، فى شكل دائرى محكم الإغلاق. 

يتناول أبوك كوبايته الكبيرة المميزة عن غيرها ذات الأربع ملاعق سكر ونصف ملعقة شاى، يأخذ(شفطة) طويلة مسموعة الصوت، ومن خلفها نفسًا طويلًا من سيجارته الكليوباترا..

رحت تراقبه عن قرب..

تعد الدقائق عدًّا..

فى غيظ شديد راحت أسنانك تأكل مقدمة أظافرك.. 

يقوم أبوك من مكانه بعد أن أتى على (كوباية) الشاى، وبعد أن سحب آخر نفس من سيجارته، التى دكها دكًّا وسط الطفاية

الممتلئة حتى المنتصف ببقايا سجائره.. 

جاءت إليك البشرى تسعى..

رحت تراقب تثاؤباته الكثيرة المتكررة، التى جعلته يخطو خطوات بطيئة متثاقلة فى طريقه إلى حجرة نومه، فى آلية منتظمة تسير أمك خلفه كما عودها..

دقائق معدودة ويخرج إليك صوت شخير أبيك المرتفع، الذى تميزه عن سائر أصوات المصريين أجمع.. تتبسم فرحًا.. 

قلبك الصغير راح يتراقص فرحًا.. 

فى غفلة من أبويك، وباقى أفراد أسرتك، رحت تسير على أطراف.. أطراف أصابعك فى طريقك إلىَّ..

قلبى راح يتراقص فرحًا على إيقاعات قلبك المنتظمة..

أنتظر دخولك فى لهفة.. 

تدخل..

فى غفلة من إخوتى أمد إليك أصابعى.. 

تنظر هنا وهناك ثم تمتد أصابعك نحوى كيدٍ مدت لغريق..

تتلامس.. فى لهفة.. 

تتعانق.. فى شوق.. 

تسرقنى من نفسى.. من إخوتى.. 

فى غفلة من أسرتك نخرج معًا من بيتكم الضيق..

أسير معك حتى نصل إلى مكان لقيانا الآمن والمعتاد..

مكان لقيانا قصيٌّ ومظلم.. 

من فوق سطح بيتكم رحت تنظر يمنة ويسرة..

وأنا بين يديك أتوق شوقًا ولهفة إليك.. 

تضمنى إليك ضمة المشتاق.. 

وأنا.. من أنا.. 

فى.. سرعة.. 

فى.. لهفة.. 

فى.. شوق.. 

فى.. حذر.. 

رحت تقبلنى قبلة طويلة.. 

وأنت.. أنت لم تزل تنظر هنا وهناك، قبل القبلة وبعدها؛ خشية أن يفتضح أمرنا.. 

قبلاتك.. القوية.. المستمرة..

التى تزيدنى اشتعالًا وحرقة.. 

أفقدتنى شعورى.. توازنى.. 

قبلاتك.. أنستنى من أنا..؟

أين أنا..؟

حتى اسمى المركب ذائع الصيت لم أعد أتذكره.. أو على الأقل أتذكر أول أحرف منه. 

قبلاتك.. المسكرة..

جعلتنى أذوب بين شفتيك الصغيرتين كما قطع السكر..

إن الحياة قبلة جميلة وطويلة.. 

المولود فور دخوله باب دنيانا الضيق يُستقبل بقبلة جميلة وطويلة.. 

وفور دخول الزوجة عش الزوجية يقبلها الزوج قبلة الترحاب 

حتى الموت يظل يطارد الإنسان لسنوات منذ مولده من أجل أن يقبله قبلته الأخيرة.. 

لقد رأيت وسمعت هذا الكلام العذب يخرج اليوم من فم البطلة الباكية إلى البطل، فى مشهد من أحد الأفلام الرومانسية

الأبيض والأسود، وكم تمنيت أن يطيل الله فى عمرى حتى أعيش وأتعايش مع هذه اللحظة، التى جاءت إليَّ الآن سريعة.

أرجوك تمهل قليلًا.. 

أخشى عليك من ضربات قلبك السريعة.. 

شكرًا لك لأنك استجبت لكلمات خوفى القصيرة، ومن أكون أنا حتى تستجيب لىَّ بهذه السرعة.. 

آه ه ه ه ه ه ه ه ه

أسقط من فوق جبال العشق فجأة.. 

رحت تضغط وبقوة فوق رقبتى.. 

رحت تقتل فيىّ آخر أنفاسى.. 

أنا الضعيفة الهزيلة أموت سريعًا أسفل حذائك..

وزيادة فى التأكد من موتى، رحت تمحو أثرى تمامًا بعد أن سويتنى بسطح منزلكم.