السبت 27 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

من قال إن التوحد يوقف الإبداع

متوحدة غيرت مواصفات «البوكر»

فكتوريا بعد ترشيحها للبوكر
فكتوريا بعد ترشيحها للبوكر

قد يُنظر أحيانًا إلى الإعاقات المتباينة على أنها مصدر للخجل أو الشفقة، بل إن الكثيرين يعتقدون خطأً أنها تقلل من إمكانات الأشخاص.



لكن أصحاب العقول والجينات المتباينة قادرون على تحقيق إنجازات عظيمة، سببها هى تلك الإعاقات.

 

علينا تصحيح النظرة وتحدى الصور النمطية والمفاهيم الخاطئة حول أصحاب الاختلافات، فلدينا قائمة طويلة لأصحاب الإعاقات العصبية والمصابون بمرض طيف التوحد والذين أصبحوا الأكثر شهرة فى تاريخ البشرية.

واليوم نرى أحد أصحاب الاختلافات يحوز اهتمام النقاد والكتاب بموهبته وإبداعه الفريد.

ولا شك أن إدراج اسم مؤلف مصاب بالتوحد من بين ثلاثة روائيين بريطانيين على قائمة المرشحين لجائزة بوكر أمر جديد على مسامع المثقفين والأدباء والمهتمين بمثل هذا الحدث. ليس فقط للحالة الخاصة التى تعيشها الكاتبة المرشحة، ولكن لمدى قدرتها على الإبداع رغم ما تمر به من اضطراب اجتماعى وصعوبة فى التعبير عن عواطفهم.

 

 

 

وتم الإشادة بكتاب فيكتوريا لويد بارلو مصابة التوحد التى وصلت على قائمة البوكس فى سابقة أولى من نوعها باعتباره «بداية شعرية»، تتشابك ببراعة مع موضوعات الحب العائلى والصداقة والتحيز الطبقى ومشاعر الصدمة مع الحدة النفسية والذكاء الذى يتميز به مريض التوحد، خاصة أن كتابها، «كل قلوب الطيور الصغيرة»، مكتوب من وجهة نظر أم مصابة بالتوحد.

رفض وصعوبات

لم يتقبل الإعلام والدوائر المثقفة نبأ ترشح بارلو بارتياح، ليس لحالتها الخاصة وإنما بسبب إدراج روائية مبتدئة، تعتمد أعمالها على تجربتها مع إصابتها بالتوحد، فى القائمة الطويلة لجائزة البوكر، مع غياب الكتاب النجوم مثل زادى سميث والسير سلمان رشدى.

لكن وضع فيكتوريا غير الأحداث وغير المعايير فى مفاجأة غريبة وجديدة ما نوعها.

حصلت فيكتوريا لويد بارلو على درجة الدكتوراه فى الكتابة الإبداعية من جامعة كينت، وتتمتع بخبرة شخصية ومهنية وأكاديمية واسعة النطاق فيما يتعلق بالتوحد.

حازت روايتها «فى كل قلوب الطيور الصغيرة»، على إعجاب جماهيرى، ورغم إصابتها بالتوحد، قدمت فيكتوريا أبحاث الدكتوراه الخاصة بها على المستوى الدولى، وتحدثت بشأن مرضها فى جامعة هارفارد حول وعلاقته بموهبتها فى السرد الأدبى.

قصة فيكتوريا لا بد أن تعتبر مصدر إلهام للصغار والكبار ولكل من يظن أن هناك ما يعيق طريق موهبته. هى فقد مضت فى طريقها من طفلة صغيرة مصابة بالتوحد ليس لديها أية مؤهلات إلى كاتبة تنشر أولى رواياتها مع كبار الناشرين.

أملها وإيمانها بنفسها كان الوحيد فى دفعها إلى الاستمرار فى أحلك الظروف.

نشأت فيكتوريا فى بلدة بها مكتبة عامة جيدة، وقضت الكثير من الوقت حيث ثقفت ذاتها بقراءة الكتب الواقعية والروايات واستكشفت كل قسم من تلك المكتبة.

واجهت فيكتوريا فى صغرها عدة صعوبات من أهلها الذين لم يشجعوا نوعية الكتب التى اعتادت قراءتها، باعتبارها غير مناسبة لعمرها، كانت اختياراتها واسعة النطاق وعشوائية فى ذلك الوقت.

مثل العديد من المصابين بالتوحد، كان لديها ملف أكاديمى شائك، رغم قدراتها المميزة فى اللغة والأدب، إلا أنها عانت بشدة فى مواضيع أخرى.

كطفلة كانت تدرك بشكل متزايد الصعوبات الاجتماعية والعملية التى تواجهها، ولكن كان من دواعى سرورها اكتشاف قدرتها الطبيعية على القراءة، فكانت الكتب ملجأً حقيقيًا لها.

«بارلو» الآن أم لأطفال طبيعيين وغير نمطيين على حد سواء، خشيت من نظرة أطفالها لها كأم تعيق تحقيق اهتماماتهم الخاصة.

 

 

 

كانت تشعر بالقلق من أنه عندما يكبر أطفالها، قد تصبح قدراتها والأشياء التى تهتم بها أقل وضوحًا بالنسبة لهم مقارنة بالصعوبات والاختلافات بينها وبين أى أم أخرى.

ولهذا السبب، بمجرد أن بدأ أطفالها الصغار فى الذهاب إلى المدرسة، قررت أن تتعلم وتنمى مهاراتها. بعد حصولها على دورات تدريبية مختلفة، حصلت على شهادة فى الأدب من الجامعة، وقدمت بحث الدكتوراه الخاص بها حول مرض التوحد والسرد الأدبى فى هارفارد.

ورغم أنها أحبت الكتب والقراءة، إلا أن الجامعة كانت صعبة اجتماعيًا، كان يصعب عليها التواصل مع زملائها، ولكن على عكس المدرسة، وجدت الدراسة الجامعية مجزية للغاية.

بعد دراستها الجامعية، حصلت على شهادة الدراسات العليا ثم خططت للحصول على الدكتوراه فى الأدب الإيطالى، لكنها توصلت إلى فكرة للحصول على درجة الدكتوراه فى الرواية المعاصرة بدلاً من ذلك، وكانت جزءًا من تلك الأطروحة النهائية التى شكلت «كل قلوب الطيور الصغيرة».

قصة رواية

تدور أحداث روايتها كل قلوب الطيور الصغيرة فى منطقة تطل على بحيرة فى منتصف الثمانينيات، حيث تعيش أم مصابة بالتوحد وابنتها المراهقة التى تتجه للاستقلال بحياتها، فيما ينتقل زوجان ساحران ومتطوران اجتماعيًا من لندن إلى المنزل المجاور.

وتستكشف الرواية العلاقات الأسرية والمرونة العاطفية المطلوبة للحفاظ عليها، مسلطاً الضوء على محاولات العائلة فى التغلب على الانفصال الجسدى والعاطفى الذى يحدث حينما يبلغ الأطفال.

وتحكى فيكتوريا فى الرواية عن صيف تتطور فيه العلاقات بين الشخصيات الأربعة بطرق غير متوقعة ومغيرة للحياة. يستكشف الطرق التى يمكن للعائلات من خلالها التغلب على الانفصال الجسدى والعاطفى الذى يأتى عندما يصبح الأطفال مستقلين.

بطلة الرواية أم عازبة رغم أنها فخورة بطموحات ابنتها، إلا أنها تشعر بالقلق من تفاقم المشكلات بينها وبين ابنتها بسبب رغبة الابنة فى الاستقلال بحياتها والابتعاد عن أمها، فتحاول الأم أن تبحث عن طرق لمواصلة علاقتها بابنتها، ما يعرضها للالتقاء لأصدقاء ابنتها الجدد.

صحيفة «ذا تايمز» البريطانية تناولت قصة الكاتبة المصابة بالتوحد كمصدر إلهام، مشيدة بمسار التحول الذى صارت عليه فيكتوريا لويد بارلو من الفتاة التى تخلت عن الكتب المدرسية فى سن السادسة عشرة ولم تتقدم لامتحانات الثانوية العامة، إلى الموهوبة المرشحة لجائزة البوكر، رغم إصابتها بالتوحد وكونها أماً لخمسة أبناء لتحوز إعجاب لجنة التحكيم.

وعندما تلقت فيكتوريا لويد بارلو مكالمة هاتفية الأسبوع الماضى لإبلاغها بأنها قد وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر عن روايتها الأولى. كانت مفاجأة كبيرة.

كانت قد خططت هى وزوجها ستيفن لرحلة إلى الحديقة، وللاحتفال بهذا النبأ قاموا بشراء نخلة أطلق عليها ستيفن اسم «البوكر» وزرعوها فى حديقة منزلهم بالقرب من العاصمة.

يمكن أن يكون التوحد تحديًا لذلك هناك العديد من الأشخاص المرضى الذين حققوا إنجازات كبيرة، فهو تشخيص يتميز بالاختلافات عن عامة الناس فى مجال المهارات الاجتماعية ومهارات الاتصال، فضلاً عن سلوكيات معينة غير نمطية.

ولكن علمياً وطبياً تم إثبات أن سمات اضطراب طيف التوحد تسهم فى إمكانية حدوث طفرات أخرى وتحقيق أشياء عظيمة.

بغض النظر عن سمات التوحد التى قد تكون لديك أو لدى أحد أفراد أسرتك، فإن الشخص المصاب بالتوحد لديه نقاط قوة وقدرات فريدة خاصة به، وهناك العديد من الأشخاص المشهورين المصابين باضطراب طيف التوحد الذين استخدموا نقاط قوتهم وقدراتهم لتحقيق النجاح أو الشهرة أو الإنجاز.

 

 

 

تتمثل أهم سمة للتوحد بكيفية شغف الشخص المصاب به بموضوع معين وتركيز كل قدراته على هذا الموضوع، فى حين أن الأشخاص غير المصابين بالتوحد غالبًا ما يكون لديهم مجموعة من الاهتمامات ويمكنهم بسهولة تحويل التركيز من موضوع أو نشاط إلى آخر وقد لا يلتزمون بالتميز فى شىء معين، فى حين أن الأشخاص المصابين بالتوحد قد يكون لديهم نطاق محدود وضيق من الاهتمامات.

تسهم هذه الخاصية فى نجاح العديد من الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض فى الحياة، من خلال التركيز والحفاظ على اهتمام أساسى واحد لسنوات أو حتى معظم حياته.

مرشحون آخرون

تم ترشيح لويد بارلو، 49 عامًا، الشهر الماضى إلى جانب 12 كاتبًا آخرين لجائزة الأدب المرموقة فى المملكة المتحدة وإيرلندا عن روايتها الأول الذى نُشر فى مارس. وهى واحدة من الروائيين الأربعة الجدد فى قائمة المرشحين لجائزة البوكر.

وذكرت الجارديان البريطانية، أن قائمة المرشحين لجائزة البوكر تتضمن ثلاثة عشر مؤلفا، منها أربعة كتاب بريطانيين، وأربعة من أيرلندا، واثنان من أمريكا، وواحد من نيجيريا وماليزيا وكندا.

إلى جانب بارلو، تم اختيار ثلاثة من المؤلفين البريطانيين لرواياتهم الأولى، وهم سيان هيوز، التى كان كتابها «بيرل» مستوحى من قصيدة من القرون الوسطى وتجربتها مع ذهان ما بعد الولادة.

أما البريطانى الرابع، فهو الإسكتلندى مارتن ماكينيس، الذى رشحت روايته الثالثة «فى الصعود».

وأشارت الجارديان إلى أن «سيباستيان بارى» و«تان توان إنج» هما أشهر الأسماء فى القائمة، وقد تم إدراجهما فى القائمة المختصرة لجائزة بوكر من قبل.

لكن الصحيفة ولأسباب غير معروفة استنكرت غياب اسم سلمان رشدى، الحائز على جائزة «بوكر أوف بوكرز» عن رواية «أطفال منتصف الليل»، وتساءلت عن سبب عدم دخوله القائمة بأحدث أعماله «مدينة النصر».

ورُشح كتاب آخرون، لكنهم لم يتأهلوا، ومن بينهم زادى سميث عن كتابه «The Fraud»، وباربرا كينجسولفر عن كتابها «Demon Copperhead»، وقد فازت الأخيرة مؤخرًا بجائزة المرأة للرواية.