الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
المراقبة والمعاقبة

المراقبة والمعاقبة

قضيت إجازة طويلة فى مصر لأول مرة منذ فترة، وبطبيعة الحال أسفر ذلك عن لقاءات عديدة مع سائقى سيارات الأجرة بأنواعها. وكنت أستمع فى غبطة لشكاواهم اليومية من كاميرات الرادار والمخالفات. ومن اضطرارهم لوضع حزام الأمان. والالتزام بالحارة. وكنت أبتسم لهم قائلا إن الهدف فى النهاية حماية الناس وتقليل حجم الحوادث. ثم أستطرد قائلا لهم إن هذه القوانين ليست لكم، لأنكم لم تعتادوا عليها، ولكن هناك جيل يتعلم القيادة فى ظل هذه القوانين، وسينشأ على هذه العادات. 



طبعا هناك قناعة أخرى سائدة لدى أغلب سائقى الأجرة أن الدولة تقوم بهذا كله لكى تجمع المزيد من الأموال، خصوصا مع إجراءات الترخيص الجديدة وغيرها. والحقيقة أننى أتفهم الشكاوى من الجزء الخاص بالتعريفة الجديدة، أما أن الدولة تضع ضوابط للسرعة والأمان، لكى تزيد حصيلة الدولة فهذا فى رأيى معناه ضمنيا اعتراف من المواطنين بعدم قدرتهم على الالتزام بالقانون. 

شخصيا تعلمت قيادة السيارات وحصلت على رخصة القيادة لأول مرة من سلطنة عمان. كان عمرى 18 عاما. ولأن عمان هى أكثر الدول العربية نظاما وانضباطا والتزاما بقوانين وقواعد المرور، بلا مبالغة، فقد نشأت على احترام القوانين: الالتزام المقدس بالإشارات، بالحزام، عبور المشاة، عدم إلقاء مخلفات فى الشارع، الالتزامبقواعد تجاوز السيارات، وغيرها، وأصبحت جزء من ثقافتى أينما كنت فى مصر وخارج مصر. ولهذا أعرف جيدا أن السلوكيات الإيجابية والانضباط والالتزام ليست عادات يتم اكتسابها إلا إذا استقرت أولا بفعل قوانين رادعة. تستقر بسبب حزم تطبيق القانون، وهذا ما أتمنى أن نشهده فى مصر فى غضون سنوات قليلة. 

لكنى فى الحقيقة أطمع أن تمتد كاميرات المراقبة إلى المصالح الحكومية لمراقبة أداء الموظفين وخصوصا من يتعمدون تعطيل مصالح الناس، أو الذين لا يمتلكون ثقافة التعامل مع الجمهور. 

والأهم بالنسبة لى،  وربما لكل سكان مصر، فى الوقت الراهن هى الكاميرات الخاصة بمراقبة الأسعار.

أقصد طبعا بالكاميرات هنا: نظام رقابى صارم على أسعار السلع فى مصر. فهناك أزمة نعانيها جميعا فى الوقت الراهن، حكومة وشعبا، لكن يمكن تخفيف الكثير من آثارها عن طريق مواجهة ومكافحة الجشع والانتهازية وإجرام بعض التجار فى حق المستهلكين. 

لا بد من توفير الحكومة المصرية لقوانين رادعة ضد المحتكرين والمستغلين، وكل من يستحل أرزاق الناس ومقدراتهم. فليس من المعقول أن يتوالى ارتفاع الأسعار يوميا بلا رادع، أو اختلاف أسعار السلعة الواحدة بين متجر وآخر. 

من المؤكد أن هناك جهات عديدة مختصة بالأمر، مثل شرطة التموين، وأجهزة حماية المستهلك، وحماية المنافسة، وربما أيضا جهاز مكافحة الدعم والإغراق والوقاية، ولكن استمرار شكوى الناس، واستمرار تلاعب التجار بالأسعار يعنى أن كفاءة هذه الأجهزة لا يزال فى حاجة إلى التجويد، ويعانى من ثغرات تمنعه من ممارسة دوره بشكل كامل فى ارجاء الجمهورية، وأنه فى حاجة ماسة لإيجاد وسائل رقابية حديثة ومختلفة، وتوفير منصات الكترونية لتلقى الشكاوى مباشرة من المستهلكين، ومتابعتها بشكل فورى. وهو أمر لا يتعلق فقط بهذه الفترة التى نعانى فيها من أزمة غلاء، بل ويجب أن تستمر لتغدو ثقافة حكومية ومجتمعية على السواء. 

لا بد أن يشعر التاجر بأنه تحت الرقابة الحكومية، وأنه لو ثبتت مخالفته فالعقاب قد يصل إلى حد إغلاق النشاط بالكامل أو لفترة. لأن أزمة الغلاء ليست فقط أزمة تخص حياة الناس فى مصر ومستقبلهم، بل هى أزمة أمن قومى فى الحقيقة، رغم أن التضخم والغلاء سمة عالمية فى الوقت الراهن، لكن الحكومات يجب أن تلتزم بدعم غير القادرين وأصحاب الدخول المحدودة باستمرار. 

إن جانبا رئيسا من مسؤولية الدولة والحكومة هو دعم المواطنين فى الأزمات، وحماية المستهلكين بشكل واضح من كافة محاولات التربح على حساب الدخول المحدودة.