الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مهندس الضحك والفن الرفيع

بين 6 سبتمبر و16 من نفس الشهر، تحل ذكرى ميلاد ووفاة الكوميديان الكبير فؤاد المهندس، «الأستاذ» كما يطلق عليه. لقب مستحق لم يأت من فراغ، بل هو نتاج رحلة فنية مليئة بالأعمال الدرامية والمسرحية والسينمائية والإذاعية، أثمرت عن 166 قطعة فنية فريدة شارك فيها مهندس الضحك والفن الرفيع.



 

 

 

بين ذكرى ميلاده وذكرى وفاته، تقدم مجلة «صباح الخير» هذا التقرير الذى يلقى نظرة متعمقة على مشوار فؤاد المهندس، وأسباب بقائه فنيًا فى قلوب محبيه وجمهوره الذى لا يزال عريضًا رغم رحيله عن عالمنا منذ أكثر من 17 عامًا.

عبّر فؤاد المهندس بسلاسة وانسجام عن الطبقة المتوسطة فى كثير من أعماله، دائمًا ما كان سفيرًا للشخص المنتمى لهذه لطبقة فى فترة مفصلية من التاريخ المصرى، فهو الموظف أو المخترع أو الطيار الذى يعمل ويرتقى فى مراتب عمله، ويقترن بالفتاة الجميلة التى كانت على الأغلب هى النجمة الجميلة «شويكار»، حياة تعكس الهدوء والاستقرار الذى كان يعيشه المجتمع فى تلك الحقبة.

 

 

 

وفى هذا الصدد، يؤكد الناقد المصرى والأكاديمى بإحدى الجامعات الكندية الدكتور وليد الخشاب مؤلف كتاب «مهندس البهجة»، أن فؤاد المهندس لم يكن يقصد عن عمد أن يعكس الحقبة الزمنية التى عاش فيها، موضحا لـ«صباح الخير»، إن أعمال المهندس حملت آثارًا من شكل وطبيعة المجتمع فى ذلك الوقت.

يضيف الخشاب: «لم يقصد فؤاد المهندس أن يقدم شكل المجتمع فى أفلامه، ولكن أعماله حملت آثار ما كانت عليه الطبقة المتوسطة فى ذلك الوقت، مثلا كان يجسد صورة الموظف الذى ينتمى إلى هذه الطبقة والذى كان ينجح وظيفيا واجتماعيا وعاطفيا، ويترقى على السلم الاجتماعى لتكون مكافأته هى الزواج من شويكار ابنة أعلى فئات الطبقة المتوسطة، تلك الجميلة التى يليق بها زوجا ناجحا».

 

 

 

أسطورة الريحانى

مشى فؤاد المهندس بثبات على خطى أستاذه نجيب الريحانى الذى تربى فى مسرحه وتعلم على يديه أصول العمل الفنى، منذ لقائهما الأول الذى رواه المهندس فى أحد الحوارات التليفزيونية، حيث قال إنه ذهب لمكتب الريحانى للحصول على حديث معه، وبعد حصوله على ما يريد، تشجّع وطلب منه أن يخرج لفرقته على مسرح الجامعة مسرحية، فى البداية رفض الريحانى قائلا: «يا باى أنا مش فاضى للعيال دول»، ليرد عليه المهندس بلباقة وشجاعة: «إحنا مش عيال إحنا رجالة كويسين وبنعتمد على نفسنا»، ليستجيب الريحانى ويخرج لهم مسرحية عن رواية «حكاية كل يوم»، والتى نجح فريق الجامعة فى الحصول على كأس يوسف وهبى من خلالها.

توطدت علاقة فؤاد المهندس ونجيب الريحانى، وبات يُطلق عليه الريحانى اسم «التلميذ»، وكان مسموحا له أن يودعه فى أسفاره إلى المطار ويستقبله أيضًا عند عودته من رحلاته خارج مصر، وبسبب هذا القرب أكد المهندس أنه تعلَّم من الريحانى كل شىء فى العمل الفنى وقال: «أخدت من الريحانى ثقل وقيمة العمل، كان يستطيع إيجاد الحل لكل مشكلة، كان شخصا خطيرا كنت أسميه الهرم الرابع، علمنى كيف أنظر للحوار.. حلو.. وحش؟ يتعدل.. ما يتعدلش؟ خلانى أشوف الترابط بين الشخصيات، لذلك فى رواياتى تلاقى كل واحد فى حتته وفى مكانه، وعلمنى إزاى أضحك ضحك حلو مش بابتذال وإسفاف».

هل يعتبر فؤاد المهندس امتدادا للريحانى؟

- يجيب الدكتور وليد الخشاب عن هذا السؤال بالنفى القاطع قائلا: «فؤاد المهندس على عكس الشائع ليس امتدادًا فنيًا لنجيب الريحانى، ولكن جمعتهما علاقة قوية، على فرض أن المهندس تلميذ نجيب للريحانى، فإن الفن الذى قدَّمه كل واحد منهما كان مختلفا تماما عن الآخر، نجيب الريحانى قدَّم تمثيلًا أقرب للواقعية خاصة فى فترة نضجه الفني. لم يقدم الكوميديا التى تعتمد على الأداء الجسدى بعكس المهندس الذى اعتمد فى أعماله على الكوميديا البدنية، وبالتالى فهو ليس امتدادا للريحانى، لكن يجمع بينهما فكرة النجم الكبير رقم واحد فى مجال الكوميديا مع اختلاف الذائقة الفنية لكليهما».

تابع مؤلف كتاب «مهندس البهجة»: «الريحانى لم يكن حريصًا على تقديم أى بُعد سياسى من خلال أعماله الفنية سوى بشكل بسيط وفى قضايا محدودة، بينما عكست أعمال فؤاد المهندس بُعدًا سياسيًا واضحًا فى أعماله، حتى لو كان غير واضح وغير مقصود، وهذا البُعد السياسى المضمر فى أعمال المهندس هو ما أسميته دعم أيديولوجية الڤودڤيل، أو دعم فكرة الولاء لدولة التحرر الوطنى يقابله المكافآت والامتيازات التى يحصل عليها البطل المنتمى للطبقة الوسطى بالصعود الاجتماعى والمادى والزواج من البطلة الجميلة».

قالب فريد

قدَّم فؤاد المهندس العديد من الأعمال الكوميدية التى أحبها الجمهور، بين الفانتازيا والواقعية فى أفلامه، وتميّز القالب الكوميدى الذى وضعه بانفراد كبير، «عمو فؤاد» الذى أحبه الأطفال هو نفسه «فرافيرو» و«مستر إكس» و«ماكس» و«الدكتور رأفت» وغيرها الكثير والكثير من الشخصيات التى كتب لها الفن الحياة على الرغم من تباينها.

وبحسب تأكيد الدكتور وليد الخشاب على هذه النقطة، فإن السبب فى خلق هذا القالب الفريد فى الكوميديا، يرجع إلى العمل بدقة وإخلاص وحرفية أكثر من بقية زملائه، كما أن ذائقته الفنية كانت تميل إلى الانضباط، فحركاته البدنية كانت متوازنة ومعقدة، صوته سليم، آدائه الصوتى والحركى يتمتع بحرفية عالية، فضلا عن أنه اعتمد على الكوميديا البدنية أكثر من كوميديا الموقف والتهريج وإلقاء الإفيهات، بالطبع كان من الممكن أن يمزح لثانية أو اثنتين ولكن الأساس هو تقديم حركات بدنية أكروباتية بهلوانية معقدة.

المهندس كان يرفض التقليل من الآخرين فى أعماله، لم يعتمد على التنمر فيما قدمه من فن، ولم يستخرج الضحك من المشاهد من خلال الضرب أو المزاح على عيوب الآخرين، حتى ولو حدث فى بعض الأعمال لم تكن هذه هى طريقته الأساسية فى الكوميديا، ولهذا السبب عاش فؤاد المهندس فى ذاكرة المشاهدين أكثر من غيره، لأن الأداء المعقد الذى قدّمه صالح لكل زمان ومكان، لم يقدّم التنكر والمطاردات بشكل عادى ولكن بصورة بهلوانية معقدة جدًا، نجح أن يجعلها صورة كوميدية خالدة فى ذاكرة المشاهد.

ولا يزال اسم فؤاد المهندس حيًا، هذه حقيقة لا شك فيها، مَن مِن محبى الفن باختلاف الجيل يجهله؟ لا أحد، حتى أعماله لا تزال تشهد إقبالا ورواجًا بين المشاهدين على مختلف أعمارهم، وهو ما يظهر من خلال عرض أعماله بصورة مستمرة على القنوات الفضائية، أى أنه لا يزال مطلوبًا ولا تزال أعماله المميزة محبوبة بشكل عابر للأجيال.

يؤكد الدكتور وليد الخشاب لـ «صباح الخير» أن السبب فى هذه المحبة العابرة للسنوات والأعمار، هى الحرفية العالية، والحرفية فى الأصل هى سبب استمتاع الجمهور بأى عمل لقرون طويلة. وواصل: «فؤاد المهندس إلى جانب حرفيته الشديدة كان يركز على الازدواجية الموجودة فى جميع أنجاء العالم، مثلا هناك دائمًا الشخص الشرير (مستر إكس) الذى يشبه لشخص طيب فى مكان آخر وهو (مفتاح) أو (زكي) هذا ما يرتبط بوجود ازدواجيات كثيرة فى أعمال فؤاد المهندس، وهى أعمال ممتعة للجمهور من مختلف الأجيال والأعمار».

 

 

 

وأضاف الخشاب: «استطاع المهندس أن يقدم الازدواجية فى أعماله، من خلال استعراض شخصيتى (مفتاح) الطيب الذى يحاول الحفاظ على نزعة الشخصية المصرية الأصيلة، وشخصية (مستر إكس) الذى يرمز لارتشاف الجانب المظلم من كوب الغرب، ولأن الازدواج موجود فى لا وعى البشر لحقب زمنية وتاريخية مختلفة، دائمًا ما يمس فن المهندس وجدان المشاهدين فى أجيال ومجتمعات مختلفة، لأنه لم يخاطب صفة كانت موجودة فقط فى الخمسينيات والستينيات، ولكنها صفة متأصلة فى كل البشر».