الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
صوت الذين لا صوت لهم

صوت الذين لا صوت لهم

المكان: بناية طبارة .. قريطم رأس بيروت «مقر إقامتى فى لبنان».. والزمان : مع بداية أحداث لبنان 1975.



فى منتصف الليل يدق باب منزلى الصديق الصحفى طلال سلمان رئيس تحرير جريدة «السفير»، الذى كان يعمل لساعات متقدمة من الليل، ومع بداية الحرب اللبنانية كان يتعذر عليه ويجد صعوبة فى الوصول إلى منزله فى «سوق الغرب إحدى المناطق القريبة من «عالية» فى جبل لبنان، وكثيرًا ما كان يطلب منى استضافته فى منزلى القريب من مكتب الجريدة «السفير»، وعلى بُعد دقائق منه. حكاوانا تمتد للساعات الأولى من الصباح على أصوات القذائف والصواريخ الآتية من المنطقة الشرقية والموجهة للمنطقة الغربية حيث أقيم، وهو يروى باستمتاع قصصًا من حياته، وكان يفتخر بأنه من منطقة فقيرة فى البقاع اللبنانية لوالد كان شرطيًا «دركى» فى قوى الأمن الداخلى، ولم يستقر فى طفولته بمكان واحد بحكم وظيفة والده الذى عمل فى مخافر «أقسام شرطة» عدة فى كثير من المناطق اللبنانية .

بدأ مسيرته فى قسم التصحيح لمجلة الحوادث، لكنه لم يستمر فيه غير فترة قصيرة، كُلّف بعدها إعداد «بريد القراء»، ثم تحوّل إلى كتابة زاوية ثابتة بعنوان «شطحة». وقد اكتشف لاحقًا أن عبدالناصر كان يقرأ الزاوية باستمرار. وفى «الحوادث»، وجد نفسه بين مجموعة من الصحفيين المعروفين. ولم يلبث أن انتقل إلى قسم التحقيقات بإشراف شفيق الحوت، وتضاعف راتبه بعد عودة سليم اللوزى من دمشق التى كان قد فرّ إليها هربًا من عسف سلطات الرئيس كميل شمعون، بعد اكتشافه الجهد الكبير الذى بذله طلال سلمان وشفيق الحوت وآخرون فى تطوير المجلة. وفى تلك السنة، أصبح سكرتيرًا لتحرير «الحوادث» ولم يكد يبلغ العشرين، وصار كاتب مقالة سياسية. غير أن الحدث الأبرز فى حياته المهنية والشخصية كان لقاؤه الرئيس جمال عبدالناصر فى دمشق فى أوائل سنة 1958 حين ذهب إلى العاصمة السورية برفقة سليم اللوزى وشفيق الحوت لاستقبال عبدالناصر فى عاصمة الأمويين، ولتهنئته بالوحدة التى جعلت مصر وسورية دولة واحدة اسمها «الجمهورية العربية المتحدة». وظلت صورته إلى جانب الرئيس عبدالناصر تحتل مكانًا بارزًا فى الطابق الرابع من مبنى جريدة «السفير»، التى كان قد أسسها بعد أن ترك الحوادث بتمويل ليبى, كان تمويل الصحف فى لبنان يأتى، فى البداية، من رجال الأعمال ومن سفارات الدول العربية بالدرجة الأولى. السياق نفسه، كان الثرى على عرب يموّل صحيفة «المحرّر»، ودعم الأمير طلال بن عبدالعزيز سعيد فريحة حين أصدر مجلة «الصياد»، وتلقى سعيد فريحة، فضلاً عن ذلك، المعونات من الثرى نجيب صالحة وبنك سورية ولبنان، ثم من إميل البستاني. وموّل الشيخ عبدالله المبارك صحيفة «اليوم» لعفيف الطيبى. وفى أى حال، لم يكن تمويل الصحف اللبنانية مستدامًا، بل كان يخضع للتحولات السياسية ولتغير المواقف وللسياسات الإعلامية العربية المتبدلة. وباختصار، كانت «المحرّر» و«الدستور» و«بيروت» والوطن العربى تقبض من العراق، فيما «الحرية» و«الأنوار» و«الشعب» و«الصياد» و«الحوادث» (قبل أن يتحوّل سليم اللوزى إلى السعودية) تقبض من مصر. وتلقى غسّان شرارة الدعم من الجزائر حين أصدر مجلة «البلاغ». وتلقت «السفير» (طلال سلمان) وبيروت المساء (أمين الأعور) والكفاح العربى (وليد الحسينى) الدعم من ليبيا.

وقد مثّلت «السفير» علامة فارقة فى الصحافة اللبنانية؛ ففى سوريا، على سبيل المثال، كان الرجل يقول لابنه: اذهبْ واشترِ لنا الجريدة. والجريدة تعنى «السفير» بالتحديد. وإذا نطق الفلسطينى فى لبنان بكلمة «الجريدة»، فهو يعنى حكمًا «السفير» التى يبدأ فى قراءتها من الصفحة الأخيرة، حيث يطل كاريكاتير ناجى العلى يوميًا على الناس. 

عُرف طلال سلمان بقلمه الذى التزم قضايا الوطن والناس والأمة طوال مسيرته المهنية، فارقنا وودعنا «صوت الذين لا صوت لهم». شعاره الذى كان يرفعه دائمًا.. وداعًا صديق الكلمة الحرة الصادقة، والحقيقة، والذاكرة والوجدان.