الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
مجموعة بريكس

مجموعة بريكس

انضمام مصر لمجموعة البريكس رسميًا فى يناير 2024، هو تطور كبير ضمن المعارك الطاحنة لتشكيل نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب ومتعدد العملات.. فى السابق (طوال ثلاثة عقود على الأقل) كانت حركة مصر على المسرحين الدولى والإقليمى حبيسة دوائر تقليدية عفى عليها الزمن، لدرجة أفقدت مصر جزءًا لا بأس به من زخمها الإقليمى، أما الآن فمصر تتحرك خارجيًا بشجاعة وتحدٍّ كبيرين، بحيث تعدت المحاذير المفروضة عليها منذ معاهدة لندن الموقعة فى يوليو 1840، وهو أمر ليس بالهين على مصفوفة القوى التى أدارت ضدنا الهجمة منذ 2011.. فمصر نموذج مثالى للقوة الوسيطة والوسطى فى آن واحد، بمعنى أدق؛ مصر القوة الإقليمية الوحيدة التى تمتلك علاقات قوية مع أضداد عالمية شديدة التنافر.. مثال: تمتلك مصر علاقات استراتيچية مع (الولايات المتحدة وروسيا) و(الولايات المتحدة والصين)، و(الهند وباكستان) و(الصين والهند) و(أوروبا وروسيا) و(أوروبا والصين) و(الجزائر والمغرب).. هذا الأمر يجعل مصر بحق ملكة الحد الأوسط فى العلاقات الدولية، وما يزيد من متانة هذه الحقيقة هو أن مصر قوة إقليمية (متوسطة) تتوسط الجغرافيا السياسية بالمنطقة.. ما يجعلها ملكة تجارة اللوچيستيات ومركز الإقليم لتداول الطاقة.. هذه المَلكات الفريدة تظل لعنة على مصر، لماذا؟.. لأنها ببساطة ترفع مستوى المواجهة الدامية بين مصر ومصفوفة القوى المعادية التى تريد تكبيل مصر عند سقف قوة ووظيفية معاهدة لندن 1840.. لماذا تريد مصفوفة القوى المعادية تكبيل مصر عند سقف قوة محدد؟ لأن المشروع المصرى فى المنطقة هو مشروع حضارى لا ينحصر فقط فى مشروع الدولة الوطنية، هو مشروع أنهى التقسيم الطائفى للمنطقة للأبد، ودمر مخططات التقسيم لصالح إسرائيل وتركيا وإيران ومصفوفة القوى العالمية التى تُوظف هذا الثلاثى فى تدمير المنطقة، إذن: المشروع الحضارى المصرى يصطدم بمجموعة قوى نافذة وتمتلك مفاتيح التقنية والاقتصاد المعولم.. صحيح أن عاصمة الضباب معقل هذا التكتل لكن حدوده أبعد من ذلك.. إذن ما علاقة ذلك بانضمام مصر للبريكس؟



جزء كبير من الأزمة الاقتصادية التى تعيشها مصر، مصدره الضغوط الدولية وتحكم مصفوفة القوى المعادية فى تدفق الاستثمارات الأجنبية للداخل المصرى، وذلك فى محاولة لإبقاء وسائل ضغط مستمرة على القيادة التى انتزعت لمصر حقوقها فى مياه النيل وحدود الأمن القومى من كردفان إلى الخرطوم، ومن سواكن إلى طرابلس..

البريكس، هى اللبنة الأولى فى النظام العالم الجديد متعدد الأقطاب الذى يجرى تشكيله الآن بالحديد والنار، وللمفارقة؛ 40 دولة تقدمت بالانضمام لهذا التكتل، فيما تم توجيه 6 دعوات للانضمام من بينها مصر… لماذا؟

لأن تكتل البريكس، يقوم على اقتصاديات قوية ومتينة، فيجب أن تنضم الاقتصادات الأقوى أولًا، لضمان تشغيل متقن ومحكم للعملاق الاقتصادى الجديد.. البريكس..ستوفر: مصادر تمويلية جديدة بعيدًا عن شروط البنك الدولى وصندوق النقد.. وتداول تجارى بالعملات المحلية بين الدول الأعضاء..ومقايضة سلع بين الدول الأعضاء.

يؤدى هذا إلى: إنهاء تدريجى وبطيء لنظام بريتون وودز الذى تشكل فى 1944 والذى دفع بهيمنة غربية على الاقتصاد العالمى وجعل الدولار العملة الأولى للاحتياط العالمى..وبالتالى إضعاف هيمنة الدولار على المعاملات التجارية.. وإضافة إلى تحصين الاقتصادات الناشئة من السياسات النقدية العنيفة للفيدرالى الأمريكى.. ما يعنى تشكيل نظام مالى جديد (متعدد الأقطاب ومتعدد العملات).. انضمام مصر لهذه المجموعة تطور كبير ومؤشر على تحصين محركات الاقتصاد المصرى من الصدمات بحلول 2025، والأهم أن انضمام مصر لهذه المجموعة الواعدة، فى مضمونه استمرار للمناورة المصرية مع التكتل المعادى بأقل تكلفة..بمعنى أدق، المحاولة البائسة للتكتل المعادى فى الإضرار بالاقتصاد المصرى ستضعف مع الوقت، لتصبح المعادلة ضعف هيمنة الدولار وظهور مصادر تمويلية أخرى بديلة، يعنى هامش مناورة أوسع لمصر، وتباعًا تضييق فرص مصفوفة القوى المعادية، واستراتيچيًا: عدم التقيد بمعاهدة لندن 1840 ولا بمثيلاتها.. «البريكس» لا توافق على اقتصادات ضعيفة للانضمام إليه.. لكنك على الأرجح ونتيجة للحملات النفسية والمعلوماتية، لن ترى ذلك.. لأن الرهان على الوعى كما على الصبر وقراءة المشهد العالمى بعمق.