الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أنياب الـ«سوشيال ميديا»

أنياب الـ«سوشيال ميديا»

بداية أقول إن الثورة الرقمية والإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعى ولدت لتبقى معنا – وربما لنبقى معها فى حال رضيت هى بنا- لحين إشعار آخر. وأضيف أننى فى عام 2004 كنت أول من يكتب فى العالم العربى عن «إعلام شعبي» جديد سماه البعض وقتها «صحافة شعبية» والبعض الآخر «بلوجة» من كلمة «بلوج»، وهى تلك المدونات الشبيهة بالموقع الإلكترونى الذى يدشنه أى شخص ويبدأ فى تغذيته بما يشار من مادة مقروءة أو مرئية كما يشاء. 



وأضيف إننى ظللت منذ ذلك الوقت من أشد المعجبين والمدافعين عن المنصات الرقمية التى تتيح لأى شخص المشاركة والتعبير والتدوين، معتبرة ذلك وسيلة تمكين، لا سيما لمن لا أدوات أو سبل له يعبر بها عن آرائه وتوجهاته وهواياته وطموحاته. 

لكن ما جرى فى العالم على مدار عقدين جعل مليارات البشر تعيد ترتيب أوراقها ومواقفها فيما يختص بالتمكين الرقمى والاستخدام المطلق للأثير الرقمي. فى عام 2011، تعامل الغرب مع الـ«سوشيال ميديا» العربية، لا سيما فى مصر وتونس وسوريا وكأنها المخلص والمٌنَجِى الوحيد لملايين البشر من المقهورين والمقهورات الراغبين والراغبات فى التحرر من القمع والظلم والفساد. وجميعنا يتذكر «ثورات الفيس بوك» و «انتفاضات تويتر» وغيرها من سبل تمجيد وتعظيم وصول الملايين إلى تطبيقات التواصل الاجتماعى واعتبارها وسيلة المقموعين للوصول إلى الحرية والديمقراطية إلى آخر القائمة. وكنت - كما ذكرت- من أول المؤمنين بقدرة ال «سوشيال ميديا» وقوتها. 

ولكن، حين انقلب سحر ال «سوشيال ميديا» على الجميع، وبدأت ميليشيات وكتائب تيارات بعينها، وعلى رأسها الإسلام السياسى ممثلاً فى الإخوان والجهاديين بأنواعهم وأسمائهم المختلفة، فى الاستحواذ على هذا الأثير بشكل ينذر بتوجيه الملايين توجيهاً خبيثاً نحو الخراب ولكن بأزياء ملتزمة تتراوح بين الجلباب والعباءة «طريقك إلى الجنة» حيث الحكم باسم الله على الأرض، أيقنت أن الـ«سوشيال ميديا» كغيرها سلاح ذو حدين، وربما ثلاثة أو أربعة وأكثر. 

وأضيف فى هذا الصدد استخدام قطاع آخر من ضحايا الأنظمة التى تجاهلت التعليم واحتقرت الثقافة ونأت بنفسها عن مسئوليات التربية والتوعية وتركت مهمة التنشئة إما للجماعات الإسلامية أو للشارع، فخرجت أجيال بأكملها إما متطرفة دينية غارقة فى مظاهر التدين منزوعة المحتوى الأخلاقى والسلوكى والحضارى، أو فى أخلاق الشارع حيث البقاء للأقوى أو الأكثر قدرة على النصب والاحتيال وترويع الآخرين. هؤلاء أيضاً بزغ نجمهم على الـ«سوشيال ميديا». 

وقتها، استمات الغرب فى الدفاع عن الحرية المطلقة -لا سيما لأعضاء والمتعاطفين مع الإسلام السياسى بدرجاته وصنوفه- معتبرين ذلك من بديهيات حقوق الإنسان. بالطبع لا أدافع أو أروج للقمع أو المنع، ولكن أتحدث عن الاستخدام المسئول. الاستخدام المسئول هو ذلك الذى تضعه منصات مثل «فيس بوك» (ولا يتم تطبيقه بالضرورة) حيث الإبلاغ المجتمعى عن تدوينات تدعو أو تحض على العنف أو الكراهية أو التنمر إلخ. لكن تدوينات التكفير والترويج لقصص وحكايات عن الأولين لا سند لها ولا تهدف إلا إلى الإبقاء على المجتمعات فى قاع التاريخ وتوجيه الاتهامات لغير المتطابقين معهم من حيث الشكل والمظهر والفكر، فهذه لا تندرج تحت بند «معايير المجتمع» التى تسنها شركات الـ«سوشيال ميديا». 

اليوم، تصف «ذا أتلانتيك» السوشيال ميديا بأنها مثل التكنولوجيا النووية وتقنيات الطباعة، تكون جيدة إذا كان المستخدمون جيدين والعكس صحيح. بمعنى آخر، لم تعد الـ«سوشيال ميديا» جيدة ورائعة فى المطلق. حين بدأت أنياب الـ«سوشيال ميديا» تلحق الضرر بالغرب، باتت لها أوجه عدة وليس وجهاً ملائكياً واحداً.