الأحد 12 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
أوبنهايمر.. القنبلة والتاريخ والفيلم

أوبنهايمر.. القنبلة والتاريخ والفيلم

لا يمكن أن تخرج من مشاهدة فيلم (أوبنهايمر) إلا وأنت تطرح أسئلة عديدة عمّا عرفته أو لم تعرفه من خلال هذا الفيلم الطويل على مدى ثلاث ساعات. التحفة السينمائية من إخراج البريطانى كريستوفر نولان. ولا أتردد فى وصف هذا الفيلم بالتحفة لأننا- نحن- أمام عمل فنى سينمائى عظيم يحمل فى مَشاهده كل عناصر الإبهار البصرى والفكرى إخراجًا وتصويرًا وتمثيلاً.. وحوارًا.



الفيلم ليس فيلمًا تاريخيًا يوثق التاريخ ولا يدعى ذلك؛ إنما يحاول أن يقدم رؤية فنية سينمائية فاحصة للشخصية التاريخية العالم جوليوس روبرت أوبنهايمر أب القنبلة الذرية الأمريكية. وأيضًا يتناول بالتفاصيل أجواء المرحلة التاريخية الحرب العالمية الثانية قبل وبَعد استخدام هذه القنبلة عام 1945 بإلقائه على كل من هيروشيما وناجازاكى باليابان فى يومى 6 و9 أغسطس من ذاك العام.

القنبلة النووية الأمريكية تم التوصل إليها من مشروع كان مديره ومُحركه الرئيسى عالم الفيزياء الأمريكى أوبنهايمر بتكليف من الحكومة الأمريكية. والمشروع كان اسمه مانهاتن أقيم فى منطقة لوس ألاموس بولاية نيو مكسيكو. وقد تكلف 2 مليار دولار (ونحن نتحدث عن أربعينيات القرن الماضى) واستمر لمدة أربع سنوات (من 1942 إلى 1946) وقد تم توظيف 120 ألف شخص فى هذا المشروع الذى توصل إلى القنبلة الذرية.

 

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

 

فى الفيلم نرى ونعيش جدل العلماء حول القنبلة وقوتها وكيفية الوصول إليها وكيفية تقدير تبعاتها المدمرة، ونشاهد أيضًا العلاقة بين علماء الفيزياء والمؤسّسة العسكرية من أجل التوصل إلى ما هو المطلوب والمتوقع والمأمول من أجل حسم الحرب لصالح أمريكا.. وبالطبع نرى ونعيش حالة أهل السياسة والقرار فى واشنطن وصراعاتهم التى لا تنتهى حول مناطق النفوذ وحدود التأثير وسعيهم المتواصل لحسم الأمور من أجل تحقيق مصالحهم ومغانمهم أيًا كانت وبالطبع يحاولون تجميل القبح كلما كان هذا الأمر ممكنًا.

فى هذا الفيلم نتعرف على كيف تم توظيف علم العلماء فى التوصل إلى قنبلة تجلب الدمار الشامل. وكيف تكون الوطنية لها أكثر من معنى أثناء الحرب ومواجهة العدو. ونرى ونعايش بالتفاصيل كيف أن ما حققه هذا العالم أوبنهايمر من إنجاز التوصل إلى القنبلة الذرية وأيضًا الاحتفاء به كبطل هلل له الإعلام والشعب والرئيس الأمريكى نفسه.. كل هذا لم يمنع من مطاردة العالم واستجوابه سياسيًا وأمنيًا عن صلاته السابقة مع الشيوعيين وآرائه ومواقفه تجاه أمور عدة. 

الفيلم لا يقدم الإجابات أو يُجَمّل الحقائق بقدر ما يتناول وبنظرة عميقة وتفصيلية ما جرى فى الكواليس من مواجهات ومصادمات ونقاشات وصراعات مصالح وأيضًا طموحات وأطماع شخصية. نحن نرى البشر بخيرهم وشرهم كما كانوا وكما ظلوا عبر التاريخ.

إلا أن كونه فيلمًا يلقى إقبالاً جماهيريًا غير عادى لا يمنع معارضى الحروب وأسلحة الدمار الشامل وما يسمى بـ «البلطجة العسكرية الأمريكية» من طرح تساؤلات حول نوايا وأهداف هذا الفيلم ومدى التزامه بكشف الحقائق التاريخية أو إخفائها لبشاعة ما حدث عن جمهور المُشاهدين أو الرأى العام. 

هذا الفيلم (تكلف 100 مليون دولار) ومعه فيلم (باربى) استطاعا أن يخلقا حالة مشاهدة سينمائية لفتت الأنظار وجذبت الانتباه.. إنها حالة العودة إلى صالات العرض ومُشاهدة الأفلام مع الآخرين.. وليست فى بيتك عبر بث ستريم. وقد حقق الفيلمان إيرادات كبيرة مع الأسبوع الثانى لعرضهما لكى يتجاوز مجموع إيرادات (باربى) عالميًا الـ 775 مليون دولار فى حين وصلت إيرادات (أوبنهايمر) إلى 400 مليون دولار.

(أوبنهايمر) الفيلم يسلط الأضواء على ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية. وكم من جرائم ارتكبت بشكل أو آخر على الجبهات العسكرية وأيضًا داخل قاعات صنع القرار أو تطويع كل ما يمكن تطويعه من أجل تحقيق الانتصار على العدو. وتنبه إلى أن سلاح الدمار الشامل قد يبدو أنه قد يحسم مواجهة ما إلا أنه بلا شك يفتح أبواب جهنم أمام البشرية. الأفلام لا تغير التاريخ ولكن تستطيع أن تساهم فى تغيير نظرتنا للتاريخ.. بما له وما عليه.