الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
محمد حجى.. فنان لا يتكرر

محمد حجى.. فنان لا يتكرر

الفن التشكيلى ليس مكانه المعارض.. يجب أن يكون متاحا للناس فى كل مكان، حتى يتفاعلوا معه ويتأثروا به وحتى يتواصل هذا الفن مع الناس ويعبر عنهم.. هكذا كان يفكر صديقى الفنان الذى لا يتكرر محمد حجى.



هو فلاح ابن فلاحين ولد فى قرية صغيرة فى محافظة الدقهلية اسمها سندوب، ونشأ على حب الرسوم الجدارية التقليدية التى تغطى الجدران احتفالا بمناسبات الحج والمواليد والأفراح.. رسوم بدائية عفوية تشبع بها الفتى الصغير فقرر أن يكون رساما وعندما التحق بكلية الفنون الجميلة فى القاهرة زادت قناعته بفكرة أن الفن يجب ألا يعزل فى لوحات تعرض فى قاعات مغلقة يشاهدها عدد محدود من الناس.. الفن يحتاج للخروج إلى الناس، قال لنفسه، وأقدم على مغامرة فنية غير مسبوقة هى أن قام بالرسم على جدران بيوت الفلاحين فى قريته سندوب.

لقت التجربة نجاحا ولفتت الانتباه للفن والرسم، ولأهمية نشر الجمال فى حياتنا اليومية.

محمد حجى يريد التواصل برسومه مع أكبر عدد من الناس، فما العمل؟.. الصحافة كانت الوسيلة الممكنة فى تحقيق هذا التواصل، وخلال دراسته التحق بالعمل فى الصحافة فى مجلة محلية تصدر فى محافظته تحمل اسم «المنصورة» عاصمة الدقهلية.

عندما تخرج سنة 1963 عرف طريقه إلى «روزاليوسف» أهم مؤسسة صحفية تعنى بالرسم وتضم أهم الرسامين فعمل فى «صباح الخير» و«روز اليوسف».

 

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

 

واستطاع خلال عمله أن يقدم صيغة جديدة غير مسبوقة فى رسم البورتريه، ثم حقق أول فرصة للبروز كرسام له أسلوب مميز عندما اختير لرسم اللوحات المصاحبة لسلسلة نشرتها «صباح الخير» بقلم مصطفى محمود بعنوان «تفسير عصرى للقرآن».. وهى أول مشروع صحفى يرفع توزيع المجلة للأضعاف، ومعه كان محمد حجى قد دخل مرحلة تشكيلية جديدة تجمع بين الرمزية والحروفية.

ولأنه يستغرق فى البحث والاطلاع ويراجع الكتب والمجلدات ليستزيد علما وليبحث لنفسه عن صياغة تشكيلية تتيح له التعبير بلغة فنية تخصه وبلمسات تعبيرية فلسفية وروحية، فقد توصّل إلى أن يكتب ويرسم فى مرحلة لاحقة من مسيرته الفنية، فوضع كتابا بعنوان «فنان يقرأ القرآن» أعجب بالفكرة أحد أبرز رموز الثقافة المصرية الدكتور ثروت عكاشة، فكتب له مقدمة تقديرا للفكرة ودعوة للاحتفال بها، لكن مشيخة الأزهر- وقتها - تحفظت على هذا المشروع وصادرت الكتاب مع أن من اطلعوا عليه من المثقفين والفنانين أعتبروه إنجازا مهما يدعو للتأمل والاقتراب من روح النص.

ويكاد محمد حجى يكون الرسام الوحيد الذى يجمع بين الكتابة والرسم فى كتب كثيرة..وهى كتب تتناول قضايا وتصور ملامح لحياة الناس.. أحد هذه الكتب «شمال يمين» تضمن أكثر من مئة لوحة بالحبر الشينى وأعجب بفكرته الشاعر الفلسطينى محمود درويش فكتب له مقدمة تعكس إعجابه بفكر وفن محمد حجى. وقد اطلعت على بعض هذه الكتب وأهدانى نسخا منها ولو أن ناقدا أو باحثا أجرى دراسة على هذه الكتب ومحتوياتها الفنية والتشكيلية لكشف لنا نهجا تميز به هذا الفنان هو الربط دائما بين الفن والإنسان وقضايا الفكر والتطور الاجتماعى، وذلك اتساقا مع قناعته منذ البداية بأن الفن التشكيلى لايجب أن يكون مجرد لوحات فى براويز تشاهدها أقلية محدودة جدا من الناس الذين يزورون المعارض.

وطبعا لا ننسى الإبداع الذى تكشف لنا عندما قام محمد حجى وعلى مدى ست سنوات برسم لوحات رواية أديبنا الكبير نجيب محفوظ «أحلام فترة النقاهة» كانت اللوحات بمثابة أعمال تشكيلية سيريالية بديعة واعتبرت نقلة كبيرة فى فن الرسوم الملازمة للأعمال الأدبية، فهى ليست شروحا لها، هى فن مواز للفن الأدبى، يحرك خيال القارئ ويمتعه ويدفعه للتأمل.

وكان الأسلوب السيريالى الذى اعتمده حجى موفقا جدا ومدهشا فالأحلام هى حالات سيريالية أليس كذلك؟.. لا تخضع للمنطق والنظام الذى نعيشه فى اليقظة..

ويكاد حجى يكون الفنان التشكيلى العربى الوحيد الذى عرض أعماله فى معظم الدول العربية حتى أطلق عليه لقب «رسام العرب».. كما أنه لم يكن يكتفى بزيارة البلد العربى بل كان يرصد فى أعماله ولوحاته حياة هذا البلد وشعبه، ثم يجمع هذا كله فى كتاب جديد.

وبقى لى أن أتذكر موقفا نبيلا لصديقى حجى الذى التحق بـ«صباح الخير» بعد تخرجه سنة 1963 ولحقته بالانضمام للمجلة فى السنة التالية 1964 عند التحاقى بكلية الفنون الجميلة.. فعندما نشرنا الحوار الطويل الذى استغرق منى حوالى خمس سنوات مع الرائعة سعاد حسنى على حلقات فى «صباح الخير» طلب منا بعض القراء نشرها فى كتاب، وتحمس محمد حجى للفكرة، وبينما أنا فى لندن ذهب هو فى القاهرة إلى الناشر بمخطوطة الكتاب «سعاد حسنى.. سندريلا تتكلم» لكنه فوجئ بأن الناشر الأستاذ محمد رشاد، رفض ذلك قائلا مامعناه أننا دار نشر محترمة لا ننشر «هشك بشك»!

فما كان من حجى سوى أن طلب منه قراءة صفحات من الكتاب، وعندها وجد الكتاب طريقه للنشر وصمم الفنان الرائع محمد حجى الغلاف والإخراج الداخلى.

ألم أقل منذ البداية إنه فنان وإنسان لا يتكرر؟!