الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فضائح سقوط التوأم الأشقر

بين الهزيمة والعزل والاستقالة؛ وجهان على الساحة الأوروبية، غادرا كراسى السلطة، وكانا على موعد لتصفية حساباتهما، ليصبحا خاضعين لسلطات تفوقهما قوةً، ومهزومين فى منافسات سياسية، ومُجبرين على دفع ثمن أخطائهم.



هذان هما التوءمان ذوا الشعر الأشقر فى العالم الغربى، دونالد ترامب وبوريس جونسون، كلاهما كانت أيامهما الماضية شديدة الاضطراب.

عقدت صحيفة «ذا واير» مقارنة بين ترامب وجونسون، فقالت إن ترامب أصبح أول رئيس أمريكى سابق يواجه اتهامات جنائية تتعلق بأخذ وإخفاء وثائق سرية، إذا ثبتت إدانته، فقد يقضى ما تبقى من عمره فى السجن. 

ليعبر بـ «مصيره المُعلّق» إلى عام جديد من عمره؛ بين احتمالات السجن؛ وسلسلة الفضائح السياسية لتسريب وثائق استخباراتية، فضلًا عن «لوغاريتمات» انتخابات جديدة يتحدى فيها الجميع بترشحه مهددًا مستقبل حزبه الجمهورى.

النسخة الإنجليزية من ترامب، هو بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطانى السابق الذى أُجبر على الاستقالة من البرلمان، بدءًا من الفشل فى ملف «بريكست»، مرورًا بأزمة اقتصادية، وصولًا إلى قضية «بارتى جيت»، وتضليل البرلمان البريطانى بشأن انتهاك قيود كورونا وإقامة سلسلة من الحفلات والمناسبات فى مكتبه، ما يُعد وصمة عار لخرقه القوانين التى أعدها بنفسه وناشد الجميع مراعاتها. 

كان هذا جزءًا كبيرًا من أسباب استقالة جونسون من منصب رئيس الوزراء العام الماضى، بعد أن فقد نواب المحافظين الثقة فى الزعيم الذى حقق لهم فوزًا انتخابيًا عام 2019، ثم استقالته الثانية من البرلمان، بعد أن أُدين من قبل «محكمة الكنجر» وهى محكمة صورية، أرادت التحقيق فى التراجع فى بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وتحميله التداعيات السلبية لهذا القرار؛ وتبعه اثنين من أقرب حلفائه استقالا على الفور من عضوية البرلمان.

ليس فقط قصات شعرهما الأشقر المميزة، هناك الكثير من القواسم المشتركة بين كل من جونسون وترامب يتبعها النظام الشعبوى اليمينى المناهض للمؤسسات ولديهما دعم قوى من أعضاء الأحزاب. كلاهما لديه اتصالات سياسية قوية، بينما أظهر كلاهما بمجرد الوصول إلى السلطة غيابًا للمبدأ والنزاهة، لديهما أطفال من ثلاث زيجات أو علاقات على الأقل.

جونسون ليبرالى اجتماعى، مؤيد للزواج المثلى وحقوق الإجهاض، فى حين يعكس دونالد ترامب النزعة المحافظة العميقة والمتعثرة لقاعدته السياسية.

والأقل فسادًا

على الرغم من أن جونسون لم يكن على قدر المسئولية، فإن فساده ليس على نفس مستوى توءمه الأمريكى، لكن كلا الرجلين يعتقد أنه يستطيعان العودة إلى الحياة السياسية.

سيتخذ جونسون وقتًا للعودة خاصة فى ظل معاناة لندن من تبعات بريكست، وسيطرة سوناك على الأوضاع، لكن لدى ترامب فرصة أفضل بكثير، كونه الأوفر حظًا لترشيح الحزب الجمهورى فى الانتخابات الرئاسية العام المقبل على الأقل حتى الآن، رغم تضاؤل النقاط فى رصيده، لكن يظل ترامب أكثر حظًا إذا تدهور الاقتصاد الأمريكى أكثر من ذلك، يفوز ترامب حتى لو كان لا يزال متورطًا فى قضايا الوثائق السرية.

حسب الصحف الأوروبية والأمريكية فإن جونسون وترامب مخدوعان ومدمران بنفس القدر، وكلًا منهما يؤثر على الآخر.

وأبرزت صحيفة «ميرور» «أزمة رجلى أوروبا المترنحين» فقبل أيام كان ترامب الرئيس الأمريكى السابق يواجه 100 عام فى السجن، وفى نفس التحقيق كان قد أعلن رئيس الوزراء البريطانى السابق استقالته من البرلمان.

لم يتوقع أحد أن يذهب جونسون بهدوء، وكانت الأحكام الصادرة بحق ترامب كفيلة بأن تلقى الرعب فى قلب جونسون من تطور الأمور فى قضية بارتى جيت، وبلا شك سيتعرض لهزيمة مدوية فى الانتخابات القادمة، لكنه لن يمضى دون أن يسبب بعض المتاعب لمنافسيه.

وتساءلت صحيفة «ميرور» بسخرية: سبق وأطلقوا على ليز تروس «قنبلة يدوية بشرية» لكن بوريس جونسون نوع مختلف من الذخائر، فقد هاجم أشخاص من شأنها أن تنتقم منه، لذا فى الأيام القادمة سنعلم المزيد عن المكان الذى سيغتسل فيه، هل احتفظ فى حمامه بأى وثائق؟

 

 

 

استقالة جونسون تعنى فقدان أنصار بريكست لبطلهم، ما سيؤدى إلى تصدع المحافظين، حتى أكثر الناس تعاطفا معه، كانوا غاضبين من طريقة استقالته والتداعيات السلبية لهذا القرار، لكن هذه هى سماته الشخصية مرفه ومحب للدراما، والتصرفات الطفولية والقرارات السلبية والتصريحات الهوجاء.

وعلى الصعيد الأمريكى، يواجه ترامب تهمًا لا حصر لها من سوء التعامل مع الملفات السرية وهى تهمة كبيرة، وهناك أدلة دامغة وكارثة قضائية تلوح فى الأفق إذا لم يُحاكم ترامب، أو أدين وفى حال سجنه سيكشف عن كل ما تحويه غرفة اغتساله من وثائق.

بالنسبة لجونسون وترامب فالرجلان يعملان من نفس قواعد اللعبة الجماهيرية الصعود إلى المنصات وإطلاق التصريحات الحماسية وتحدى الدولة ومؤسساتها والقانون وكل من يعارضهما.

ما يتشابه فيه الاثنين هو عدم توقعهما أن تصل الأمور إلى هذا الحد، أو أنهما يمكن أن يقفا خلف القضبان، إذ وحسبما قال ترامب: «لم أفكر أبدًا أن يحدث مثل هذا الشىء لرئيس سابق للولايات المتحدة».

وبنفس نبرة الاستغراب والشعور بالاضطهاد جاء بيان استقالة جونسون الذى قال فيه: «إنه لأمر محزن للغاية أن أغادر البرلمان - على الأقل فى الوقت الحالى - ولكنى أشعر بالذهول لأننى قد أُجبرت على الاستقالة، وهو أمر معاديًا للديمقراطية، من قبل لجنة ترأسها وتديرها بواسطة هارييت هارمان، بمثل هذا التحيز الفاضح».

حاليا تعيش السياسة الأمريكية حالة من العويل السياسى، بينما تظهر استطلاعات الرأى أن ثقة بريطانيا المملكة المتحدة بالنواب تتضاءل.

وتحت عنوان: سقوط هيبة «زعيم العالم الحر» و«أم البرلمانات»، قدمت صحيفة «فاينانشيال تايمز» قضيتا ترامب وجونسون، فى تقارير صحفية الأسبوع الماضى, مشيرة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية تحتاجان إلى إظهار أن الدول الديمقراطية يمكنها حقًا محاسبة قادتها وأن تطبيق القانون لا يعرف منصب وإلا ستصبح الديمقراطية التى يدافعان عنها مجرد فقاقيع هواء.

أمريكا هى «زعيم العالم الحر»، وبريطانيا هى «أم البرلمانات»، هكذا يُطلق على كل دولة منهما لاتباعهما أنظمة سياسية تحظى بإعجاب دول العالم، وبصفتهما نموذجان ديمقراطيان تحاول بلاد أخرى محاكاته. لكن البلدان شهدا فى نفس الوقت على يد كل من ترامب وجونسون أزمات خانقة.

فقد عانت بريطانيا من تبعات سلبية لـ«بريكست» والخروج من الاتحاد الأوروبى، وشغل منصب رئيس الوزراء 4 أشخاص فى سنوات قليلة كان آخرهم جونسون قبل قدوم ريشى سوناك، ولم يكن جونسون على قدر تحمل الأعباء التى تركتها له تريزا ماى بل ازداد الوضع سوءًا.

فى الوقت ذاته، كانت أمريكا تشهد أسود أيامها بعد 11 سبتمبر على يد ترامب، وهو يوم اقتحام الكونجرس الأمريكى فى 6 يناير 2021، وهى فى الأساس محاولة انقلاب من قبل رئيس منتهية ولايته.

مشاكل الديمقراطية لها جذور عميقة فى كلا البلدين، لكنها فى الوقت الحالى تحديدًا مرتبطة بشخصين هما دونالد وبوريس، كلاهما تسبب فى ترنح قوى أوروبا العظمى ولايزالان يرفضان الخضوع للقانون ويهددان بالعودة، رافضين أن يتركا منصات أحزابهما، مدعين المظلومية لاستمالة قلوب المواطنين. ولكن تبقى المعركة فى ساحة القضاء وليست على المنصات.