الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ما تقولش بهزر!

انتشر التنمر فى الفترة الأخيرة.. وبدأت حوادثه تطفو على سطح المجتمع بشكل حاد وملحوظ. ووفقًا لإحصائية صدرت عن منظمة اليونيسيف، فإن ربع مليار طفل يتعرضون للتنمر سنويًا حول العالم.. وأظهرت بيانات تابعة للمنظمة أن 70 % من أطفال مصر يتعرضون للتنمر.. كما يوجد حوالى 50 % من الشباب فى فترة المراهقة من 14 إلى 15 عامًا يتعرضون للتنمر بشكل كبير.. أصبحت ظاهرة التنمر مع الوقت جزءًا لا يتجزأ من حياة المصريين تحت مسمى «الهزار والضحك» الذى يؤدى كثيرًا بضحاياه إلى الانتحار.



 

فالتنمر لم يقتصر على الإيذاء الجسدى أو اللفظى فقط، والذى يعرف بالتنمر المباشر، بل هناك أيضًا تنمر غير مباشر وهو أكثر خطورة من التنمر المباشر ألا وهو «التنمر الإلكترونى»، الذى ينتشر سريعًا وبشكل عدوانى ليلحق الأذى والإساءة للآخرين.

فرغم تعرض الكثيرين من مختلف الأعمار من الأطفال والشباب والكبار للتنمر.. فإن الدولة تحركت بشكل قوى وسريع لوقف هذه الظاهرة عن طرق الردع بالقانون.. حيث تم التعديل فى الأحكام الخاصة بتطبيق العقوبات وإضافة مادة جديدة بتطبيق العقوبة على المتنمر، والتى تتمثل عقوبتها فى الحبس.. حيث تكون أقل مدة للحبس هى 6 أشهر.. ودفع غرامة مالية لا تقل قيمتها عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد قيمة الغرامة على 30 ألف جنيه.. أما فى حالة وقوع جريمة التنمر، فإن العقوبة التى يتم تطبيقها على المتنمر تتمثل فى الحبس لمدة لا تقل عن سنة، مع دفع غرامة مالية لا تقل قيمتها عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد قيمة الغرامة عن 100 ألف جنيه.. لردع هذه الظاهرة التى باتت تهدد الأمن والاستقرار الاجتماعى.

أسئلة كثيرة طرحتها «صباح الخير» على الخبراء النفسيين والاجتماعيين حول التنمر وكيفية التخلص من آثاره السلبية فى المجتمع.

التقليل والسخرية

عرف دكتور «فتحى قناوى» «أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية» التنمر بأنه إسقاط شىء على شىء.. بحيث يؤثر على الناحية النفسية والمعنوية، وبالنسبة للشخص الآخر، مما يؤدى إلى التأثير العضوى أو المرضى للشخص.. فالتنمر له أوجه كثيرة، مثل التنمر بكلمات، التنمر بنظرات التنمر باختلاف الجنس، التنمر فى الشكل، التنمر فى الاستخدام وعدم الاستخدام أو المقدرة وعدم المقدرة.

وقال «قناوى»: إن التنمر له تأثيرات سلبية على المجتمع.. لأنه يؤثر فى كيان وكينونة الوحدة الأساسية وهى الأسرة.. لأن بناء المجتمع هو بناء الأسر.. فالفرد يبنى الأسرة والأسرة تبنى المجتمع والمجتمع يعيش فى الوطن أو المكان الموجود فيه.

وأضاف: إن التنمر لم يعد بين الأشخاص الغرباء، بل أصبح بين الأهل والأسرة الواحدة.. وكل هذا نابع من ثلاث حاجات أساسية.. الأولى: النشأة السليمة والسوية، الثانية: الأخلاق والدين، والثالثة: التأثر وعدم التأثر بالسوشيال ميديا.. فهما الأساس فى حل المشكلة، وأيضًا الأساس فى المشكلة.

وحسب د. قناوى، التربية غير السليمة والنشأة غير السليمة وعدم وجود أخلاق وعدم وجود وازع دينى وانتشار السوء فى السوشيال ميديا والاستخدام السيئ لها، يؤدى إلى تفاقم تلك المشكلة وتفكك الأسرة وتفرق المجتمع فى نفس الوقت.

أما بالنسبة للفرق بين الهزار والتنمر، فقال دكتور قناوى: الهزار حسبما تعودت عليه من الشخص الآخر ومدى تأثيره وماذا أقصد منه؟ وعلى حسب الموقف وقتها، أما التنمر فهو التقليل والسخرية من الشخص أمام الجميع سواء بين الأصدقاء أو الأزواج أو داخل العائلة الواحدة.. أما إذا كان بين صديق وصديق أو الزوج والزوجة أو بين شخصين لا ثالث بينهما فيسمى هزارًا لأن هذا هو الأسلوب المتبع فى التعامل مع بعضهم البعض.

سلوك عدوانى

من جانبه يرى استشارى الصحة النفسية» «دكتور وليد هندى» أن التنمر شكل من أشكل الإساءة أو الإيذاء الموجه لفرد أو لمجموعة من الأفراد بشرط أن يكونوا الأضعف.. بمعنى أن لو فى حد يمارس عنفًا تجاه الآخر فهذا ليس بتنمر.. لأن الاثنين يمارسان العنف على بعض «دراع بدراع».. لكن عندما يستشعر أحد القوة.. ويبدأ يمارس على الطرف الأضعف العدوان والإيذاء، فهذا هو التنمر.. فهو سلوك عدوانى متكرر بهدف الإضرار العمدى بشخص سواء جسديًا أو نفسيًا.. ويفعل المتنمر هذا، من أجل أن يكتسب السلطة على حساب الطرف الأضعف.. ويستشعر التميز عليه.

وعن أشكال التنمر، قال دكتور «هندى»: التنمر له أشكال مثل التميز بالألقاب وأشكال الإساءة، لفظيًا وجسديًا وعاطفيًا.. أو التنمر مباشر بالدفع أو الصفع والخنق أو اللكم أو الضرب والخدش.. أو تنمر غير مباشر وغالبًا ما يمثل تهديدًا للضحية بالسخرية أو النبذ أو إثارة الشائعات حولها.. وهذه أشكال مسيئة جدًا ولها آثار سلبية كبيرة على الشخص المتنمر عليه.. والتى قد تؤدى بإصابته بمتلازمة القلق.. أو يصاب بنوع من الكبت فى المشاعر وقد يدخل فى أزمة نفسية.. ويصاب بعزلة ويبتعد عن المجتمع الخارجى مما يصل به لاكتئاب والذى قد يدفعه إلى الانتحار.

وأشار دكتور «هندى» إلى أن فى بريطانيا من 12 لـ25 طفلاً سنويًا ينتحرون بسبب تعرضهم للتنمر.. وهذا التنمر يمارس فى جميع الأماكن التى يكون بها تجمعات، فى دور العبادة، فى المدارس، وفى جميع المؤسسات وفى أماكن العمل والشوارع.

وقال دكتور «وليد»: إن المتنمر له سيكولوجيا معينة.. فغالبًا ما يكون شخصية استبدادية فى الرأى والفكر ولدية نزعة للسيطرة والهيمنة ويكون لديه غل تجاه الآخرين وحاقد على المجتمع، متكبر يشعر بالاستعلاء ونرجسى.. ودائمًا ما يعانون من متلازمة القلق.. لذلك يلجأون للتنمر كى يخفوا هذا القلق.. وهناك من يمارس التنمر كنوع من المحاكاة والتقليد فقط لا غير.. لذلك يجب إعادة إنتاج السلوك، مضيفًا: لابد من انزال العقاب وتفعيله فى أسرع وقت وفقًا للقوانين.

 

 

 

صبغة استهزائية

أستاذ الصحة النفسية والاجتماعية بكلية الأزهر دكتور «طه أبوحسين» قال: إن التنمر فى أحيان كثيرة له تصنيف فئوى يختلف من فئة لأخرى.. ويمكن لشخص أن يمارس التنمر دون أن يعرف أن ما يمارسه يعتبر تنمرًا.

وأضاف: لو حصرنا التنمر فى أطفال المدارس سنحصره فى صفة استعلاء النسب، بمعنى أن هذا الطفل أغنى من الآخر، وأشهر أو من عائلة أكثر جاهًا أو نفوذًا، وبالتالى تتوالد عنده فكرة من أفكار التعالى والتى تتمثل فى صورة التنمر.

ويشير دكتور «أبوحسين» إلى أن التنمر بين أفراد الأسرة قطعًا غير مقصود.. وإذا حدث فيجب التراجع عنه فورًا.. لأن من أسباب ما يسمی بالأسرة الموبخة أو الأسرة المضطربة والأسرة كثيرة النقد هى أسرة مدمرة وهدامة.. لذلك ندعو الآباء والأمهات أن يبتعدوا عن هذا الأسلوب غير الصحيح، وأن يستبدلوا هذه الحالة ويستبدلوا النقد بالنقد المباشر والصريح.. وأن يكون هناك التوجيه المباشر من الآباء والأمهات للأبناء وفى حدود معينة، بغير توبيخ.

وحسب الدكتور «طه» فإن التخلص من هذه الظاهرة يحتاج أولاً إلى إعادة النظر فى الأخلاق فى المجتمع.. لأن نسبة الأخلاق للأسف وصلت إلى درجات متدنية فى عدد من الفئات، فإذا كانت الأسرة تفتقر للأخلاق والتربية، مهما كانت تقدم لابنها من مأكل وملبس ومشرب، فى النهاية سينتج كيانًا ممسوخًا فاقدًا للتربية.. فلابد من الأخلاق ثم التربية ثم التوجيه بشكل صحيح.. مع الوضع فى الاعتبار إلى استيضاح وإظهار المعانى التربوية السليمة.