الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
حج مبرور وكتالوج مفقود

حج مبرور وكتالوج مفقود

أؤمن تمامًا بمصداقية وحقيقة عبارة إننا كمصريين «مالناش كتالوج». تعتقد أن الشعب كله يسير جهة الشرق مثلًا وأنه لا أمل إطلاقًا أن يقتنع بالغرب، ثم فجأة تستيقظ ذات صباح، لتجد الغالبية وقد طرقت مسار الغرب.



 

وقد رأينا هذا بشكل مكثف منذ أحداث يناير 2011 مرورًا بـ 30 يونيو 2013 وحتى يومنا هذا. والكتالوج المفقود، أو ربما الذى لم نولد به من الأصل، ليس سياسيًا فقط، «بل اجتماعيًا وفنيًا وتعليميًا ونفسيًا واقتصاديًا ودينيًا»، أى كل ما يتعلق بتفاصيل حياتنا اليومية. ورغم أن عدم وجود كتالوج لنا أمر له محاسنه وفوائده، لكنه أيضًا له أضراره، أو فلنقل يدفع بعضنا ـ وأنا منهم ـ إلى ضرب الرؤوس فى الجدران لفرط عدم الفهم والدهشة. كلما تسللت إلى «فايسبوك» تطالعنى صور مئات الأصدقاء والصديقات والأهل والأقارب والزملاء والزميلات وهم بملابس الإحرام لأداء «فريضة» الحج.

 

بالطبع نتمنى لهم حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا، ولكن هذه الأعداد الغفيرة من المصريين والمصريات الذين يحجون، ومنهم يحجون للمرة الثالثة والرابعة والخامسة، كيف يحجون هذا العام؟ والمقصود بـ«كيف» فى هذا الشأن، أى كيف تمكنوا من تدبير الأموال اللازمة للحج، وهى مبالغ طائلة لا سيما فى ضوء أداء الجنيه المصرى. حتى أيام قليلة مضت، كان «فايسبوك» عامرًا بالصياح والصراخ والعويل.

 

«خلاص نسينا اللحمة» «وداعًا للفراخ» «هتوحشنا يا بيض» «قرص الطعمية أصبح فى متناول الطبقة الأرستقراطية فقط» وقائمة طويلة يفترض أنها أمارات الأزمة الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية وانهيار الطبقات واقتراب البعض من درجة المجاعة. وللعلم أن فريقًا من الحجاج ممن أعرفهم معرفة شخصية من المشاركين والمشاركات فى بكائيات الرز والفاصوليا واللحمة والسمك اليومية على الأثير. بل البعض منهم سألنى عن اختيارات مدارس ذات مصروفات أقل ولو بألف جنيه! كيف إذن تمكن هذا الجيش الجرار من توفير ملايين الجنيهات، ناهيك عن ملايين الريالات لزوم الإنفاق والأكل والشرب أثناء «فريضة» الحج؟! رأيى الشخصى أن من يقترض من البنك أو من «بابا» أو «عمو» أو «طنط»، أو يقسط ثمن الحج فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وهو يعلم أن قدرته على السداد غير مضمونة، وأنه سيوقع «الورثة» فى حيص بيص إن هو لا قدر الله رحل عن دنيانا تاركًا لهم هم سداد الدين، فهو ليس فى قواه العقلية.

 

علمونا زمان أن الحج فريضة لمن استطاع إليه سبيلًا، وليس لمن استطاع الحصول على قرض أو سلفة أو جمعية إليه سبيلًا! وأخبرونا كذلك أن للحج شروطًا من بينها العقل والاستطاعة. فإن لم تكن هناك استطاعة، فلا حج.

 

عمومًا، تقبل الله من الجميع، لكن رجاء وقد عادت هذه الجيوش الجرارة إلى أرض الوطن، فأرجو ألا يصدعونا بالنحيب على غياب اللحوم أو يوجعوا قلوبنا بالبكاء على سعر كرتونة البيض أو مآل الفراخ أو مصير الأسماك. طلب أخير، بينما تحجون لا تنسونا من صالح الدعاء، ولا تنسوا أن تدعوا لأنفسكم بالحكمة والعقل، بالإضافة لدعاء خاص للعثور على الكتالوج المفقود لعلنا نفهم كيف نفكر ونتصرف ونحدد الأولويات ونقرر المصير!