الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مش مضحك على فكرة!

«دى حلوة دى، دى سوده وكوده».. «الشعر ده مش كيرلى.. دى كرته»، «بصى الواد بقى شبه العجل ازاى»، «الواد شفط الهوا، كل دى مناخير.. ده نفق». الكثير من الجمل المختلفة التى تقال على سبيل الهزار «التريقة»؛ لكنها فى حقيقة الأمر تنمر على الأبناء، والأسوأ من تلك الجمل أن من يطلقها هم الأهل: الأب، الأم، الجد، الجدة، الأعمام، الخالات.. وهَلُمَّ جَرًّا.



 

والأبناء اعتادوا على سماع تلك الجمل أو الألقاب من أقرب الأشخاص لديهم، قد يواجهون ذلك بالضحك أحيانًا، ووراء الضحك احتقان شديد، لشعورهم بعدم الثقة فى أنفسهم، وانتقاص الأهل منهم.

وحتى إن أبدوا انزعاجهم من تلك الألقاب، لا يغير هذا من شىء.. الغريب أن الأهل يتنمرون على أولادهم، وينزعجون إذا تنمر غريب على أبنائهم.. متبعين المَثل القائل: (أدعى على ابنى، وأكره اللى يقول آمين).

يعنى أن الآباء والأمهات حلال يطلقون الألقاب على الأبناء ويتنمرون عليهم، أمّا الغريب فيحرم عليه.

فى كثير من الأحيان يكون الأب والأم مضطرين للتنمر على أبنائهما متبعين مبدأ «كل نفسك، قبل ما حد يأكلك»، أى بالأحرى أنهم « يتريقوا» على أبنائهم قبل أن يتنمر عليهم أحد؛ لوجود شىء بارز أو ظاهر فى الطفل قد يثير السخرية، فيعتقد الأهل أنهم إذا تنمروا هم بأنفسهم، سيخرسون ألسنة الآخرين عن السخرية من أبنائهم، وأن ما يفعلونه فى أبنائهم من باب الشجاعة والتصالح مع الشكل، دون النظر للأضرار النفسية التى تلحق بأبنائهم.

توجّهت « صباح الخير» إلى الاستشاريين لمعرفة مدى التأثير والضرر الذى يلحق بأبناء تنمر عليهم آباؤهم، ووضعوا لهم الألقاب.

من الواقع

دعاء خليفة استشارى نفسى وتربوى، كان ردها من أرض الواقع، معايشة لمن حولها من أصدقائها فى زمن الطفولة حيث قالت: «بعكوكة، سلوع ولومة» تلك أسماء جيرانى وأنا طفلة، وبالطبع ليست أسماءهم الحقيقية؛ بل ألقاب أطلقها آباؤهم عليهم، ووراء كل لقب صفة، فمثلاً «بعكوكة» بسبب كبر حجم الأنف، أمّا «سلوع» فلأنه كان شديد النحافة، و«لومة» لأن شفاهه كانت متدلية وأهله يرون أنها تشبه «زلومة الفيل».

تكمل: للأسف الأهل وسَمُوا أبناءهم بتلك الصفات، دون النظر إلى ما سيسببه هذا من تأثير نفسى على أبنائهم، وللأسف فإن الحال التى آلت إليها تلك الشخصيات، غير مُرضية على الإطلاق، فمثلاً «سلوع» فى نهاية المرحلة الإعدادية وبداية مرحلة الثانوية، وهى تحديدًا الفترة التى يتغير فيها الجسم، أقبل على الأكل بشكل رهيب ومَرَضى حتى يزيد وزنه، لدرجة أنه فى مرحلة الجامعة أصيب بمرض السكر.

أمّا «بعكوكة»؛ فكل حلمه وأمنيته أن يقوم بعملية تجميل فى أنفه، العُقَد النفسية كانت العامل المشترك بين الأبناء الذين تعرّضوا للتنمر من أهاليهم، هنا أتحدث عن الأب والأم بالذات، وهنا تظهر خطورة التنمر داخل محيط الأسرة، وذلك لأنه أول مجتمع نتعامل فيه وأول محيط نكتسب صورتنا الذهنية فيه عن أنفسنا، كيف يرانا الناس؟، وأيضًا هو المحيط الذى نكتسب منه طريقة التعامل، كيف يعامل الآخرون بعضهم البعض؟ والأسلوب والطريقة التى تتشكل فيها هويتنا وأسلوبنا وشخصياتنا.. وكل ذلك يحدث فى أول 8 سنوات من حياة الطفل فى دائرته ومجتمعه الصغير.

السؤال هنا: لماذا يفعل الأهل هذا؟ من المؤكد أنهم غير راغبين فى إلحاق الأذى بأبنائهم، إذن لماذا يتصرف بعض الأهل بتلك الطريقة؟، وأعرف عائلات كثيرة التنمر لديهم عادى، وتسمية الأبناء بألقاب بعيوب فى شكلهم عادى أيضًا.

الإجابة: لأن الأهل ترَبُّوا على ذلك، كانوا وهم أطفال لديهم ألقاب، أو صفات متنمر بها عليهم مشهورة فى محيط العائلة، فالأهل هنا مشوا بمبدأ: «هذا ما ألفينا عليه آباءنا».

وقديمًا رغم انعدام الوعى؛ إلا أن إذا- مثلاً- تدخل أحد من العائلة وقال للأب أو الأم، (لا حرام تقولى على ابنك كده، الولد هيتعقد)، تكون الإجابة من الأم أو الأب للأسف: «يتعقد ليه ؟، ما احنا أهالينا عملوا فينا كده.. وطلعنا زى الفل أهو».

من قال إنهم بهذا الشكل «زى الفل»؟!

أكبر دليل على معاناتهم من عدم سواء نفسى، أنكم تستخدمون نفس الطريقة التى كانت تحدث معكم وأنتم أطفال، وكانت تزعجكم.

 

 

 

«أنا لا أستحق» هذا ما يشعر به الطفل الذى يتم التنمر عليه من أهله.

شعور بعدم الاستحقاق، أنا سيئ، «أنا وحش أو قبيح»، «أنا قليل»، «أنا لست كافيًا».

كانت لدىَّ صديقة منذ الطفولة سمينة وكان أهلها ينعتوها بـ«دبدوبة الطخينة»، طبعًا هى الآن نحيفة جدًا لدرجة أن ليس لديها مناعة وأصبحت مريضة أغلب الوقت.

تلك الفتاة كانت ترى أنها لا تستحق، وأن فكرة أن يعجب بها ولد أو يحبها ويرتبط بها.. هى فكرة كبيرة جدًا عليها، ولا تستحقها.. فمن مثلاً سيرضى ويعجب بـ«دبدوبة الطخينة»؟!

وبالزمن دخلت فى مشاكل أكبر لم يكن للأهل دراية أو وعى بها.. فعندما ننتقص من الابن أو البنت فى شكلهم، سيعرضهم لمشكلة نفسية رهيبة، وبالتالى ستكون اختياراتهم خاطئة، ستتورط الفتاة بالدخول فى أى علاقة عاطفية تمر عليها لأنه شىء كبير جدًا أن ترى ولدًا معجبًا بها، ستشعر أنه «الأمَلة»، وستكون اختياراتها خاطئة بالرضا عن أى علاقة لأنها لا تستحق الأفضل، فأهلها يرونها بهذا الشكل، فكيف بالآخرين؟

وهنا ستقع اختياراتها على أى شخص حتى إذا كان غير مناسب وسيورطها هذا فى مشاكل أكبر، مثل الولد شديد النحافة الذى اختار الأكل بنهم وأصبح «مريض سكر»، كان اختياره خاطئًا لإرضاء الآخرين وللتخلص من وسْمه بـ«سلوع»، فالتنمر واحد من أبشع الجرائم، التى ممكن أن يرتكبها الأهل فى حق أولادهم.

الحل؛ هو أن نعمل على أنفسنا، بدلاً من إطلاق الألقاب على الأبناء.

أكبر مهمة فى الحياة هى إنشاء إنسان سوى نستثمر فيه الصفات الجميلة، نشغل أنفسنا بالوعى، الصحة النفسية، أن يدرك الأهل أن أكبر إنجاز، أن ينشئوا أبناءهم تنشئة نفسية سليمة، فلا بُد أن يهتم الأهل بالصحة النفسية للطفل كما يهتمون بصحته الجسدية، فهى لا تقل أهمية، أن يحافظوا على سلامة عقول أبنائهم ويجعلوهم أسوياء نفسيًا، من خلال تثقيف الأهل بالصحة النفسية، والآن الدنيا أصبحت مفتوحة على مصراعيها بسبب الإنترنت، وبرامج الصحة النفسية، ووجود استشاريين نفسيين، وتربويين، واستشارى سلوكى، فإذا لم يستطع الأهل من أنفسهم أن يزودوا المناعة النفسية للطفل، يستعينوا بتربويين وأساتذة علم نفس وسلوكيات لحماية أبنائهم ولتعزيز قيمتهم، وأن يشعر الأبناء أنهم ذوو قيمة كبيرة، وأنهم يستحقون.. وهذا يبدأ من الآباء والأمهات أن يروا أبناءهم شيئًا كبيرًا وذا قيمة، حتى يشعروا بهذا.

تأثير ما بعد الطفولة

دعاء بركات دكتور فلسفة التربية وعلم النفس، ومعالج بالفن والطاقة، قالت: عادة عندما يتنمر الأهل على أبنائهم لا يكونوا متعمدين إيذاءهم، وفى الأغلب يحدث هذا بدون قصد سيئ، بعض الأهل يتنمرون بهدف التوجيه، أو التأكيد على نقطة بعينها، ولكن تأثير الكلمة غالبًا ما يكون كبيرًا؛ خصوصًا عندما تكون الإشارة سلبية من أقرب الأشخاص للطفل، فالأهل فى أكثر الأحيان يصدرون ألقابًا وأحكامًا على الأبناء، من دون تفكير وعلى غير وعى مدى تأثير كلامهم على الطفل، وكيف سيرى نفسه فيما بعد؟ وكيف ستكون اختياراته فى الحياة؟ حتى إذا أصبح ناجحًا؛ كيف سيرى نفسه ويدرك قيمتها؟ ويُقدّر نفسَه مثلما يستحق.

والتنمر على الأبناء لا يكون على الشكل الظاهرى فقط، «أوزعة للقصير، ومسلوع للرفيع»، وإنما قد تكون تنمرًا على التصرفات، وإطلاق أحكام على الطفل من نوعية «أنت فاشل»، «أنت عمرك ما فكرت صح»، «أنت عمرك ما عرفت تتصرف»، «دايمًا طريقتك غلط»، «أنت معندكش مخ».

وللأسف قد يكون الأبناء عرضة للتنمر خارج المنزل فى المدرسة أو الشارع، ولكن الفرق أن الأولاد خارج المنزل يكونون مرتدين واقيًا نفسيًا، ولا يتأثر نفس التأثير إذا سمع التنمر من الأهل، لأن داخل المنزل ينزع الطفل الواقى النفسى، مثلما ينزع ملابس الخروج، فيكون خاضعًا ومستسلمًا تمامًا دون حماية أو درع واقية له من الأهل.

فتأثير كلام الأهل يكون أضعافًا مضاعفة سلبًا أو إيجابًا.

خارج المنزل عادة ما يكون الطفل بشخصية مختلفة عن شخصيته داخل المنزل، قد يدافع عن نفسه خارج المنزل، أو لا يهتم بحديث الآخرين، والمشكلة الكبيرة عندما يتنمر الأهل على الطفل، هنا تترسخ فى ذهنه صورة معينة عن نفسه يصعب تغييرها، فيفقد الثقة فى نفسه ويظل تأثير هذا التنمر لسنوات.

تقول «د. دعاء»: أعالج حالات ستندهشين من الأعمار، أعالج أشخاصًا فى عمر 45 عامًا، وآخرين فى الثلاثينيات والعشرينيات.. لم يستطيعوا تغيير صورتهم عن أنفسهم، إحداهن ترى نفسها جاموسة، كانت تلك إجابتها عندما سألتها: «كيف ترين نفسك»؟ وعندما ردت «جاموسة» اعتقدت أن أهلها يعايرونها بعدم الفهم، ولكن شرحت حرفيًا، أرى نفسى ببطن كبير مستدير، ورأس جاموسة، وأفخاذ جاموسة، والمشكلة أن البنت وزنها ضعيف جدًا، ولكن لمجرد أن والدها دائمًا ما يقول لها: «انتى بتأكلى زى الجاموسة».

وأخرى عمرها 45 عامًا مهندسة بإحدى شركات المالتى ناشونال، وترى نفسها فاشلة؛ لأن أهلها دائمًا ينعتونها بهذا الحكم، أنها فاشلة، تخرجت فى كلية الهندسة دون إعادة أى سنة دراسية بتقدير جيد، وتسلمت وظيفة فى شركة مرموقة، وما زالت ترى نفسها فاشلة، وتحاول باستماتة أن تبذل كل جهدها لتثبت لأهلها أنها ليست فاشلة، أثّر ذلك على علاقتها بزميلاتها وزملائها فى العمل؛ بل إنها ترفض الشروع فى أى علاقة عاطفية.

المراد من طرحى لتلك الحالات؛ أن ما يراه الأهل مزاحًا، أو تحفيزًا من خلال النقد السلبى، قد يؤثر على الطفل طيلة حياته حتى بعد أن يتخطى مرحلة الطفولة أو المراهقة.

ومن هنا أحب أن أوجّه رسالة إلى الأهل.. الذين يعتقدون أن تنمرهم يحمى أبناءهم من تنمر الغير عليهم، أو أن بذلك يواجهون أبناءهم بعيوبهم، وأؤكد لهم عليكم أن تختاروا دورًا من اثنين؛ إمّا أن تكونوا الجارحين، أو المعالجين! ولكن يستحيل أن تكونوا الاثنين، فتخسروا مصداقيتكم لدى أطفالكم.

بمعنى إذا كان الأهل هم من يجرحون أبناءهم ويتنمرون عليهم؛ فمن سيداوى جروحهم ويطبطب عليهم؟ فدور الآباء هنا حماية أبنائهم من الخارج، وهم من يحتضنون الأبناء، ويرفعون من قيمة الأبناء.

نصيحتى للآباء: عامل أبناءك كما تعامل أبناء أختك أو أبناء أخيك، لا تستطيع إيذاء مشاعره أو جرحه، خوفًا على زعل أخيك أو أختك، فلا تؤذِ مشاعر ابنك أو ابنتك، فليس من المضحك أو الشجاعة أن تسخر من شكل أو حجم أو طول أبنائك.

وكانت تلك آراء استشاريين نفسيين وتربية سلوكية، ومن الآخر «بالبلدى»، إذا كنت غير قادر على رفع معنويات ابنك ومدحه، فلا تذمّه.. «فلتقل خيرًا أو لتصمت».