الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
سلطــــة القــــراء!

سلطــــة القــــراء!

تقترح رواية «سفر الاختفاء» للكاتبة الفلسطينية ابتسام عازم، أن يستيقظ الشعب فى الكيان الصهيونى ليكتشفوا اختفاء الشعب الفلسطينى بدون أسباب واضحة.



 وبالرغم من أن ممارسات هذا الكيان تقوم على رغبة تتمثل فى انتظارهم لليوم الذى سوف تخلو لهم أرض الميعاد المزعومة من سكانها الأصليين، أيًا كانت الوسيلة.

 لكن الرواية تكشف أن اختفاء السكان الأصليين يتحول إلى كابوس آخر على عدة مستويات؛ فأولاً يعتمد الكثير منهم فى أعمال الزراعة والبناء، وغيرها، فمن الذى سيقوم بهذه الأعمال؟

وتاليًا سيشعر شعب الاحتلال أن ثمة شيئًا غامضًا وخطيرًا يدبر لهم، وهو ما يعكس كيف أن الحقيقة التى تعيش فى دواخلهم أنهم يغتصبون أرضًا ليست لهم، ويقتلون شعبًا أعزل بكل معنى الكلمة باستخدام ترسانة سلاح شديدة التطور. يقتلون شعبًا مدنيًا أعزل، لا يريد إلا أن يعيش حياة طبيعية فى بلاده التى ولد فيها بعد أجداده، حياة بكرامة وسبل رزق توفر له عيشة معقولة.

ويبدو اليوم أن آفة نفى الآخر أصبحت مرضًا أوروبيًا انتقل من سلطة الدول الأوروبية إلى سلطة الشعوب.

فالروائية الأمريكية إليزابيث جيلبرت، مؤلفة كتاب «طعام، صلاة، حب» الذى حقق نجاحًا استثنائيًا وتحول لفيلم شهير أيضًا من بطولة النجمة جوليا روبرتس. كانت أعلنت قبل عدة أسابيع عن قرب طرح كتابها الجديد، وهو رواية بعنوان «غابة الثلاج»، وتدور أحداثه فى روسيا، وبالتحديد فى منطقة سيبيريا.

تم الإعلان عن الكتاب الجديد فى موقع «جود ريدز». وجاء رد الفعل من قراء من أوكرانيا، يقيمون الكتاب بنجمة واحدة، قبل أن يقرأوه، وقبل أن يُطرح فى الأسواق أساسًا، وفهمت الكاتبة من تعليقات القراء أن رد فعلهم يأتى اعتراضًا على حبكته التى تدور فى روسيا، على خلفية الحرب فى أوكرانيا.

وبعيدًا عن رأيى الشخصى فى أن فكرة تقييم الكتب بنجوم عمل من إنتاج الرأسمالية المتوحشة التى حولت كل شىء إلى سلعة، فإن المفاجأة التى أذهلتنى هو رد فعل الكاتبة، فماذا فعلت؟

قالت الكاتبة: «يبدو أن الآن ليس الوقت المناسب لنشر هذا الكتاب». ثم أضافت: «لا أريد أن أضيف إلى آلام الأشخاص الذين عانوا وما زالوا يعانون من آلام شديدة». وأضافت: «سأحذف هذا الكتاب من جدول النشر».

هذا الموقف، بالإضافة لأنه يعبر عن التكريس لمنطق رأس المال، والاستكانة إلى سلطة القراء، باعتبارهم ممثلى القوة الشرائية، لكنه أيضًا موقف سياسى يتمثل فى محاولة نفى روسيا من الوجود ومن خارطة الأدب والفنون، كما سبق وحدث فى إيطاليا فى بداية الأزمة حين أعلن أحد الأكاديميين على ضرورة حذف تدريس الأدب الروسى، أو إلغاء بعض عروض الباليه الروسى إلى آخر تلك المواقف التى تعبر عن هشاشة وتفاهة تعبر عن تغيرات مزعجة فى مفاهيم الديمقراطية فى الغرب.

أصبح الإقصاء والتهميش هو الوسيلة التى تتصور أوروبا أنها سلاحها فى مواجهة محاولاتها لإضعاف روسيا، تمامًا كما هو موقف «قراء» يريدون إقصاء كاتبة لأنهم يريدونها أن تمتثل لمنطقهم وإلا عُدّت متسببة فى آلامهم الشديدة.

هذا التهافت الغربى قراءً وكتابًا لا يعبر إلا عن أزمة غربية عميقة، أزمة الديمقراطية التى حولتها الصوابية السياسية إلى مجرد منظومة بيروقراطية «مقدسة» فقدت جوهر معناها المتمثل فى مسؤولية الفرد تجاه الآخر وليست منظومة لتضخيم بإحساس الفرد باستحقاقاته على حساب الآخرين.