جبر الخواطر.. على الله

هيام النحاس
«إزالة الأذى عن طريق القلوب، أعظم أجرًا وأشد إلحاحًا من إزالة الأذى من طريق الأقدام».. من منا لم يهدأ بكلمة طيبة أو يسعد بمجاملة لطيفة، فلا شك أن للكلمات الحسنة فعل السحر فى القلوب.
وبما أن الحياة الاجتماعية تفرض علينا جميعًا التعامل مع أنماط مختلفة من البشر، منهم اللطفاء ومنهم قساة الطباع والكلام بالنقد الجارح، وبالطبع يكون من الصعب تغيير الطرف الآخر خاصة إذا لم يكن مقتنعًا بسوء ما يفعله، ولكن الأصعب أن يكون ذلك الشخص من الدائرة المقربة لك، كأم أو أب أو زوج أو أصدقاء.
ففى هذه الحالة يكون الشعور أكثر إيلامًا وإزعاجًا. إذا لم تستطع توجيههم ونهيهم عن إيذائك وكسر خاطرك، فعلى الأقل تتعلم كيف تحمى نفسك من سهام القسوة الموجهة نحوك.
حنينة لكن مدب
أحب أسرتى جدًا ولكن مشكلتى فى طريقة التعبير عن حبى ليهم.. فتحكى (سما ممدوح) 22 سنة: إننى دائمًا ما أوصف بالحنية وطيبة القلب ولكن لا أعرف كيفية التعبير عن حبى بالكلمات الرقيقة والعبارات الرومانسية، فمثلًا مفتكرش أنى قلت لماما أو بابا كلام حلو زى اللى بشوفه فى التليفزيون زى يا قلبى يا روحى وأبوسهم وأحضنهم كل شوية رغم أنى بحبهم جدًا وهما عارفين كده، لكن أنا متعلمتش أو سمعت ده فى بيتنا وأنا صغيرة، فبالتالى مش عارفة أقوله وأنا كبيرة لدرجة أن ماما دايًما تقولى إنتى طيبة بس «مدب»، وهى عندها حق، ولما بحاول أغير من طريقتى وأقولها كلام دلع وحب بحس بشىء من السخافة».
تكمل: عندما أفكر بأن الأمور قد تكون مستقرة أو على قدر من التفاهم مع أسرتى بأن كلًا منا يعرف مدى حبه للآخر رغم سوء التعبير، لكن ماذا سيحدث عندما أرتبط بشخص هو بالتأكيد ليس مجبرًا على تقبل طبعى هذا ولازم يسمع منى كلام جميل بعيدًا عن الانتقاد الدائم كما أفعل مع من هم مقربون منى.
يبدو الأمر بسيطًا ولكنه مربك بشكل كبير مع الأشخاص الذين لا يجيدون التعبير عن أنفسهم».
تقول لبنى محمود 35 سنة - صيدلانية: كان زوجى كأى رجل طبيعى فى فترة الخطوبة شديد الاهتمام والملاحظة لكل ما يخصنى ودائم الثناء على مظهرى وشخصى، حتى تزوجنا وبدأ الاهتمام يقل تدريجيًا مهما حاولت التغيير.
تكمل: أصبح قليل الكلام ولو تكلم فيكون دائم الانتقاد لى، والأكثر أنه يتعمد إهانتى أمام أهله ببعض الكلمات السلبية كأنى زدت فى الوزن أو أصبحت كثيرة النسيان أو أى ملاحظة سلبية يطرحها بدون مبرر, وهو ما أدركته مؤخرًا بأنه يفعل أمامهم ذلك كنوع من إثبات رجولته».
تضيف: رغم ضيقى بهذه الطريقة وإخبارى له بذلك إلا أنه لم يتغير، وكثيرًا ما أفكر فى رد إهاناته كما يفعل ولكن أتراجع حتى لا يتطور الأمر وهو ما سيعتبره جريمة لا تُغتفر.
تقول: أما على جانب آخر وبحديثى معه أنه أصبح لا يتكلم معى إطلاقًا فى البيت، فلا وقت لديه لى أو لأبنائنا، ليس هناك أى تقدير أو حتى كلمة شكر على تعبى مع الأولاد رغم عملى مثله، إلا أن كل ما يراه أن هذا دورى وجزء من مسئولياتى كزوجة لا يعرف أن كلمته الطيبة بعد يوم طويل متعب قادرة على تغيير حالتى النفسية تمامًا.
وقد يرى البعض أن هذه الأمور تبدو تافهة بالنسبة لأزمات الحياة ولكن هذه الأمور الصغيرة تجعلنا أقوياء وقادرين على التحمل.
«البرود» وفن التجاهل
«البركة فى اليوتيوب».. تضيف رنا سعيد 33 سنة، عن أساليبها الدفاعية السلمية تجاه أهل زوجها قائلة: «متزوجة فى بيت عيلة بالقاهرة، أعيش بشقتى الخاصة بالدور الثانى وباقى أشقاء زوجى بالأدوار الأخرى، وحماتى وبناتها بالدور الأول، لكل منا حياته الخاصة ولكن نجتمع جميعًا يومًا فى الأسبوع عند حماتى.
تقول: رغم أنه يوم واحد لكن بيكون مزعج بشكل كبير جدًا بسبب حماتى وبناتها اللى دايمًا عندهم غيرة وحسد بتظهر فى كلامهم وتلميحاتهم، ورغم أننا فى الأصل أقارب إلا أنهم لازم يعلقوا على لبسى أو شكلى أو حتى أولادى مين أحسن من التانى أو دمه خفيف والتانى رخم، دايمًا كلامهم سلبى وبيجرح، ورغم أن زوجى بيكون موجود بس بيعمل نفسه مش واخد باله أو لو موقف واضح جدًا يرد يقولى هعمل إيه يعنى لأمى وهى ست كبيرة.
تضيف: أما عن باقى سلايفى فهما مش من العيلة لكن بتعاملهم أحسن معاملة «رغم أنهم بيتعاملوا معاها «بالشوكة والسكينة» مفيش منها أى كلام سلبى أو تعليق ممكن يضايقهم».
أكملت: عندما تحدثت مع أحد المختصين عن مشكلتى التى سببت لى إحساسًا بالدونية وعدم ثقة بالنفس أخبرنى أن أتجاهل تمامًا أى تعليق أو كلام سلبى توجهه لى وألا أنفعل أو أغضب لأنها فى النهاية والدته وسيظل يبرر كل أفعالها, لذلك لابد أن أثق فى نفسى وأتعامل بمنتهى الهدوء الذى يصل للبرود حتى لا أمرض نفسيًا كذلك حتى لا تسوء العلاقة بينى وبين زوجى بسببها».
كما أننى ثقفت نفسى بمتابعة مدربي التنمية البشرية على اليوتيوب وهو ما غير شخصيتى تمامًا وأصبحت أنا التى تسعى للذهاب إلى حماتى والرد عليها بمنتهى القوة والثبات والاحترام وطبعًا الابتسامة».
جبر الخاطر
من جانبها أكدت الدكتورة ثريا عبدالجواد أستاذ علم الاجتماع, أن التربية السوية تقوم على تنشئة الأبناء على لين القول وجبر الخاطر والسند والدعم والمودة، لكن اليوم ونحن نطالع صفحات الأخبار والحوادث نصطدم بمجتمع تنتشر به القسوة والعنف وعند البحث عن السبب والذى يختلف أحيانًا من فئة لأخرى, نجتمع على أن أى سلوك إنسانى قائم على علاقات بين أطراف هو نتاج لواقع اجتماعى معين يتشابك معه الواقع الاقتصادى، فازدياد وتيرة العنف والقسوة وتغير العلاقات الاجتماعية بين الجيران والأصدقاء وحتى داخل الأسرة الواحدة نفسها كثيرًا ما يشوبها حالة من التوتر والاضطراب نتيجة أن الأفراد أنفسهم قد يعيشون تحت ضغط فتكون القسوة هى رد فعل لما يتعرض له، حيث تخرج هذه الطاقة الغاضبة فى طريقة تعامله مع الآخرين.
أما عن علاقة أكثر خصوصية كالزوج والزوجة فلدينا ثقافة شائعة تحكم علاقة الرجل بالمرأة هذه الثقافة تؤسس على الفرقة والتمييز بينهم على أن الرجل هو الأول والأميز وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة بالبيت.
تكمل: فهناك عبارات تكاد تكون محفوظة يرددها الرجل ليشعر بقوته وتحكمه فى المرأة التى تزوجها كأن يقول لها إذا غضب عليها «لو خرجتى من البيت تبقى طالق»، «لو نزلتى الشغل هطلقك»، «لو روحتي لأهلك مترجعيش هنا تانى»، وبالتالى الرجل الذى يفكر بهذه الطريقة يستنكر أو يفكر ألف مرة قبل أن يثنى عليها أو يدعمها لأنه يشعر أنه إذا تغزل بها أو جبر بخاطرها فهذا يقلل من هيبته ومكانته كرجل». تضيف د.ثريا: هذا النوع من الرجال يرى أن زواجه منها فى حد ذاته هو تعبير عن حبه وهذا يكفى. وألا يجب أن يعبر لها عن مكنون قلبه لأن هذا قد يجعله أضعف. وهذا هو النموذج الشائع للرجل.
وعمومًا فعلى أى شخص أن يحصن نفسه بالثقة ويحمى نفسه ببناء شخصيته القوية التى لا تتأثر جذريًا بأهواء الآخرين، ومراعاة الحالة النفسية والاجتماعية لغيره، وكما أشرنا أن الضغوط التى ربما يتعرض لها البعض قد نكون نحن للأسف من نحصد آثارها السلبية، لذلك لابد من تجاوز هذه الحالة بشيء من الهدوء والحكمة.